ممتاز توماس
هل منظومتنا الرياضية تملك ثقافة تقليد واستنساخ تجارب الدول الناجحة التي سبقتنا؟ مع الأسف لا تمتلك حتى الإرادة ولا الإيمان الصادق للرياضة كوسيلة حضارية لبناء المجتمعات ولا تخضع مجتمعاتنا لهذه المعادلة التي تعتبر معقدة في ثقافتنا وتطلعاتنا.
إن مجتمعنا لم يعِ بعد هذا الدرس بعد ومن الصعب علينا تنفيذه وإنجاحه ولأسباب عديدة مخفية وأسباب أخرى تتعلق بطبيعته وظروف البلد وأفكار سياسييه وقادته لأنهم لا يؤمنون بالتطور والتقدم على المدى البعيد وكذلك لا يملكون نيات صادقة في التغيير، لذا فإننا سنفشل ونسقط في الامتحان ولعديد السنين حتى نصل للسن القانونية للتقاعد وبعدها نعتمد على الأجيال التي تأتي من بعدنا ويتكرر نفس السيناريو!
إن تنفيذ الخطط والبرامج ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، صحيح الرسم والتخطيط على الورق سهل وكلنا نمتلك القدرة على تفعيله ولكن المشكلة في آليات التنفيذ وما تتطلبه من محفّزات ومعنويات وكوادر وأفكار وتشجيع وكفاءات ودعم مادي ومعنوي وإعلامي تثقيفي ووطني وحكومي وشعبي. وأكرر بأننا لا نستطيع التفكير بتقليد أو استنساخ أية تجربة رياضية ناجحة ومهما كانت بسيطة وغير مكلفة لأن الجهات الراعية والمسؤولة ليست في تناغم وتفاعل مع الفكرة وخطة التقليد وتختلف وتتصادم مع الكوادر الكفوءة القادرة على إنجاح التنفيذ.
إنها معادلة صعبة، وتحتاج للجهود والوقت والكوادر والكفاءات والنوايا الصادقة وهذه المعادلة لا تأتي بليلة وضحاها، قد نفكر بتطبيق وتقليد تجارب الآخرين ولكن نفتقد الى الأنفس والتضحيات والمجتمع والدولة والتي تتقبل هذه التجارب وتؤمن بها إيماناً حقيقياً وبالموارد المالية والبشرية وما يلحق بها من عناصر وظروف صحية لإنجاحها.
لنعترف أن ظروف بلدنا حالياً لا تسمح بتطبيق وتقليد أية تجربة ناجحة بسبب الخلافات السياسية وعدم الاستقرار وانعدام القانون وفقر الخدمات والفساد المستشري في كل مفاصل الدولة.
كل تجربة وتقليد أو استفادة من جزء بسيط منها يحتاج الى مسؤوليات وواجبات تحتاج للوقت والصبر والجهود المضاعفة والمحاضرات والندوات والنقاشات والدعاية والإعلان والبوسترات والصور وغيرها من الأمور، وكذلك يبقى العمل والتقليد ناقصين، لأن جوهر وعامل نجاح التجربة يبدأ ويعتمد على المدارس والجامعات ودروس التربية الرياضية، ومع الأسف فإن نسبة ٩٥ بالمائة من مدارسنا وجامعاتنا لا تملك البنّية التحتية ولا الكوادر الكفوءة وحتى إن وجدت فإنها لا تلبي الطلب والطموح لإنجاح فكرة التقليد أو الاستنساخ.
إن النهوض برياضتنا يتطلب بداية صحيحة والرجوع للاساسيات والثوابت الرياضية والبدء بتأهيل رياض الأطفال والمدارس والجامعات وبعدها تبدأ رحلة العد العكسي، مع إن الكل ينادي ويطالب بالوصول للعالمية والإنجاز الرياضي ولكن هذا لا يتحقق بالكلام والشعارات الرنانة من دون إيمان وجهود ووقت وموارد ومركزية في العمل والإصرار مع أن الدولة هي المسؤول الأول والأخير في إنعاش رياضتنا من خلال برامج تخطيط ومسح شامل ورصد الأموال والكفاءات وبناء المنشآت ولكن المشكلة في كيفية إيجاد القيادة القوية والفعّالة لإنجاح الأفكار والرؤى وتشذيب النفوس وإصلاح المناهج العلمية لأجل تغيير صورتنا وحالتنا الرياضية ولا يتم ذلك بالجعجعات والتصريحات والمؤتمرات الرياضية ذات الدوافع السياسية؟!
إن تغيير مستقبل رياضة أطفالنا وشبابنا هي مسؤولية تاريخية للدولة وقادتها والمدربين ومدرسي الرياضة وخبراء صحة وتغذية، ونوادٍ واتحادات ورجال دين وإعلام وأسرة تعي مفهوم الرياضة لبناء المستقبل.
اترك تعليقك