الحاجة إلى نظام جديد لإدارة العالم

الحاجة إلى نظام جديد لإدارة العالم

(حديث عن محنة الإنسان في العيش)

ياسين طه حافظ

يبدو الموضوع أكثر تعقيداً حتى لأحار في اختيار عنوان مناسب له. فنحن بين أن نتحمس لتحسين الصحة وزيادة الإعمار وسنين العيش على الأرض، ويتضمن هذا كثرة وسلامة المواليد، وبين مواجهة ما يوصف بالانفجارات السكانية على الارض. المسألة بحساب بسيط أن هؤلاء الأحياء يحتاجون الى غذاء لبقائهم نسبة ما يتناوله الفرد من غذاء تزداد بزيادة صحته وطاقته وكتماله الصحي. ومثلما يشكل هذا هماً أرضياً احصائياً. هو يتفرع الى زيادة المؤسسات الصحية وقبلهانحن أمام ضرورة اتساع الصناعات وتضادها وتنافسها على المساحة الزراعية أولا والاستهلاكية ثانياً. جملة إشكالات مترابطة ومتشابكة في آن واحد. ومن المفارقة أن بعض هذه الايجابيات نوقشت كمشاكل مهدِّدة ومربكة لعموم شعوب العالم، وهذا ما يخيف!
ليس بلد واحد، فالعديد من بلدان العالم تصيبها مجاعات ومحن غذائية فتشحذ هذه البلدان غذاءً وتطلب مساعدات. وهنا نكون بين اثنين، واحد متعاطف وآخر ساخط على شعوب فقيرة تتكاثر بزيادات تؤذيهم وتؤذي العالم. وقد شهدنا احتجاجات دولية ومواقف مضادة لتهديد أكيد زاحف الى هذه الدول المتنعمة والمستقرة فقد يربك مستقبلها. قلة مواليد في بلدانهم وكثرة مواليد من الشعوب الفقيرة، يعنيان خطراً قادماً اليهم.
قلة الانتاج الزراعي وتزايد السكان بلا ضوابط فضلا عن فقر هذه الشعوب وتخلفها الاجتماعي وسوء انظمة الحكم – أغلبها دكتاتوريات من افراز الهيمنات الاستعمارية لما يضمن مصالحهم، وذلك باختيار حكام متسلطين يحمون هذه المصالح ويؤخرون تقدم هذه الشعوب لأطول مدة ممكنة، باشغالهم بنزاعات قومية أو بحروب أو بافتعال مشاكل اجتماعية محلية تديم الحكم وتديم المصالح الأجنبية المنظورة وغير المنظورة- كل هذا مقابل غض النظر عن عيوب أخلاقية وعقلية لهؤلاء الحكام واهتمامات تملكية وتسلطية لإخضاع الناس وتبديد المال.
وهكذا أنظمة حكم وشخوص حكام، لا تفكر في الاصلاح أو بما يتقاطع وسياسة بقاء التخلف النسبي. ذلك يعني أيضاً بقاء الحكم كما بقاء المصالح الخارجية التي اختارت هذا الحكم وترعاه وتحميه بمخابراتها من بعد .
فاذا أضفنا شح المياه وتحولات المناخ ومشكلة الأوزون وما يسبب من ارتفاع درجات الحرارة، وهذا ضمن ما يعنيه مزيد من الحاجة الى الماء، تسوء جداً أحوال الناس في هذه البلدان المدمرة بأنظمة الحكم السيئة وبالتخلف الاجتماعي وافتقاد الحرية والتحرق لما في العالم من ثقافة ورفاه وحريات شخصية، نكون أمام مشكلة كبيرة هي أن ملايين من ناس هذه البلدان يفكرون بالهجرة ويغامرون بحيواتهم للوصول الى تلك البلدان البعيدة. ولعل أوضح الأسباب هي ما نوهنا عنه: التمتع بالحرية والاحترام الانساني والخلاص من الحكام وبوليسهم ومرتزقتهم ومن سوء التغذية والعديد من الحرمانات وأنواع القهر و الاستلاب. ولا بد هنا من أن نلاحظ ارتباط زيادة الهجرة بزيادة الوعي، وهذا من جملة ما يعنيه، إفراغ البلدان من الكفاءات والقوى العاملة والمهارات مما أيضاً يساعد سوء الحكم وينفع بقاء المصالح!
قبل عقود بدأت الهجرة الى المدن. وقد كان لذلك أثره في قلة الإنتاج الزراعي. فهم لم يعودوا فلاحين أو مزارعين. في هجرتهم الى المدن صاروا عمالاً أجراء أو خدماً أو شرطةً أو جنوداً أو كسبة وباعة فقراء جوالين. ومثلما اربكت هذه الهجرات المدنية النسبية في المدن، اربكت سلوكاتهم هم وتقاليدهم العشائرية بازدواجية سلوك وأخلاق. وأشعرتهم بما لم يشعروا به من قبل، إنهم في المدن ناس دون سواهم فهما ًولياقات اجتماعية حديثة وتعمق إدراكهم لعوزهم وحاجتهم للعون. وهنا لا نستطيع إغفال ظهور ممرات للجريمة والامراض النفسية والتحولات الاخلاقية.
