كتب ملعونة..الفيلسوف الذي وجد نفسه بين وحوش ضارية

كتب ملعونة..الفيلسوف الذي وجد نفسه بين وحوش ضارية

ثلاثية الجنس.. الدين .. السياسة

 علــي حســين

|  19   |

 بعد وفاته بأكثـر من ثلاث مئة عام، قررالرسام  رفائيل أن يرسم لوحة للفيلسوف العربي ابن رشد وهو ينصت باهتمام إلى ما يقوله أرسطو. حين كان ابن رشد في التاسعة والستين من عمره وبالتحديد في العاشر من أيار عام 1195، كان عدد من حرس الأمير قد وصلوا الى منزله يحملون تعليمات من الخليفة"يعقوب بن يوسف"تنص على وجوب حضور الفيلسوف إلى الجامع الكبير،كان الخليفة قد استقبل قبل ايام  وفداً من رجال الدين وعلماء الفقه يشتكون من انتشار افكار"الزنديق"أرسطو في قرطبة، وطالبوا بإحراق كتبه أمام العامة، ووقف خطيب الجامع الكبير ليصرخ بصوت عال :"إلعنوا من كتب هذه الكتب ومن آمن بما فيها"، فردد الحاضرون وراءه :"اللهم إلعنْ كل فاسق"..

