كلاكيت: فيلم المومياء الذي يبقى

علاء المفرجي 2018/08/09 12:00:00 ص

كلاكيت: فيلم  المومياء  الذي يبقى

 علاء المفرجي

عندما عرض فيلم المخرج شادي عبد السلام (المومياء) لأول مرة نهاية ستينيات القرن الماضي، كتب الناقد السينمائي محمد شفيق في مجلة (سينما) المصرية يقول: " إن السينما المصرية سوف تؤرخ بفيلم (المومياء)، إنه فيلم يسدل الستار عن مرحلة كاملة لكي يفتح بجرأة شديدة مرحلة جديدة".
وإن كان هذا الفيلم قد أرّخ لنهاية حقبة طويلة من تاريخ هذه السينما، فإنه ومع جدية المحاولات التي تصدى لها عدد من المخرجين الشباب لتقديم سينما مختلفة في الفترة نفسها فإنه لم يستطع أن يبلور أسس مرحلة جديدة لهذا الفن الذي عجز فيه المغاير والجاد عن مقاومة فيض السائد السطحي والذي ما زالت السينما المصرية أسيرة له.
ومع مرور أكثر من 85 عاماً على مولد هذا المخرج الكبير بادرت مكتبة الاسكندرية بافتتاح قاعة تضم أعماله وتتضمن أزياء وديكورات وأكسسوارات ورسوماً وضعها خلال مسيرة إبداعه القصيرة، ومازال الجدل يُثار مجدداً عن المحطات المهمة في مسيرة هذا الفن الذي لم يستطع برغم تاريخه الطويل نسبياً أن يؤكد حضوراً نوعياً متميزاً يواكب به النتاج العالمي إلا باستثناءات قليلة تبدو فيها تجربة شادي عبد السلام في فيلمه الأول والأخير هذا هي الأهم.
ولعل من سوء حظ هذه السينما إن فسحة الأمل التي كان يمكن أن تتعلق بها لتقديم منجز متطور ارتبطت بمخرجين لم يمهلهما الموت فرصة المضي لتكريس تجاربهما في السينما وهما شادي عبد السلام وعاطف الطيب.. اللذان استطاعا أن يقدما أعمالاً مفعمة بالتجديد والمغايرة مع السطحي والمبتذل السائد.
أهمية المومياء تكمن في أكثر من جانب حيث أسهم في تفرد هذا العمل ومنحه قيمته الفنية العالية، فهو مع كونه الفيلم الروائي الأول لصانعه، إلا أنه كان ثمرة عدد من الأفلام التسجيلية المتميزة التي لم يخرج بعض منها عن الموضوع الذي شكّل هاجساً لهذا المخرج وهو التاريخ الغائب والبحث عن هوية تقف أمامه شامخة ولكنه يجهلها.. فالتاريخ والبحث عن الجذور هاجس لازم هذا الفنان في كل أعماله وقد تجلى في (المومياء) بشكل واضح. وتجربته في تصميم الديكورات والملابس التاريخية في عدد من الأفلام. وعمله مستشاراً لكثير من الأعمال التاريخية ومنها العالمية كما في (كيلوباتره) الذي انتجته شركة فوكس و(فرعون) الذي أخرجه البولندي كفالورفيتش دليل على ذلك.
القيمة الأخرى لهذا الفيلم هو منهجه السينمائي الجديد ورؤيته وطبيعة الفكر السينمائي الذي تضمنه واللغة السينمائية المتطورة، ولا يجد مشاهد هذا الفيلم صعوبة في رصد القيمة التشكيلية التي شهدت أول محاولة لتأصيلها في الفيلم المصري الذي أهمل في الأغلب الأعم منه هذا الجانب.. وهو في المومياء ارتبط بمضمون الفيلم الذي تحدده طبيعة الشخصيات ولون الأحداث حيث تنبع التكوينات من بنية الفيلم الدرامية. وهناك أسباب أخرى جعلت هذا الفيلم ومخرجه علامة بارزة في مسيرة الفيلم العربي التي ما زالت بحاجة إلى الكثير من الفحص والدراسة.
وقد نال فيلم المومياء العديد من الجوائز في المهرجانات العالمية منها جائزة (سادول) وجائزة النقاد في مهرجان قرطاج 1970 م وغيرهما.. و لأجل فيلم المومياء استحق شادي عبد السلام أن يكون واحداً من أبرز مخرجي العالم.. فقد اختير ضمن أهم 100 مخرج على مستوى العالم خلال تاريخ السينما في العالم من رابطة النقاد الدولية في فيينا. احتل المومياء المرتبة الأولي في استطلاع الأفلام الأجنبية الذي أجري في فرنسا عام 1994م.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top