إذاً نحن بإزاء مدن مرتبكة غير مستقرة مدنياً واجتماعياً بسبب تلكم الهجرات الداخلية من القرى والارياف وأشباه المدن في الجنوب والوسط وليبدأ الآن النوع الثاني من الهجرات وهو الهجرة من بلدانهم الى بلدان العالم، وهو ما بدأنا الحديث به.
هذه الهجرات المتزايدة الى البلدان الأخرى وعبر البحار، تثير قلقاً لدى تلك البلدان المتمناة. وقد صار واضحاً إن صعوبات كبيرة تواجه المنع واستعصاء السيطرة على عصابات التهريب وإن مافيات دولية تتاجر بـ "التهجير". بعضها يغذيه أقطاب رسميون. أخبار الغرقى في البحار، تبعتها أخبار ما يتعرض له عديد من البشر المهاجرين من شراسة حرس الحدود ومن الأنواء الجوية وصعوبة العيش. كلها أخبار صارت تشغل الساسة والمفكرين والمنظمات الانسانية.
الهجرة ستستمر مادامت الأوضاع الاجتماعية والسياسية في البلدان المهجورة ومعاناة الشعوب جاوزت حد التحمل.
السؤال الذي تخشى الأمم المتحدة من تكرار إثارته أو التأكيد عليه وتحاول، هي والصحافة الرسمية، تجاهله، هو : أليست الأمم المتحدة مسؤولة عن شعوب تهاجر وبشر يجوعون ويغرقون في البحار ويهانون ويعانون في الحدود إذا وصلوا ولم يغرقوا في البحر؟ أليست هذه المسؤولية مكملة لمسؤوليتها عن استقرار الدول التي يهاجر هؤلاء إليها؟
نحن إذا نواجه شبكة اسئلة وشبكة مشاكل إنسانية عامة ودولية. وهي قضايا تتطلب حلولاً علمية سليمة لا أن نقفز على سوء أوضاع هذه البلدان المحكومة عادة بموالين لحكومات البلدان المقصودة بالهجرة. هم يريدونهم يبقون في بلدانهم ويتحملون سوء الاوضاع والحياة لديمومة مصالح السادة الحكام والدول المنتفعة أو المستغلة. هجرتهم إذاً تسبب مشكلة في اتجاهين!
أفليس الحل بعد هذا في نظام عالمي جديد يحترم الشعوب والمصالح؟ الا يمكن لهيئة الأمم او أية منظمة أو هيئة دولية مستحدثة متفق عليها، من توفير حياة كريمة لهذه الشعوب وحكم ديمقراطي وترسم لها خرائط طريق للاصلاح والتنمية بما يخدم الطرفين؟ ويبدأ بضمان الحريات الشخصية ولا يسمح العالم لدكتاتوريات أو مجموعات فاسدة من الأنماط التي تريدها الدول المستغلة؟ أظن حلاً متكاملاً يريح الشعوب ويضمن المصالح هو الذي يريح العالم ويسهم في التقدم الإنساني والبشري لجميع البلدان والشعوب. وهذا يكمن كما قلنا في أن تتدخل الأمم المتحدة بعد تطويرها أو الهيئة الدولية المستحدثة، لتوفير أنظمة حكم مدنية سليمة وحديثة وإصلاح مجتمعي وتطوير زراعي وتنمية صناعية. وأن تنظم الحريات الشخصية بقانون دولي لازم. تنظيم الانتاج الزراعي تنظيماً تكاملياً في العالم وكذلك الصناعة وتعميم التقنيات الصحية والإدارية وضمان مستوى معيشة يماثل ما في دول العالم الاخرى، فيه جدوى لجميع دول العالم واقتصادها. في مخطط إصلاحي مثل هذا يلزم الانتباه الى المخاطر المتأتية من النمو التفاضلي للمجموعات العرقية أو المناطقية وهي مما توفره عادة الانقلابات والتسابق "للعمالة" الدولية.
إن نظاماً عالمياً يوجب الالتزام بتطبيقه يمكن ان يكون حلاً، ان لم يكن لجميع المشاكل المحلية والدولية، فللكثير المهم منها. لن يكون هناك بعد هذا خوف للدول الاوربية المقصودة ولا خوف من انفلات اعداد المهاجرين ولا خوف من فقدان السيطرة على الحدود الوطنية. والمخاوف الاخرى والمشاكل ستقل كثيراً ان لم تختف كلها. ولا خوف بعد على تقاليدها ومعاييرها الاخلاقية، فتقارب سريع سيكون نتيجة لتحسن الظروف وزيادة وتطور الثقافة وتحسن الدخل السنوي للافراد مع تحسن الظروف الاجتماعية.
لسنا أبداً مع التمييز بين ناس الأرض. ودعوتنا هذه تعبير أولي عن ذلك، في مسعى لايجاد حلول جذرية تسهم في التقدم البشري وتوفر للناس الحياة المقبولة والاحترام. ان نظاماً عالمياً جديداً صار اليوم حاجة إنقاذ كما هو حاجة ومهمة عالمية لادارة العالم باخلاقية جديدة ولانقاذ الشعوب مما هي فيه. ولا خطر بعد للمصالح المشروعة للشعوب ولجميع دول العالم.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top