في مجلس الخليفة كان الفقهاء يتداولون بشان فلسفة ابن رشد حيث وجدوا فيها خروجاً على الاسلام، فأمر الخليفة أن يحضر ابن رشد في الجامع الكبير ليتعرف على جريمته. بدأت المحاكمة بأن ألقى القاضي أبو علي بن حجاج عريضة الاتهام :"وقد كان في سالف الدهر قوم خاضوا في بحور الأوهام، وأقرّ لهم عوامهم بتفوقهم في الإفهام، حيث لا داعي يدعو إلى الحي القيوم، ولا حاكم يفصل بين المشكوك فيه والمعلوم، فخلدوا في العالم صحفاً ما لها من خلاق، مسودة المعاني والأوراق، بُعدها من الشريعة بُعد المشرقين وتباينها تباين الثقلين، يوهمون أن العقل ميزانها، والحق برهانها، وهم يتشعبون في القضية الواحدة فرقاً، ويسيرون فيها شواكل وطرقاً، ذلك بان الله خلقهم للنار، وبعمل أهل النار يعملون، ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة، ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم، ألا ساء ما يزرون"..وأخيراً انتهت المحاكمة دون أن يسمح لابن رشد بالدفاع عن نفسه، ثم صدر عليه قرار الحكم الذي قضى بنفيه الى مدينة"لوسينا"إحدى المدن المجاورة لقرطبة، في تلك اللحظة تذكّر ما جرى لسقراط وأصر على أن يحافظ على موقفه حتى النهاية. لكن رغبة ابن رشد باتباع المثال الاغريقي كانت مرفوضة، فلن يسمح له بالدفاع عن نفسه، ولأنه أدرك منذ البداية إن الفلسفة منهج تعليمي يساعد البشر على تجاوز الاختلافات بين أمنياتهم والواقع، فقد أثر الصمت. بعد صدور الحكم بنفيه، نشر الخليفة في الاندلس والمغرب منشوراً لتحريم الفلسفة وحرق كتبها واضطهاد رجالها :"فاحذروا هذه الشرذمة على الإيمان، حذركم من السموم السارية في الأبدان، ومن عثر له على كتاب من كتبهم، فجزاؤه النار التي يعذب أربابه، وإليها ما يكون مؤلفه وقارئه ومآبه".
خلال حياته كان ابن رشد قد واجه الكثير من المصاعب، لكنه قرر أن ينتصر للفلسفة من هجمات رجال الدين الذين اتخذوا من كتب الغزالي ذريعة لمهاجمته، كان الغزالي المولود عام 1058 ميلادية، قرر :"الكشف عما في الفلسفة من خداع وتدليس وتحقيق وتخييل"وهو يرى إن الفلاسفة تلازمهم صفة الكفر والإلحاد، ونجده يضع كتاباً بعنوان"تهافت الفلاسفة"يبدأ فيه واحدة من أعنف الهجمات التي شنت على الفلسفة التي تنتسب الى أرسطو، كان الغزالي آنذاك في السابعة والثلاثين من عمره حين قرر أن يرد على سقراط وأرسطو وأفلاطون أصحاب"العقول المنكوسة والآراء المعكوسة"، ونجده يقسم الفلاسفة الى ثلاثة أصناف :"دهريون ويطلق عليهم اسم الزنادقة لأنهم حسب قوله جحدوا الصانع المدبر، وزعموا أن العالم موجود بنفسه، والطبيعيون الذين آمنوا بوجود قادر حكيم، لكنهم انكروا بعث الأجساد، وجحدوا الآخرة والحساب وهؤلاء وضعهم أيضا في خانة الزنادقة، ثم الفلاسفة من نوعية أفلاطون وأرسطو الذين وجب تكفيرهم وتكفير من تبعهم من"متفلسفة الإسلاميين"ويقصد الفارابي وابن سينا.. ولم يكتفِ الغزالي بذلك بل اتهم الفلاسفة بالغباوة وسوء الظن بالخالق والكون، والغرور والادعاء.
في تهافت الفلاسفة يؤكد الغزالي على :
1- النهي عن النظر في كتب القدماء، وفي مقدمتها كتب المنطق والفلسفة
2- تكفير الفلاسفة المسلمين لأنهم خرقوا الاجماع لتفضيلهم التأويل
في الخامسة والخمسين من عمره قرر ابن رشد أن يرد على كتاب الغزالي فنشر كتابه الشهير"تهافت التهافت"والذي أراد به أن ينتصر للفلاسفة، ويثبت امكانية التوفيق بين الفلسفة والدين، وضرورة الاستدلال العقلي، والانتفاع من تراث اليونان، واذا كان الغزالي يؤكد أن الفلسفة لاتلائم الإسلام في بعض مسائلها ولهذا وجب تكذيبها وتكفيرها، فان ابن رشد يرى إن"دين الفلاسفة إنما يقوم أصلاً على الإيمان بوجود الله وعبادته"وإن العقل هو الذي يوصل الى معرفة الله، ومعرفة خلقه معرفة واقعية.
وينتهي ابن رشد في كتابه"تهافت التهافت"إلى الإعلان ببطلان آراء الغزالي ويقرر:
1- إن النظر في كتب القدماء واجب شرعي، وإن ما قيل في مخالفة الفلسفة للشرع دعوى باطلة ف"الفلسفة هي صاحبة الشريعة وأختها الرضيعة"
2- إن التكفير بدعوى"خرق الاجماع في التأويل"، لأن التاويل قضية مسلم بها ولا يرتاب بها مؤمن، بل يزداد يقينه.
لم يكن كتاب"تهافت التهافت"السبب الوحيد في محاكمة ابن رشد، فقد أصدر قبله بسنوات كتاب"تلخيص السياسة"ويقال إن هذا الكتاب كان مسؤولاً عن المحنة التي حلت بابن رشد، لأنه ناقش فيه وللمرة الأولى موضوعة الدولة الاستبدادية والدور الذي يجب أن يقوم به الحاكم العادل، والكتاب تلخيص لما تناوله أفلاطون في محاورة"الجمهورية"، حيث نجد ابن رشد يحدد أنواع السياسات التي تتبعها الحكومات الى ثلاثة أقسام وهي": سياسة الكرامة، وسياسة الخسة، والسياسة الجماعية"ويبين موقفه من هذه السياسات، فهو يعتبر أن سياسة التسلط تتناقض مع السياسة الفاضلة. ويكتب :"لا أسعد من الملك الفاضل... ولا أشرّ من وجدان التسلط".لكن من هو هذا الملك الفاضل، يخبرنا ابن رشد بأنه المحب للعلم، الكاره للكذب، المُعرِضْ عن حب المال، الذي يتحرك دوماً لكل مايراه جميلاً وخيراً، إضافة الى صفة الثقافة وفصاحة اللسان :"من الذي اجتمعت فيه هذه الشروط من صغره، واتفق له مع ذلك أن نشأ على نحو تلك النشأة (...) فهو الذي ينبغي أن يحكم هذه المدينة. ولهذا كله يندر وجود مثل هؤلاء القوم، ولهذا يصعب وجود هذه المدينة".

