أردوغان والمنطقة وأحلام الامبراطورية !

آراء وأفكار 2018/04/23 06:38:58 م

أردوغان والمنطقة وأحلام الامبراطورية !

  د. مهند البراك 

- 2 -

وفيما دخل أردوغان في صراعات وخلافات متواصلة مع دول الاتحاد الأوروبي على مسألة قبول تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي بعد أن ساءت سمعتها بسبب: معاداتها لحرية الصحافة، عنف اجهزتها الأمنية ضد الاحتجاجات الجماهيرية الداخلية فيها، تصاعد انحياز حكومتها لتكوين دولة على أساس حكم الإسلام السياسي، بدأها بتشريع قوانين تعادي حقوق النساء و العودة الى احكام الإعدام كأحكام قضائية عادية بعد أن الغيت منذ زمن فيها.
ظهر تنظيم (داعش) في المناطق الحدودية التركية ـ السورية وأخذ يتمدد بشكل سريع في مناطق الحدود السورية ـ العراقية، وبدأ بتكوين مناطق خاضعة له في سوريا و العراق وظهر جلياً أنه منذ ظهوره علناً كان مدعوماً من قوى إقليمية ودولية لها إمكانات هائلة ولها خطط ساعية لتغيير مكونات الشرق الأوسط على أساس دويلات قائمة على الدين والطائفة إضافة الى المكوّن الأثني والقومي، خطط تغيّر مسارات الصراعات الدولية اضافة الى الإقليمية، على تلك الأسس.
وفيما دخلت الأجهزة السريّة التركيّة (الميت وغيره) إضافة لأجهزة سريّة عائدة لأردوغان مباشرة في تكوين داعش منذ البداية كما تبيّن لاحقاً، ضمن الخطط المتنوعة المعتمدة لبعث دولة عثمانية من جديد، فُتحت الأراضي التركية امام داعش للمتطوعين من مختلف الجنسيات والأجناس ولنقل أنواع أحدث الأسلحة المتوسطة والثقيلة ولنقل وسائط النقل السريعة بأعداد غير مسبوقة، إضافة الى الأجهزة العملاقة لحفر المغارات و الأنفاق، وأجهزة الحفر والتنقيب عن النفط والكنوز الأثرية، وتطور الأمر الى استخراج وتسويق النفط والكنوز الآثارية من هناك عبر تجار السوق السوداء التركيّة و الدولية.
ويرى قسم من المحللين، أن داعش هو المقدمة لدور مكشوف لزعامة أردوغان، ويرى قسم آخر أن أردوغان يحتوي ويدعم كل مشروع يمكن أن يؤدي الى انشاء زعامته على كيان إسلامي امبراطوري يضم بداية الأجزاء السابقة من الدولة العثمانية الآفلة، ولعل امثلة كثيرة تسند ذلك، منها نشاطات جماعات عائدة لحزبه وسط الجاليات التركية والإسلامية المليونية في آسيا الوسطى، اضافة الى أوروبا و بخاصة ماتقوم به تلك الجماعات من عمليات قتل وخطف في بلدان البلقان وفي جمهورية كوسوفو تحديداً من خلال رئيسها الذي هو صهره، في وقت تستنكر فيه المجتمعات الأوروبية خاصة تلك النشاطات والدعوات التي كانت سبباً مهماً في تدهور العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
ويرون أن من نتائج فشله بإعلان امبراطورية جديدة وتسويقه كخليفة (سنّي) في الربيع العربي بدعم دولي وخليجي الذي من أهدافه الوقوف أمام التوسع الايراني (الشيعي)، الأمر الذي اكسبه بالنتيجة الرفض في تونس والعداء في مصر، ما تسبب لاحقاً بمهاجمته الجناح الإسلامي التركي الآخر، جناح أستاذه ورفيقه السابق والمعارض اللاحق، الداعية فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة إثر اتهامه بتشكيل (كيان بديل) منافس، وقد جرى الهجوم بتهمة القيام بانقلاب عسكري في تموز 2016، الانقلاب الذي لايزال الغموض يلف صحته من عدمها، وساءت علاقات تركيا مع الولايات المتحدة بسبب رفضها طلبه بتسليم غولن.
وقد جرى إثر ذلك اعتقال وطرد عشرات الآلاف من كبار ضباط ومراتب: القوة الجوية، الجيش، الشرطة، قضاة ومراتب القضاء، أساتذة في الجامعات والتعليم والآلاف غيرهم، وشملت الحملة بإعلانها الأحكام العرفية، هجوماً أوسع على المعارضة والأحزاب والقوى الديمقراطية وعلى الحركة الكردية حتى الممثلة منها في البرلمان التركي واعتقال المئات من ناشطيها، وأدّت الى تسليح مئات آلاف من شباب ومراهقين متطرفين في محلات السكن بدعوى الحفاظ على الدين والنظام وعلى القائد !
