هل يكون ضعف الجهاز المناعي سبباً للشعور بالاكتئاب؟

هل يكون ضعف الجهاز المناعي سبباً للشعور بالاكتئاب؟

تشير بعض الأبحاث، الى أن مرض الاكتئاب هو ثاني أكبر سبب للإعاقة في العالم، حيث يصيب اكثـر من 350 مليون شخص في جميع أنحاء العالم.

وتشمل الأعراض النموذجية للاكتئاب - عدم القدرة على الشعور بالسعادة - والشعور باليأس الذي لا يمكن معالجته، مما يؤدي أحياناً إلى إيذاء النفس وحتى محاولة الانتحار. وفهم هذا المرض أمر صعب، وغالباً ما يربط خطأ بنوع من الضعف الأخلاقي أو العقلي. ومع ذلك، تشير البحوث إلى أنه يصيب عشرات الملايين من الناس، والاكتئاب قد يكون ناجماً عن خلل في الجهاز المناعي. وبعبارة أخرى، فإن اسبابه ليست مرتبطة جميعاً بخلل عقلي.

أظهرت الدراسات أن الاكتئاب مرتبط بارتفاع معدل مواد السيتوكين المثيرة للالتهاب مثل إل-6 (IL-6). ولكن هذه العلاقات يمكن أن تكون مربكة. ما الذي يحدث أولاً؟ هل يؤدي ارتفاع معدل (إل-6 (IL-6) (الذي قد يحدث بسبب التقدم في السن أو نتيجة للمشاكل الالتهابية الأخرى) إلى الاكتئاب؟ أو هل أن الاكتئاب يسبب ارتفاع معدل إل-6 (IL-6)؟ حاولت دراسات عدّة الإجابة على هذه الأسئلة ولكن ما زالت الإجابة غير واضحة. كما ان الاكتئاب يؤثر جداً في وظائف جهازي المناعة والالتهاب، نعلم أن الشعور بالاكتئاب أو اليأس يرفع نسبة الإصابة بداء القلب والوفاة. إن الأصحاء المصابين بالاكتئاب هم أكثر عرضة للإصابة بداء القلب، والمصابون بداء القلب معرضون للاكتئاب أكثر من باقي الأشخاص. إن المصابين بداء القلب والاكتئاب معرضون للوفاة بعد ستة أشهر من حدوث نوبة قلبية أكثر بأربعة أضعاف من المصابين بداء القلب فقط. وما زال الباحثون يحاولون معرفة سبب ارتباط الاكتئاب ارتباطاً وثيقاً بداء القلب. وقد أجرى فريق من العلماء في المملكة المتحدة مع باحثين من شركات الأدوية دراسة للتحقق في ما إذا كان يمكن علاج الاكتئاب عن طريق استهداف الجهاز المناعي. ويقود هذا الفريق البروفيسور إد بولمور، رئيس قسم الطب النفسي في جامعة كامبريدج، ويقول البروفيسور إد بولمور " لم نحقق تقدماً كبيراً في علاج الاكتئاب، كما كنا نأمل على مدى السنوات العشرين الماضية. "إذا ذهبت لرؤية الطبيب وأنت تشكو من أعراض الاكتئاب، فإنه بالتأكيد سوف يحيلك للعلاج السلوكي المعرفي أو يصف لك الادوية المضادة للاكتئاب والتي تشبه تلك الموجودة في السوق منذ أوائل ستينيات القرن الماضي. ويضيف قائلاً "معظم مضادات الاكتئاب الموجودة تعمل عن طريق زيادة كمية السيروتونين في الدماغ – وهو الناقل العصبي المهم الذي يؤثر في المزاج - لكنها لا تعمل مع الجميع. ويستجيب حوالي ثلث المرضى الذين يعانون الاكتئاب بشكل جيد لهذا النوع من العلاج، وحوالي الثلث لديهم أعراض مستمرة، والباقي لديهم استجابة جزئية". وتشير النتائج الأولية لهذه الدراسة، والتي تتفق مع دراسات أخرى، إلى أن ثلث المرضى الذين لا تعمل لديهم العقاقير المضادة للاكتئاب قد يكون لديهم مستويات أعلى من المعتاد من الالتهابات، وهي وظيفة خاصة بجهاز المناعة. وهذا يعني أن هناك ارتباطاً بين الاصابة بالالتهابات والشعور بالاكتئاب. ولكن الدراسة تركز على استنتاج فكرة أن الالتهابات التي تصيب هؤلاء المرضى، هي في الواقع من تسبب لهم الشعور بالاكتئاب. ولكن كيف يمكن أن نعرف أن ليس الاكتئاب هو الذي تسبب في حدوث هذه الالتهابات؟ يقول جوناثان كافاناه، أستاذ الطب النفسي في جامعة غلاسكو، إحدى المؤسسات المشاركة في الدراسة: "هناك مجموعة متنوعة من الأدلة". "على سبيل المثال، قمنا بدراسة سلوك الحيوانات مثل الفئران قبل وبعد إصابتها بالالتهاب. وكان سلوكها طبيعياً قبل زرع البروتينات التي تسبب الالتهابات في اجسامها، ولكن بعد ذلك ظهرت عليها اعراض الاكتئاب، والتي يمكننا قياسها باستخدام تجارب مختلفة، مسيطر عليها".