***********

في الثامنة من مساء الثامن عشر من كانون الثاني عام 1985، يُفاجأ السودانيون بقطع برامج التلفزيون ليظهر على الشاشة وزير الإعلام والى جانبه أحد القضاة يعلنون تنفيذ الحكم بالشيخ محمود محمد طه، لأنه خرج على تعاليم الإسلام، وفي اليوم التالي يجيب رئيس الجمهورية آنذاك جعفر النميري على سؤال وجههه له أحد مراسلي الصحف العالمية حول قرار الإعدام :"أن المحكمة لم تنتبه الى جرائم كثيرة أخرى قد ارتكبها محمود محمد طه، وان قرار الاعدام ليس كافياً".
في العام 1968 رفع شيخان من شيوخ جامعة أم درمان الإسلامية دعوى ضد محمود محمد طه يطالبان بإعلان ارتداده عن الإسلام، بسبب إصداره كتاباً بعنوان"الرسالة الثانية للاسلام"حيث قسم فيه الاسلام الى رسالتين، تخص الأولى القرن السابع الميلادي والثانية القرن العشرين، ويقسم القرآن الكريم الى ناسخ يخص الرسالة الثانية ومنسوخ يخص الرسالة الأولى، ويتبنى محمود طه في كتابه فكرة أن الرسالة الثانية هي التي تناسب التقدم البشري في العصر الحالي لخلوها من تشريعات مثل الرق وتقييد حقوق المرأة، ويرى محمود إن الآيات المكّية التي نزلت في فجر الدعوة الاسلامية تمثل أصول القرآن لأنها تؤكد على المساواة بين البشر، وكان يسمي الآيات المكّية"آيات الأصول"لأنها قامت على نبذ الإكراه.
ولد محمود محمد طه بوسط السودان عام 1909، أكمل دراسته الابتدائية والثانية ثم التحق بكلية غوردون ليتخصص في الهندسة، ليعمل بعدها في السكك الحديدية، في تلك الفترة يتعرف على أفكار هيغل ويستهويه الجدل، وينشر أولى مقالاته عن الفرق بين جدل هيغل وماركس.
في العام 1945 يؤسس حزب الجمهورية، والذي دخل في صراع مع الانكليز الذين كانوا يحتلون السودان آنذاك مما أدى الى اعتقاله وتقديمه للمحاكمة عام 1946، وفي فترة السجن يصدر محمود طه أول كتبه"قل هذا سبيلي"بعدها بأشهر قليلة يصدر له كتاب"الدعوة الإسلامية الجديدة"وفيه يخوض أول صراع مع الإخوان المسلمين فيكتب :"أما الإخوان فهم يعتقدون أن صلاح المجتمع مرتبط باستيلائهم على السلطة، لذلك فإن فكرة التبليغ لديهم أساسها الحكم، بينما أساسها بالنسبة إلينا هو حركة الانسياب الثقافي للمجتمع"ويضيف إن :"دعوة الإخوان المسلمين مصطدمة على الدوام بالتمايز الديني والعرقي بين شمال السودان وجنوبه، إن سعيهم نحو إقامة جمهورية إسلامية لابد من أن يرتبط بالجدار المسيحي للجنوب، أما نحن فلا يهمنا أن يكون الجنوب مسيحيا او الغرب اثنيا".
وفي كتابه الرسالة الثانية للإسلام يؤكد محمود محمد طه إن :"من كرامة الإنسان عند الله أن الحرية الفردية لم يجعل عليها وصياً، حتى لو كان هذا الوصي هو النبي على رفعة خلقه وكمال سجاياه فقد قال تعالى في ذلك (فذكر إنما أنتَ مُذكّر، ليس عليهم بمسيطر) والمعنيون هنا هم المشركون الذين رفضوا عبادة الله، وعكفوا على الأصنام، يعبدونها ويتقربون إليها بالقرابين، والمنهي عن السيطرة عليهم هو الرسول محمد، الذي لم يثرد علوّاً في الأرض والذي قال تعالى فيه (وإنك لعلى خلق عظيم) ومن هذا نأخذ إنه ليس هناك رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين، وإن ثمن الحرية الفردية هو دوام السهر الفردي عليها.وفي الحق إن الحرية الفردية حق أساس يقابله واجب هو حسن التصرف في ممارستها"
ويذهب محمود محمد طه في الرسالة الثانية في الإسلام إلى استعادة روح الآيات المكّيّة والتي هي عنده الرسالة الأصل، وقد ضمّن كتابه هذا بعض العناوين التي أثارت ضده رجال الدين و الدولة من بينها"الجهاد ليس أصلاً فى الإسلام"، و"عدم المساواة بين الرجال والنساء ليس أصلًا فى الإسلام"، و"الحجاب ليس أصلًا فى الإسلام"، و"تعدد الزوجات ليس أصلا فى الإسلام"، وقد حاول أن يناقش الكثير من الأفكار الدينية ويخضعها لمتطلبات العصر الحديث، قاصداً من ذلك أن ينوّه بالطاقة الكامنة في التشريع الإسلامي، والتي تستطيع أن تستوعب المتغيّرات الجديدة إذا تمّ بعث"الأصول"دون"الفروع"التي شكّلت شريعة القرن السابع الميلادي.
كان طه يرى أنّ المخرج للأمة الإسلامية كامن فى الانتقال من نص فرعي في القرآن خدم غرضه حتى استنفده"السور المدنية"، إلى نصّ أصلي ظل مُرجئاً ومدخراً إلى حين وقت تطبيقه، وها هو قد حان وقته اليوم،يقصد"السور المكية"يكتب محمود محمد طه إن :"الخلل ليس في الدين، وإنما هو في العقول التى لا يحرّكها مثل هذا التناقض لتدرك أنّ في الأمر سرًّا، هذا السرّ هو ببساطة شديدة أنّ شريعتنا السلفية مرحلية، وإنها لا تستقيم مع إقامة الحياة المعاصرة، وأنها حتى تستطيع استيعاب هذه الحياة وتوجيه طاقتها الكبيرة، لا بد لها من أن تتفق وتتطوّر وترتفع من فروع القرآن إلى أصوله".
بعد أن أعلن الرئيس السوداني جعفر نميري، تطبيق حدود الشريعة في أيلول ١٩٨٣، كتب محمود محمد طه إن هذه القرارات مخالفة للإسلام، وشوههه، وتُنفر الناس عنه.. يضاف إلى ذلك إنها وضِعت واستغِلت لإرهاب الشعب وسوقه إلى الاستكانة عن طريق إذلاله.

