أنباريّون: مناطقنا آمنة لكنها تغصّ بالسيطرات والجنود

أنباريّون: مناطقنا آمنة لكنها تغصّ بالسيطرات والجنود

 بغداد/ نقاش

محافظة الأنبار أولى مدن العراق من حيث المساحة تتحول تدريجيا إلى ثكنة عسكرية مترامية الأطراف، إذ لا تخلو شوارعها من تواجد أمني مكثف ونقاط تفتيش إجراءاتها مكثفة، جعلت من المحافظة وكأنها قاعدة عسكرية كبيرة.
ومنذ عام ونصف العام استحدثت القوات الأمنية عدداً من نقاط التفتيش عند مداخل المدن ومخارجها في عموم محافظة الأنبار، وما يميّز هذه النقاط عن غيرها في عموم البلاد أنها تفتح وتغلق في أوقات محددة ضمن قوانين وإجراءات وضعتها القيادات الأمنية.
الانتشار الأمني داخل المدن والأحياء والقصبات أصبح هو الآخر لافتاً للنظر لما يمثله من تماس مباشر بالحياة الطبيعية للسكان المحليين داخل المدينة التي تحررت من داعش منذ أكثر من عامين.
وتوزعت مهام القوات الأمنية في المحافظة بين عدد من القيادات والتشكيلات التي تتمثل بقيادة عمليات الأنبار، وقيادة عمليات الجزيرة والبادية، وقيادة عمليات شرق الأنبار، فضلاً عن قيادة شرطة الأنبار والحشدين الشعبي والعشائري، كل هذه التشكيلات الأمنية تكثف من تواجدها داخل المدن والطرق الرئيسة الواصلة في ما بينها، وكلها أيضا تمتلك آليات وقوانين تطبقها بانتظام على المواطنين.
التواجد الأمني المكثف داخل المدن بحجة المحافظة على المكاسب الأمنية بات يربك الحياة اليومية للمواطنين، لاسيما أنهم بدأوا يشاهدون عددا كبيرا من نقاط التفتيش التي في الغالب تضم ممثلين عن كل التشكيلات الأمنية، الأمر الذي يجعل من هذه النقاط بمثابة تشكيلات عسكرية ضخمة، اتخذت من الطرقات الرئيسة والفرعية مقرات لها ومن خلالها تنظم حركة الوافدين والخارجين.
ناصر عبيد (39عاماً) أحد السكان المحليين لمدينة الرمادي افتتح مؤخراً متجراً صغيراً للمواد الغذائية وسط المدينة، وترك شاحنته المبردة التي كانت في وقت قريب مصدر رزقه المفضل، إذ ينقل من خلالها المواد الغذائية المختلفة بين العراق والأردن وسوريا لصالح موردين ومصدرين، إلا أنه فضل أن يركنها قرب داره على أن يمضي أياما وليالي عدة في طرقات تخضع لإجراءات أمنية معقدة.
عبيد تحدث لـ(نقاش) قائلا "لم أعد أمتلك القدرة ولا الصبر على تحمل هذه الإجراءات التي باتت تعيق العمل على هذه الطرق، وحولتها الى ممرات عسكرية نحتاج لاجتيازها عددا كبيرا من الوثائق والأوراق الثبوتية، ناهيك عن الوقت الذي يصل أحيانا الى عشرة أيام متتالية حتى أصل وجهتي، لاسيما الطرق الدولية في محافظة الأنبار".
ويستذكر قائلا "عملت في إحدى القواعد الأميركية داخل العراق عندما كنا نجهزها ببعض البضائع، كنا نستعد لتحمل آلية التفتيش داخل هذه القواعد لساعة أو ساعتين لينتهي بعدها كل شيء، أما اليوم فأنت مجبر عند تنقلك ببضاعة ما أن تكون على استعداد تام لعشرة أيام على الأقل، تقضيها انتظاراً بين مبيت على الإسفلت عند نقاط التفتيش أو مسيرة بطيئة كالسلحفاة".
وبما أن الوضع الأمني في محافظة الأنبار قد يكون له خصوصية عن باقي المحافظات للظروف التي مرت بها والخطر المحيط بها، يعتقد السكان المحليون أن الإجراءات الامنية ضرورة ملحة، لكن ما تشهده المحافظة من طرق وآليات لتطبيق تلك الإجراءات أصبح يصادر ويزاحم حرية الفرد في العيش والتحرك بشكل طبيعي.
