كلاكيت: رسالة من بغداد

علاء المفرجي 2018/04/04 07:01:57 م

كلاكيت: رسالة من بغداد

 علاء المفرجي

المخرج ،الالماني هيرتزوغ من الأسماء المهمة في السينما الألمانية المعاصرة، عرف بأفلام كبيرة في قيمتها الفنية والفكرية مثل (لغز كاسبر هاوزر) و(فيتز جيرالدو)، مخرج مجدد ومغامر، وينفرد في تعبيريته المنجزة ولغته السينمائية المتجددة والتي تجلت بشكل واضح في منجزه الروائي والوثائقي.. فعرف عنه اختياره الموضوعات الخارجة عن المألوف، وشخصيات غربية ذات قوى غير طبيعية في مواجهة طبيعة قاسية ومنغلقة.
وانطلاقاً من ذلك كله.. اختار هيرتزوغ شخصية على الرغم من شحنة الدراما والحركة في شخصيتها وسيرتها، فضلا عن دورها التاريخي المؤثر في فترة ما بعد الحرب العالمي الأولى، اختارها لفيلمه الجديد.. وهي تدخل ضمن انشغاله في تقصي جوانب مهمة لكنها مهملة من التاريخ لوضعها أمام كاميرته لإعادة الحياة لها ولسيرتها.. فقط مخرج من طراز فيرتر هيرتزوغ ينتبه إلى مثل هكذا موضوعات لا تتعلق فقط بسيرتها، بل باستبطان أغوار هذه الشخصية، وسرد الأحداث التاريخية التي أسهمت في تكوينها.
وكنا نمنّي النفس في أن تكون بغداد أحد هذه المواقع خاصة أن الأماكن التي استقرت بها المسزبيل خلال وجودها في العراق ما زالت شاخصة بما فيها قبرها في مقبرة الأرمن ببغداد مع توفر الكثير من الكتب والوثائق عنها. وإذا كانت المسزبيل قد جالت الشرق منقبة عن آثاره منذ فترة صباها قبل الحرب الأولى، فإنها قد استقرت في العراق نهائيا بعد الاحتلال البريطاني للعراق وكان لها دور رئيس في تأسيس الدولة العراقية وأيضاً حتى وفاتها عام 1926. من المؤسسين للمتحف العراقي، والمكتبة العامة.
فبعد إخفاق فيلم السيرة "ملكة الصحراء"، يكون من الواضح أنّ الرحالة الجريئة والمتخصصة المؤثرة ببلاد العرب غيرترود بيل، التي تعرف أيضاً بشكل مصغر بـ" تي. إي. لورنس الأنثى"، تحتاج إلى أن تنقذ مكانتها من محاولة فرنر هيرزوغ التي تفتقر إلى الحكمة. في خطوة جديدة تحقق المخرجتان "زيفا أولبوم وسابين كراينبوهل" فيلماً وثائقياً بعنوان "رسائل من بغداد"، مستخدمتين وثائق ذات طبيعة بحثية مُعتنى بها، وتوظّفان ثروة رائعة من المقاطع الصورية الأرشيفية يصاحبها صوتٌ خارجي تلقيه الممثلة تيلدا سوينتن كونها غيروترد بيل.
رسالة من بغداد والذي قدم بعرض خاص، جعلنا لانشعر بالحيف، من تناول سيرة إمراة كانت أرض العراق مثواها الاخير، وخلافاً لرؤية هيرتزوغ لها اشعر هذا الوثائقي بالاحداث السياسية والتاريخية التي رافقت شخصية بيل وانفعلت بها، بل وصنعت البعض منها، قدر اهتمامه بسيرة بيل العاطفية سيرتها كأمرأة مغامرة تحاول أن تغير بنمط حياتها وتنتقل من الحياة الارستقراطية الهادئة في انكلترا في عز مجدها الى الصحراء، وتحديداً الى منطقة ستكون يوما ما بؤرة الاضطرا ب والتوتر في العالم.. امرأة قوية، قوتها في ان تختار اسلوباً لحياتها وقناعتها. كانت المرأة الوحيدة بين 40 رجلا وقع عليهم الاختيار من قبل وزير المستعمرات تشرشل للمشاركة في مؤتمر القاهرة عام 1921 حول مستقبل المنطقة.
الفيلم الوثائقي وجد في العراق حظوظا قوية، بالرغم من قلة انتاجه أو بمعنى من قلة الجيد من هذه الافلام الوثائقية ... مع صناعة عدد منها خاصة بيد مخرجين يقيمون في الغربة.. شباب السينما العراقية نهضوا بهذه المهمة، خاصة وإن المتعارف عليه أن هذه الافلام غير مكلفة قياسا بالأفلام الروائية.
لكن ما يؤخذ على شبابنا هو سوء اختيار موضوعات لهذه الافلام، فموضوعة مثل موضوعة فيلمنا هذا متاحة بشكل كبير ولاتستدعي انتاجا ضخما قدر استدعائها لمهارة المخرج وكاتب الفيلم في جمع المعلومات والاطلاع على مواقع العمل ليكون الفيلم جيداً.. يجب أن نعرف الموضوعات عن تاريخنا القريب، مثلما يجب أن نتناول موضوعات شتى كالأسباب التي أججت التناحر الطائفي قبل عشرة اعوام.. فيلم (رسالة من بغداد) درس مجاني لشبابنا لكي ينهلوا من صناعته ما يساعدهم في مشاريعهم.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top