ويرى مراقبون دوليون، أن الصراعات ضد داعش الارهابية الوحشية، أدّت الى تغيير في موازين ومحتوى القوى المحلية والإقليمية، وبالتالي المواقف الدولية منها، حيث برز الكرد كقوة محلية واقليمية لايمكن إلا حسابها في اي تغيير يمكن أن يجري في المنطقة، وبرزت منظماتهم القتالية التي انتصرت على داعش في ميادين كردستان العراق وسوريا، وكان الانتصار الأكبر في كوباني البطلة التي اكسبت الحركة التحررية الكردية أوسع تضامن شعبي ودولي، رغم اساليب داعش الوحشية و حيازتها على إمكانات قتالية متطورة ودعم اكثر من قوة اقليمية ودولية، حتى صارت المنظمات الكردستانية القتالية هي الأقرب للناتو في سوريا خاصة. الأمر الذي اكسب الكرد حقد أردوغان وكل الأطراف الشوفينية و المتأسلمة الحاكمة في المنطقة.
ويرى متخصصون دوليون بشؤون المنطقة، بكونها منطقة صراعات مربحة لاتقاس أرباحها بما يُنفق عليها من جهة، في وقت تعمل فيه جهات استثمارية عليا على الاستحواذ أو خوض صراعات قاسية لتقاسم الأرباح منها بالقوة، وبمنع شعوبها وأقوامها بكل الطرق من التوحيد معاً وإنما إبقاؤها في حالة صراع فيما بين مكوناتها، بلا مبالاة بمصائر وخسائر شعوب المنطقة وأقوامها من جهة أخرى، شعوبها التي تتهددها مخاطر ابادة أقوام منها كما جرى في المحاولة الوحشية لإبادة الايزيدية وتشريد الصابئة و المسيحيين باختلاف كنائسهم، وبخاصة مع تسريب اسلحة الدمار الشامل الى أطراف حاكمة و متنازعة فيها !
وتتسابق تلك الجهات العملاقة فيما بينها من اجل الفوز بقرار لمن له أسبقية الاستثمار بمشاريع الطاقة ونقلها، ومن اجل اعاقة استحواذ الجهات العملاقة الأخرى عليها ومن اجل الاستفراد بها، اذا ما احتسبت حقول الغاز العملاقة المكتشفة حديثاً والتي دخل قسم منها في حيّز الاستثمار سريعاً، في سواحل سوريا ولبنان واسرائيل وغزة ومصر، اضافة الى تقرير زمن وكيفية استكمال وصول الخط الحديدي السريع شنغهاي ـ المتوسط الذي وصل الحدود السورية الشرقية، والذي باكتماله سيحوّل الصراعات الى شكل آخر لم تشهده المنطقة في السابق.
وللتدليل على شناعة الصراع من اجل الارباح بين الكبار، مايدور في دوائر البيت الأبيض الاميركي وبعد الحروب الهائلة التي شنّتها في المنطقة والخسائر الجسيمة في ارواح ابنائها والتكاليف الهائلة لماكنتها الحربية هي، وما اثارته من فتن وعداوات منسية فيها، أن تحاول التوصل الى رفع ايديها عما يجري في المنطقة و تركها لـ (تفاهم دول المنطقة ذاتها لحل مشاكلها) لجسامة النفقات، بعد أن كوّنت حلفاء جدداً لها فيها غير مبالية بما يرفعون من رايات، وهي مستعدة لضربهم ببعضهم أو للتفاهم غداً مع من هو مكروه اليوم، حين تتطلب أرباحها فعل ذلك.
ويجمع الكثير من المفكرين والسياسيين والمثقفين، على أن مخاطر احلام أردوغان الامبراطورية وغيرها من احلام حكّام المنطقة، تستمر لسوق الملايين المُضيّعة بين الحروب المجنونة والهجرة والتهجير والنزوح واللجوء، وبين الجوع والفقر والأمية والمخدرات والسلاح، مازال حكام المنطقة يتصارعون على الارباح والزعامة غير مبالين بمصائر شعوبهم وأهلهم . و يبقى النضال بكل الطرق الممكنة من اجل انهاء الحروب ومن اجل الديمقراطية والتقدم و التفاهم السلمي والشفافية، هو السبيل الوحيد لمواجهة مايجري. (انتهى)

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top