حين تغيب اللياقة

آراء وأفكار 2018/03/14 06:41:48 م

حين تغيب اللياقة

   حسين الصدر

-1-
من أهم ما يُعين العاملين في أي حقل من الحقول على حسن الأداء والقيام بواجباتهم بشكل مُرضٍ، أنْ تكون علاقتهم برئيسهم علاقة بعيدة عن التشنج ، لا بل يفترض فيها أن تكون علاقة طيّبة ، موشاة بعطر الرعاية والثقة والاحترام ...
وعلى العكس من ذلك العلاقة المأزومة بينه وبينهم ، فانها تخلق ذرائع عديدة للنكوص عن أداء المهام بشكل متميّز ، أو التخلف عن ما يقتضيه الاخلاص في العمل من جدية وفاعلية ...

-2-
انّ الرئيس المسؤول عن أية مؤسسة من المؤسسات أو الاجهزة في شتى الحقول والميادين، انما هو بمثابة الأب لكل العاملين معه ، والأب القاسي الغليظ لا يترك في نفوس أبنائه الاّ الشجن والألم ... فاذا ما توترت الأعصاب فان ذلك قد يدعو الى اجتناب الصواب ..!!
وهذه احدى السلبيات الكبرى التي لا يصح القبول بها على الاطلاق ..

-3-
والسؤال الآن :ما هو الموقف السليم الذي لابُدَّ أن يتخذه (وزير الصحة) من (طبيب) رسا عليه الاختيار للتمتع بزمالة دراسية في الخارج ، بناء على نجاحه العلمي المشهود ؟
ان الموقف الذي تقتضيه اللياقة، هو أنْ يسارع الى تقديم التبريك والتهنئة للفائز بهذه الزمالة الدراسية، مع إشعاره بان الوزارة بانتظار عودته ظافراً بالشهادة الجديدة ، والخبرة الحميدة ...
ولكننا شهدنا شيئاً آخر في موقف (الشوّاف) – وزير الصحة القاسمي – من د.( فاروق برتو) حين استدعاه بعد حصوله على الزمالة الدراسية .
لقد كان موقف الوزير في غاية الغرابة والبعد عن اللياقة ..!!
واليك القصة :
قال د. فاروق :"وعندما عرض قرار اللجنة على الوزير للمصادقة عليه،طلبني الدكتور الشواف لمقابلته ، وكان عدم الارتياح والعصبية بادٍ على وجهه وأخذ يكتب بخط كبير أسفل القرار ما معناه :
عند عدم ايفائه بشروط العقد مع الوزارة (الحصول على الدبلوم في المدة المقررة والعودة الى العراق للعمل في وزارة الصحة) يُلزمُ بدفع خمسة أمثال مخصصات الزمالة ورواتب الوزارة المدفوعة له ، ثم أضاف ويُعيّن في البصرة عند عودته "
(ذكريات عراقية /ص306)
والحقيقة إن موقف الوزير جاء متقاطعاً مع كل المواضعات الأخلاقية والادارية والانسانية ، فبدلاً من تثمين جهود الطبيب ( برتو ) الذي استطاع انتزاع التقرير من ( لجنة الزمالات والبعثات الدراسية في الوزارة ) وتقديم التبريك والتهنئة، قابله الوزير بوجه عابس ، وبقرار غريب ، يكشف عن التعاطي السلبي مع الأمور ، خلافاً لمقتضيات الحكمة واللياقة ..!!
وما كتبه الوزير يعتبر خروجا صريحاً على القانون أيضاً ، والا فكيف يَدفعُ للوزارة خمسة أمثال مخصصات الزمالة ورواتب الوزارة المدفوعة له ؟
فهل العملية عملية تجارية مثلاً ؟
واذا كانت تجارية فهل يجوز للوزارة أنْ تبالغ في جني الأرباح من موظفيها ؟!!
ثم ما معنى تعيين مكان العمل المستقبلي وتحديده في البصرة بعد العودة من الدراسة ؟
انها مجرد تحكمات واشتراطات فجّة، تثير الكثير من علامات الاستفهام والاستغراب !

-4-
والقضية المذكورة مرّ عليها أكثر من نصف قرن من الزمان ، فلننظر لما يجري اليوم في العراق الجديد ...
حدثني استاذ جامعي كان يشغل منصب معاون العميد لأحدى الكليات في الجامعة المستنصرية ببغداد قال :
لقد قمتُ بنفسي بتحويل قطعة من الأرض تقابلنا ، وكانت مليئة بالأوساخ الى ما يشبه الحديقة الغنّاء ، واتفق أنْ مرّ بي أحد كبار المسؤولين في جامعة بغداد ، ورآني منهمكا في العمل في أحد أيام الجمعة – فوقف متسائلاً عما رآني فيه ؟
ثم ولّى من دون أنْ تصدر منه كلمة ثناء أو تقدير ...
ثم أصدر أمره بانهاء عملي كمعاون للعميد عقاباً على ذلك الفعل الجميل... خلافاً لكل القيم والموازين ..
انَّ ظاهرة محاربة المخلصين الوطنيين الشرفاء في مختلف المواقع، لا تخفى على المتابعين لما يجري هنا وهناك، وهي ظاهرة لا تعكس الاّ الأمراض النفسية، والعُقَد المستعصية على الحلّ ، والاّ فان الذين يُقدّمون خدماتهم المجانية –وبمبادرات طوعية- هم أحق مَنْ يكرّم ويكافئ ويمنح الأوسمة .
وقديماً قال الشاعر :
وحسبكُمُ هذا التفاوت بَيْنَنَا
وكلُّ اناءٍ بالذي فيه ينضحُ

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top