********

في صباح الثاني عشر من آب عام 1925 يقف رجل معمم أمام هيئة كبار العلماء، يستمع إلى التهم التي توجه له يلقيها عليه أحد المشايخ، وكانت أبرزها الاساءة الى تعاليم الإسلام والإخلال بالسلم الاجتماعي، وبث الأكاذيب، والافتراء على الدين، ليصدر بعده الحكم بطرده من الوظيفة وتقديمه للقضاء..كان علي عبد الرازق في السادسة الثلاثين من عمره حين أصدر عام 1924 كتابه"الإسلام وأصول الحكم"والذي أكد فيه إن الأمة الإسلامية لاتحتاج الى العودة الى زمن الخلافة، وقد تزامن صدور الكتاب مع الترتيبات التي كانت تجري في القاهرة لعقد مؤتمر الخلافة الاسلامية لتنصيب الملك فؤاد خليفة للمسلمين، وقد أدى صدور الكتاب إلى نشوب أزمة وزارية أدت الى سقوط الوزارة القائمة التي اتهمها الملك بأنها لم تتخذ إجراءً حاسماً ضد مؤلف الكتاب، يكتب علي عبد الرازق في مقدمة كتابه الإسلام وأصول الحكم إن :"الدين الإسلامي بريء من تلك الخلافة التي يتعارفها المسلمون، وبريء من كل ما هيأوا حولها من رغبة ورهبة، ومن عز وقوة. الخلافة ليست في شيء من الخطط الدينية. كلا، ولا القضاء ولا وظائف الحكم ومراكز الدولة، إنما تلك خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها، فهو لم يعرفها ولم ينكرها، ولا أمر بها ولا نهى عنها، وإنما تركها لنا لنرجع منها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة. كما أن تدبير الجيوش الإسلامية وعمارة المدن والثغور، ونظام الدواوين لا شأن للدين بها، إنما يرجع الأمر فيها إلى العقل والتجريب، أو إلى قواعد الحروب أو هندسة المباني وآراء العارفين. لا شيء في الدين يمنع المسلمين من أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الاجتماع والسياسة كلها، وأن يهدموا ذلك النظام العتيق الذي ذلّوا له واستكانوا إليه، وأن يبنوا قواعد ملكهم ونظام حكوماتهم على أحدث ما أنتجت العقول البشرية، وأمتن ما دلّت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم".
وقد حاول المؤلف من أجل إثبات أن يؤكد إن الاسلام بريء من نظام الخلافة وأن النبي محمد"ص"لم يجمع بين الرسالة والملك :"فإن كان في الحكومة النبوية بعض ما يشبه أن يكون من مظاهر الحكومة السياسية وآثار السلطنة، فهو شيء خارج عن حدود رسالته ولم يكن جزءاً مما بعثه الله له وأوحى به إليه"..ومن أجل إثبات رأيه استند علي عبد الرازق على آيات قرآنية تنكر أن يكون للنبي شأن في الملك السياسي، وتتضافر على بيان أن عمله السماوي لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معاني السلطان ومن هذه الايات"لا اكراه في الدين"."ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"."وجادلهم بالتي هي أحسن"."فذكر إنما انت مُذكّر لست عليهم بمسيطر"."أفأنت تُكرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين"."وما جعلناك عليهم حفيظا، وما أنت عليهم بوكيل"."فإن اعرضوا فما ارسلناك عليهم حفيظا.إن عليك إلا البلاغ".. وهو يؤكد إن هذه الآيات المكية هي الاساس الحقيقي الذي قام عليه الإسلام.