"والمرضى من البشر الذين يعالجون بالعقاقير الالتهابية – في بعض الحالات مثل اصابتهم بمرض التهاب الكبد الوبائي سي - لديهم فرصة كبيرة للشعور بالاكتئاب، حتى لو لم يصابوا به من قبل". وعلى العكس من ذلك، فإن الاشخاص الذين يعانون من حالات التهابية مثل التهاب المفاصل لديهم ميل للمعاناة من الاكتئاب، ويبدو أن العلاجات المضادة للالتهابات لديها بعض الفوائد المضادة للاكتئاب – وتكون على ما يبدو منفصلة عن التحسن في الأعراض الجسدية.
وإذا كان الالتهاب يسبّب الاكتئاب - ربما عن طريق إنتاج المواد الكيميائية التي تتداخل مع إنتاج السيروتونين - فما الذي يسبب الالتهاب؟ هناك عدد من الاحتمالات. الالتهاب هو استجابة الجسم للعدوى ولكن يمكن أن يسببه الإجهاد بسبب نمط حياة غير صحي. وهناك أيضاً بعض البحوث التي تشير إلى أن الأطفال المعرضين لمستويات عالية من العدوى أو إلى الضغوطات الشديدة مثل أحداث الحياة الصادمة هم أكثر عرضة للمعاناة من الاكتئاب كما هو الحال مع البالغين.
ويقول كارمين باريانت، أستاذ الطب النفسي البيولوجي في كلية كينغز في لندن: "مع هؤلاء الأفراد، فإن التعرض للإجهاد في مرحلة مبكرة من الحياة يعدل من أداء الجهاز الالتهابي - فهو يحدد حساسية أعلى إذا أردت. عندما يواجه هؤلاء الناس أحداث الحياة المجهدة في وقت لاحق من حياتهم، فإن نظام الالتهابات لديهم يتفاعل بشكل اكبر ويعجّل من حدوث الاكتئاب".
والأشخاص الذين لم يعانوا من الاكتئاب ربما يعرفون شيئاً ما مشابه. فالاصابة بالانفلونزا أو نزلة البرد الشديدة غالباً ما تبدأ بفترة من فقدان الشهية، والفتور، وعدم القدرة على التركيز وعدم الاهتمام بأيّ شيء آخر غير التمدد على الأريكة. وذلك لأن الجسم يتفاعل مع العدوى التي تسبب الالتهاب، والذي بدوره يسبب هذه التغيرات في المزاج.
وتهدف هذه الدراسة الى البحث في الجهاز المناعي للمرضى الذين يعانون الاكتئاب، وإجراء تجارب عليهم ، وذلك باستخدام العقاقير المضادة للالتهابات. وإذا ظهر أن هذه الأدوية التي تم تطويرها بالفعل أو هي في طور التطوير، وإن كان لغرض آخر، فعّالة، فإن عملية صنع علاجات جديدة التي عادة ما تأخذ وقتاً طويلاً سيتم تقصيرها الى حد كبير. كما أنه سيعيد احياء اهتمام شركات الأدوية الكبرى التي انسحبت في السنوات الأخيرة من الأبحاث والتطوير في مجال العقاقير النفسية، وهو مجال صعب مملوء بالتحديات. يقول باريانت: "للمرة الأولى بدأنا نفهم الاكتئاب من منظور بيولوجي أعم يتحرك بعيدا عن الآليات التي درسناها على مدى السنوات الاربعين الماضية، ويمنح دوراً بارزاً للنظام الالتهابي. وهذه خطوة كبيرة إلى الأمام من حيث تطوير آلية علاجية جديدة تماماً، وفي فهم ان سبب الاكتئاب لا يتركز حصراً " في العقل" – ولا حتى في الدماغ. بل هو ناتج عن اضطراب في مختلف اجزاء الجسم. وهذا يرسل رسالة مفادها انه ليس من الانصاف أن يشعر بالخجل والعار كل من ظهرت عليه علامات الاكتئاب. وتدعونا إلى النظر إليه من حيث أنه مجرد حالة غير صحية، أقرب إلى أيّ حالة صحية أخرى، وليس شيئاً يدفع المصابين به إلى الخجل منه". يقول بولمور: "سيكون هناك أشخاص يقولون إن الصحة النفسية ليست في الحقيقة مشكلة طبية، وأنها مشكلة نفسية وإيجاد أدوية جديدة ليس بالضرورة هو الحل. لكنني أرى أنه من غير المرجح أن يكون 350 مليون شخص يعانون الاكتئاب لنفس السبب، وإذا تمكنا من العمل بشكل أكثف لتوضيح كيف يسبب الالتهاب الإصابة بالاكتئاب في بعض الحالات، يمكن أن يفتح ذلك الأمر الباب أمام صنع أدوية جديدة لنسبة كبيرة من المرضى الذين جربوا العلاجات الحالية وفشلوا في الاستفادة منها". ويخشى أن يشار إلى أن أبحاث هذه الدراسة في مراحلها المبكرة، وأنه لم يتم إثبات أي شيء حتى الآن. ومع ذلك، إذا نجحت هذه الدراسة في اثبات أن العلاجات المضادة للالتهابات تسبب الاكتئاب، فإن ذلك سوف يكون إنجازاً كبيراً. ويشير بولمور "نحن لا ندّعي أن ذلك سوف يكون حلاً سحرياً يجلب الشفاء لجميع المرضى . "ولكننا نأمل في أن يمثل استخدامها مع بعض الأفراد ، جنباً إلى جنب مع العلاجات الأخرى، خطوة كبيرة إلى الأمام".
عن سبيكتاتور

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top