(حسين الحكومة) و.. حسين الناس

آراء وأفكار 2018/09/16 07:24:26 م

(حسين الحكومة) و.. حسين الناس

د. قاسم حسين صالح

في العراق لدينا (حسينان) يظهران بتناقض حاد في كل عاشوراء..(حسين) يظهر من المنطقة الخضراء وحسين تغص الشوارع براياته السود.(حسين) الحكومة.. غني مترف تمد له صحون (أبو العراوي) و(المفطح) و(القوزي) والقيمة المطعمة بنومي بصرة وهيل ودارسين وبهارات قيمة.. يتفقدها معمم حكومي من أحفاده يلطم صدره بخفة و(نزاكة)، خرج من قصره في (الخضراء) بحمايات وهمرات ورباعيات وسيارات مضللة، يصحبه وزير أو نائبه وكبار المسؤولين في الوزارة التي تعود لعائلته!. وحسين الناس.. فقير.. مظلوم.. يقطعون المسافات قاصدينه مشياً على الاقدام، يباتون الليل في العراء.. ويكتفون بلفة فلافل.. ينوحون ويلطمون ويبكون.. ويشكون له ضياع عمر وبؤس حياة وقسوة ضيم ما شهدوه من يوم استشهاده.
ذلك هو المشهد الذي عشناه من خمسة عشر عاماً، غير أن عاشوارء هذا العام لن يكون كسابقاته.. فصعود أحزاب الاسلام السياسي الشيعي في 2005 هبط في 2018، والأقسى على قادته أن الذين هتفوا بصعودهم وأوصلوهم الى السلطة هتفوا الآن بسقوطهم وأحرقوا مقرات أحزابهم.
الذي حصل، وتلك خطيئتهم التاريخية، أنهم حين تسلموا السلطة (أو سلّمت لهم)، دفعتهم سيكولوجيا الضحية الى أن يعتبروا العراق غنيمة لهم.. فتقاسموه، ولم يخطر على بالهم شعب اضطهده النظام السابق وادخله في حروب كارثية وحصار لثلاثة عشر عاماً.. فأهملوه تماماً، لأن من (قوانين) الضحية أنها تفكر في نفسها فقط وتبالغ في تعويض حرمانها.
لم ينتبه قادة أحزاب الإسلام السياسي الشيعي تحديداً الى أن الحاكم الذي يستهين بشعبه يتحول الى مستبد، وكانت بدايات استبدادهم أنهم بعثوا بأحد (مناضليهم) الى سطح العمارة المطلّة على ساحة التحرير ليعطي الأوامر بضرب المتظاهرين في شباط 2011.. وتابعوا استخفافهم وسخريتهم من تظاهرات شعبهم سبع سنوات عجاف لسببين آخرين: يقينهم بأنهم محميون في منطقة محصنة وكل (قائد) منهم لديه فوج حماية، وأنهم جيران السفارة الأمريكية التي يخافها الجميع. وتجاهلوا إدراك جماهيرهم لحقيقتهم أنهم طلاّب سلطة ومال ولا يعنيهم أمر الناس وإن سجلت مدنهم أعلى درجات الحرارة في تموز دون كهرباء، أو شربوا الماء المالح مع أنهم في أغنى مدينة في العالم!
وغطرسة حكام الشيعة أوصلتهم الى أنهم لم يصدّقوا أن جماهيرهم أدركت انهم استغفلوا، وأن أكثرهم عظّوا اصابعهم البنفسجية ندماً على انتخابهم أشخاصاً خذلوهم واستفردوا بالسلطة والثروة، ورؤيتهم لمبانٍ مختلسة من الحكومة تخفق عليها رايات عاشوراء، وعقارات في أرقى احياء بغداد.. بيعت لمسؤولين وقادة أحزاب بثمن بخس، وتهم فساد مخجلة صار يكيلها معمّمون حسينيون لمعمّمين حسينيين!.
كنا قد أشرنا سابقاً الى أن التحليل الدقيق لمقولات الإمام الحسين يجعلنا نستنتج أنها تضمنت، وقبل أربعة عشر قرناً!، نفس القيم التي تبنتها حديثاً منظمات حقوق الانسان المتمثلة بـ(العدل - والأخلاق - والحريات - والحقوق – والواجبات).. ونفس التحذير الذي وجهته الأمم المتحدة حديثاً، بأن انتهاك حرية الإنسان وكرامته يجر الى مآسٍ واحتراب يلحق الخراب بالوطن ويشيع الكراهية والعنف بين مكونات المجتمع. ونفس الهدف الذي تبنته الدول المتحررة في دعواته الإصلاحية إلى صيانة الكرامة الإنسانية، ورفض العبودية، وتحديه الذلة التي يريدها الطغاة للأحرار. وتوعية الناس بدورهم الأخلاقي والاجتماعي والديني في اصلاح شؤون الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وتنبيههم بأن مواصفات الحاكم العادل هو ذلك يحكم بالحق ويحترم آراء الناس ومعتقداتهم ويجعل القانون معياراً لهيبة الدولة ومشروعية حكمه، باعتماد مقولته: (ولعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله). وتوكيده على الحاكم أن يعمل بتعاليم الاسلام التي تؤكد على قيم العدالة بين الناس في أمورهم المعيشية والخدمية وعدم معاقبتهم في أرزاقهم، وأن لا يفرّق بين أحد من الرعية على أساس القرابة أو الطائفة أو العشيرة.
والذي حصل أن الجماهير التي كانت قيمها راكدة، مستكينة لغاية 2015.. أخذت تقارن بين قيم حسين الناس وقيم (حسين) السياسيين، أوصلتهم الى اكتشاف أنهم كانوا مخدوعين وعلى (نياتهم)، وكانت هي المرة الأولى بعد 2005 التي يشعر فيها حكام الشيعة بالخوف من حسين الناس بعد أن كانوا يعيشون الزهو والتباهي بأنهم حسينيون.. فيما أوصلتهم تظاهرات 2018 الى حالة الرعب.. التي ستضعهم امام بديلين: إصلاح أنفسهم والتصالح مع جماهيرهم.. وهو الأضعف، أو استخدام كل الوسائل (العنف، الأغراء، شراء الذمم..) للقضاء على التظاهرات.. وهو المرجّح.. دون أن يدركوا انهم سيتحولون الى (يزيد) في نهاية قد تكون أقبح من نهاية صدام.
ومفارقة تراجيدية سيسجّلها التارايخ، أن عطاشى كربلاء في مشهد قتل الحسين بعاشوراء (63) يقابله الآن مشهد عطاشى البصرة بعاشوارء (1440)، باستثناء غريب.. أن حاكماً فاسداً من سلالة معاوية هو الذي حرمهم فيما الذين حرموا أهل البصرة حكّام من أحفاد الحسين!.. وإن هؤلاء العطاشى ومعهم الملايين صاروا على يقين من مقولة سيدهم الحسين (إني لا أرى الحياة مع الظالمين إلا برما وما الموت إلا سعادة).

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top