مجلّة بريطانيّة: التنافس الأميركي الإيراني يُهدِّد بفوضى في العراق

مجلّة بريطانيّة: التنافس الأميركي الإيراني يُهدِّد بفوضى في العراق

 ترجمة: حامد أحمد

لم تبدُ العاصمة بوضع جيد كما هي عليه الآن منذ عقود. مطاعم بغداد عامرة بروادها وواجهاتها المزينة. كل شهر يمر تجد هناك مولات ومراكز تسوق جديدة تفتح. أنشطة الإعمار التي توقفت تقريبا منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003 عاودت حركتها من جديد بعد أن بدأ اغنياء عراقيون بالاستثمار داخل بلدهم بدلا من نقل أموالهم الى الخارج. لوحات إعلانات ضخمة تحمل صور رجال دين معممين استبدلت مكانها بصور فتيات إعلان جميلات. محتفلون تجدهم محتشدين في ساحات مفتوحة لمهرجان السلام على ضفاف نهر دجلة .
الأمن في بغداد تحسن بشكل ملحوظ منذ أن تم طرد مسلحي تنظيم داعش، ولكن المدينة معرضة للتهديد مرة أخرى بسبب التنافس بين أميركا وإيران ووكلائهما في البلد حيث أن كلّاً من المبعوث الاميركي الخاص للمنطقة بريت مكغورك، وقائد فيلق القدس قاسم سليماني المبعوث الخارجي لإيران كلاهما متواجدان داخل المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد وهما يعملان على تحشيد حلفائهما لتشكيل الحكومة القادمة .
كلّ منهما يحاول صياغة تركيب ائتلاف حاكم على هواه وذلك عقب انتخابات برلمانية عامة في العراق اتسمت بالفوضى والتلاعب بأصوات الناخبين جرت في 12 أيار الماضي. إيران من جانبها تريد "بيت شيعي" مؤلف من أكثر من 200 مقعد من مقاعد أعضاء البرلمان البالغة 329 مقعداً مجموعين من أطراف شيعية مختلفة لإدارة الحكومة القادمة. أما المبعوث الاميركي مكغورك فإنه يريد زمام الحكم يدار من قبل ائتلاف سنّي كردي عابر للطائفية بقيادة وطنيين شيعة أقل ميولاً لإيران .
الائتلاف الذي يسعى مكغورك الى تشكيله يسمى بائتلاف أو كتلة الإصلاح لديها 145 مقعداً. أما كتلة الجنرال سليماني المنافسة المعروفة باسم البناء فلديها 109 مقاعد أو نحو ذلك. كلا الكتلتين ليست لديها المقاعد الكافية لتحقيق الاغلبية المطلوبة لاختيار رئيس الوزراء.
التوترات السياسية تحولت الى عنف تجاوز حدود المنطقة الخضراء. رغم أن قادة أميركان وإيرانيين حاربوا معاً ضد عدو مشترك وهو تنظيم داعش فإنهما الآن على خلاف شديد بينهما. في 6 أيلول سقطت قذائف هاون على مقربة من السفارة الأميركية في بغداد. وهذه كانت أول هجمات تنفذ من قبل مليشيات شيعية على أهداف أميركية في العراق منذ عام 2011. بعد مرور يومين من ذلك أطلقت إيران صواريخ على قاعدة كردية في منطقة كويا في شمال العراق قرب الحدود مع إيران. يذكر أن هذا كان بمثابة أول خرق بنيران تطلقها إيران على العراق منذ انتهاء الحرب الطويلة بين البلدين في ثمانينيات القرن الماضي.
والأكثر خطورة من ذلك أن إيران بدأت تستعرض عضلاتها في البصرة، المدينة المهملة التي تقع قرب الحدود الإيرانية. لقد قامت بسد الأنهر التي تغذي المدينة بالمياه وقطعت إمدادها بالطاقة الكهربائية وعلى إثر ذك احتج محليون بقطع الطرق المؤدية لحقول النفط العراقية العملاقة وكذلك أمام الميناء، حيث تسد هذه الحقول 90% من ميزانية الدولة.
قوات أمنية حاولت فرض حظر تجوال بإطلاق نار على المحتجين ولكن ذلك لم يؤدّ إلا إلى زيادة ثورانه. وخلال اهتياج دام أربعة أيام قاموا بحرق مباني حكومية فضلا عن القنصلية الإيرانية .
كان من المفترض لهذا المشهد أن يدق ناقوس الخطر لدى السياسيين في بغداد، الذي يعيد للأذهان الخلافات التي أعقبت انتخابات 2014 وما تلا ذلك من اجتياح داعش للموصل ومساحات واسعة أخرى حيث طردوا منها بعد معركة مميتة دامت ثلاث سنوات .
رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته حيدر العبادي، سعى للحصول على دعم أميركي لضمان دورة ثانية وذلك عبر تعليق صلاحيات معاون رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس المقرّب من إيران. ووعد العبادي أيضا بالالتزام بأحكام العقوبات الاقتصادية الاميركية على إيران. ووجه البنوك العراقية بإيقاف تحويلات عملة الدولار مع إيران وبذلك حرم إيران من مصدر رئيس من العملة الصعبة .
العراقيون الذين يرون في إيران حليفاً رئيساً لهم بدأوا يتحسرون. يقولون انه قبل كل شيء فإن إيران كانت أول من تقدم لنصرة العراق عندما اقترب داعش من بغداد ويتحسر الآن أصحاب فنادق في مدن عراقية لقلة عدد الزوار الإيرانيين للعتبات، وقال صاحب فندق في النجف "ليس هناك أي حجوزات في الفنادق منذ شهر حزيران."
ولكن في المقابل هناك معسكر من وطنيين عراقيين متحمسين. وردد أتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر شعارات تدعو إيران للخروج من العراق بقولهم "إيران. بره. بره" وقام صدريون في البصرة بتمزيق صور القائد الأعلى الإيراني علي خامنئي الذي يتبعه كثير من أفراد المليشيات في العراق .
 عن: مجلة الإيكونومست البريطانية

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top