خلف أبو زيد (59عاماً) أحد السكان المحليين لمنطقة البو علوان (10كم) غرب مدينة الفلوجة، يرفض الخروج من قريته باتجاه المدينة إن صحَّ القول، فهو يفضل العيش داخل القرية رافضاً الخروج منها لأيّ سبب كان، يتجنب بذلك الاحتكاك بالقوات الامنية التي ملأت الطرقات على حد تعبيره.
أبو زيد تحدث لـ(نقاش) قائلا "في الأنبار لا نمتلك طرقاً مدنية فكل الطرق والممرات والمنافذ عسكرية، ومشهد اللافتات الأمنية والكتل الكونكريتية وأجهزة التفتيش والكلاب البوليسية قد أصبح مألوفاً لدى الأنباريين، يمكنك أن ترى كل هذا عندما تنتقل بين مدينة وأخرى، إذ لا يمكن أن تجتاز أكثر من عشرة كيلومترات دون التعرض لهذه الإجراءات بعضها أو كلها".
ويضيف أيضا "ليس هناك ما يجبرني على الخروج من مزرعتي باتجاه طرقات ومدن مليئة بالمطبات والحواجز العسكرية والسيطرات التي بدأت تطالبنا بالأوراق الثبوتية لنا ولنسائنا في كل مرة نمر من خلالها، فضلاً عن الانتظار لساعات طويلة حتى أتمكن من اجتياز نقطة تفتيش واحدة". ومع مرور الوقت أصبحت تلك الكثافة في العدة والعدد آلية لا يعاني منها السكان المحليون فقط، بل تعدى الأمر حتى أصبحت مملة ومتعبة لرجال الأمن أنفسهم، إذ أصبح التعامل لا يتعدى إجراءً روتينياً يومياً غاب عنه الحس الأمني، بحسب بعض المنتسبين الى القوات الامنية، الذين طالبوا بضرورة التجديد والابتكار في سبيل الارتقاء بمستوى الواقع الأمني.
أحمد عبد الحميد اسم مستعار لضابط في الجيش العراقي، يؤكد أن "الحاجة لمثل هذه الإجراءات المكثفة والمعقدة قد انتفت ولم تعد المحافظة بحاجة الى كل هذا التعقيد، لاسيما أننا نرى محافظة الأنبار قد أصبحت بمثابة ثكنة عسكرية كبيرة، إذ إنك تشاهد الزي العسكري والأسلحة والمركبات العسكرية في كل مكان وفي أي وقت".
ويضيف قائلا "لعلها من المشاهد الإيجابية أن ترى أحد أفراد القوات الامنية يتجول في شوارع المدن دون أن يحمل السلاح، لكن هذا هو الحال لأي منتسب أمني يتجول بحرية كاملة عندما يكون في قاعدة عسكرية، القوات الأمنية تتناوب باستمرار على توفير الحماية لها، وهذا ما يحدث في مدن المحافظة، التي أصبحت عبارة عن قاعدة عسكرية كبيرة تضم العسكريين والمدنين".
اللواء المتقاعد طارق يوسف العسل، أحد قيادات الحشد العشائري في محافظة الانبار، يرى أن الكثافة الأمنية قد ساهمت في المحافظة على ما تحقق من انتصارات، ونجحت بدحر جماعات داعش، إنجازات تحسب إلى القوات الامنية لكنها على حساب راحة المواطن وحقه في العيش في بيئة آمنة ومريحة.
العسل تحدث لـ(نقاش) قائلا إن "الكثافة الأمنية قد توفر الحماية النسبية لكنها على حساب المواطن ولا يمكن أن تكون هي الحل الوحيد، إذ على القوات الامنية بكل مفاصلها أن تفعّل العمل الاستخباراتي وتقلل من الانتشار الأمني، لكي يشعر المواطن بأن الدولة العراقية تعمل على خدمته وتوفير الحماية له، لا أن تجعله في ثكنة عسكرية مؤمنة بالكامل بحواجز وأسلاك ومنافذ محددة تقيد حريته وحركته".
وقال أيضا "انتشار تشكيلات القوات الامنية بكل صنوفها وبلباسها الرسمي بكامل عدتها وأسلحتها يثير حالة القلق لدى السكان المحليين، ويشير الى أن الخطر مازال يهدد المحافظة، وهنا يجب الانتباه الى أن يتحقق الأمن والأمان دون إثارة الرعب والترهيب، من خلال تفعيل دور الأجهزة الامنية بكل مفاصلها، شرط عدم مصادرة حق السكان المحليين في حصولهم على حياة مدنية آمنة ومطمئنة".

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top