ولعل كتاب"الإسلام وأصول الحكم"أول محاولة من نوعها لتحديد أسس الحكم في الإسلام والبحث عن دولة مدنية تنهض بديلاً من دولة الخلافة التي اثنبتت فشلها مع ىحكم العثمانيين، لم يكن صدور الكتاب في ذلك الحين يمكن ان يمر بسهولة لان المعركة التي فُتحت ضده وضد مؤلفه انما كانت سياسية ودينية لان الكتاب كان اول محاولة في العصر الحديث تطرح مشكلة الحكم على بساط البحث وإفهام من يهمهم الأمر بأن زمن الخلافة قد ولى. وإن أحداً لا يمكنه في العصور الحديثة أن يزعم لنفسه أي حق إلهي. فمثل هذا الحكم لا مشروعية له في الزمن الحديث، الا ان الامور لم تكن في صالح علي عبد الرازق الذي وجد نفسه في مواجهة سلطة الملك، وايضا في مواجهة غضب الازهر الذي وجد فيه مساسا بالشريعة الاسلامية واساءة لنظام الحكم الاسلامي، وفي ظل غضب السلطة الدينية والسلطة السياسية اصر علي عبد الرازق ان يطرح سؤاله الخطير : هل الخلافة ضرورية حقاً؟ وهل هناك نظام إسلامي للحكم؟
وللإجابة على هذا السؤال، يبحث عبد الرازق في قضية الخلافة الاسلامية والتي كان مروجوها يستندون الى القول بأن سلطة الخليفة مستمدة من سلطة الله، وللوصول إلى اجابة حاسمة لهذا السؤال الذي يثيره عبد الرازق في كتابه يعرض لنا نحن القراء، صفحات عن علاقة الدين بالسياسة في الإسلام، وتحديداً انطلاقاً من بحثه في علاقة النبي محمد"ص"بالحكم السياسي للأمة. وفي هذا السياق نجده يكتب في الباب الثاني وتحت عنوان الرسالة والحكم يكتب :
“1- لا يهولنّك البحث في أن الرسول كان ملكاً أو لا، ولا تحسبنّ أن ذلك البحث ذو خطر في الدين قد يُخشى شرّه على إيمان الباحث، فالأمر إن فطنت له، أهون من أن يُخرج مؤمناً من حظيرة الإيمان، وإنما قد يبدو الأمر لك خطيراً، لكنه لا يمس جوهر الدين ولا أركان الإسلام (...) 2- إنك تعلم أن الرسالة غير الملك وأن ليس بينهما شيء من التلازم، فكم من ملك ليس نبياً ولا رسولاً، وكم للّه جل شأنه من رسل لم يكونوا ملوكاً. ولا نعرف في تاريخ الرسل من جمع الله له بين الرسالة والملك".
ونجدعلي عبد الرازق يستشير التاريخ ليقول لنا إن سلطة الخليفة في سياق التاريخ الإسلامي، بعد الرسول والخلفاء الراشدين، إنما قامت دائماً على القوة المسلحة وعلى الوراثة."ولو كان التعبير حراً فإن تاريخ الإسلام السياسي كان سيقول لنا إن وجود الخليفة ليس شرطاً ضرورياً للعبادة والخير العام"، ويؤكد علي عبد الرازق ان الحكم ليس بالضرورة ان يكون خلافة او وراثة :"ليس من الضروري أن تكون من نوع معيّن. فعندما زالت الخلافة عملياً في عصر المماليك، لم يتبين أن لزوالها أثراً في العبادة أو الخير العام في البلدان الإسلامية، بل بالعكس، كانت سلطة الخلافة في ذلك الحين مضرّة بالإسلام بل نكبة على الإسلام والمسلمين وينبوع شرّ وفساد".
في كانون الاول من عام 1925 صدر قرار بمنع توزيع كتاب"الاسلام واصول الحكم"، وتجريم كل من يستخدم مقتطفات منه او يحاول نشر بعض ما جاء فيه.. وبعد ايام اصدرت الحكومة المصرية قرارا بمنع علي عبد الرازق من العمل في دوائر الدولة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top