أصبحنا نضيق ببعضنا، بل ونضيق حتى بأنفسنا.. لا نحتمل الفكرة، ولا نقوى على مقارعة الحجّة بالحجّة .. والحوار اجتاز عتبة التشويق والإثارة ليكون صخباً، لا قيمة فيه لكلمة تُقال أو رأي يُطرح!
في الأيام الأخيرة.. بلغتُ حالة الجزع مما يجري على الشاشة.. كنت في الماضي أقول إن الزمن وحده كفيل بفرز الصالح من الأفكار عن الطالح منها، وإذا بي أصل إلى القناعة بأن الرياضة التي يفترض أنها مناخ الوئام والتلاقي وتنقية ما يعكـّر العلاقات والأمزجة تتحول إلى ساحة خنادق متقابلة لا نسمع فيها إلا التهمة والتهجّم والسباب والشتيمة ، وصار في الإمكان الاعتراف بأننا بلغنا حالة من الرفض لبعضنا البعض غير آبهين بالوطن الذي يجمعنا، والهموم التي نلتقي عندها، والآمال التي يفترض أن نمضي معاً نحو تحقيقها أو إنجازها!
المشكلة صارت أكبر في الأشهر الأخيرة.. وفي يقيني أن بعضاً من مشاهير الرياضة عندنا هم الذين (يلعبون) الدور المؤثر في الاتجاه السلبي والذي يجعل من برامجنا التلفزيونية تحديداً مسارح مفتوحة للإفصاح عن وجه آخر غير وجه الرزانة والتعقل والحكمة، وكل ما يكتسبه المرء ويتحصّن به مع تقادم السنين!
هناك من يوجه أصابع الاتهام إلى البرامج التلفزيونية نفسها وإلى معديها ومقدميها، تحت ذريعة أنهم يحرّضون على المزيد من الشقاق أو الفرقة.. وأنا لا أرى هذا الرأي أبداً، ولا أميل إلى الأخذ به فضلاً عن تصديقه.. واجب البرنامج هو البحث عن الحقيقة، والمذيع يعدّ نفسه جيداً لكل حلقة حوارية بما يمكنه من انتزاع الإجابة التي تضع اليد على الحقيقة، ولهذا يختار طريقة لتعقـّب ضيفه ومحاصرته أو استفزازه، وهنا يأتي دور الضيف في الإجابة بما يملك أو يعتقد من دون الذهاب إلى ردود أفعال متشنجة تخرج تماماً عن السياق أو عمّا تحمله العقول عن هذا النجم!
في الإعلام، والتلفزيون تحديداً، يطرح المذيع ما لديه، حتى لو بدا ذلك مستفزّاً.. لكن المذيع يبقى في موضع السائل، ولا ينتقل على الفور إلى مقعد الضيف ليجيب بدلاً منه!
ما أريد قوله إن السؤال، مهما كان ملتهباً، يبقى سؤالاً لا يكشف عن جوهر الضيف حتى تأتي إجابة الأخير، وهنا يتّضح للمشاهد ما إذا كان سينجرّ إلى المماحكة والانفعال، أو أنه يمسك بزمامه تماماً ويجيب على أكثر الاسئلة تلغيماً بما يراه ويعتقده، وفي نبرة هادئة يعلو فيها العقل!
يقول الإمام علي (عليه السلام) : (المرء مخبوءٌ تحت طيِّ لسانه، لا تحت طيلسانه) أي أن جوهر المرء يكمن تحت لسانه، لا بما يرتديه من ثياب!
ولقد خاب ظني، ويخيب، بكثير من النجوم الذين يظهرون على الشاشة منذ أمد ليس قصيراً، فيتبرأ منهم لسانهم، ولا يكاد يسترهم طيلسانهم!!
اترك تعليقك