سيدة تشيخوف وكلبها الصغير يدخلان التاريخ

سيدة تشيخوف وكلبها الصغير يدخلان التاريخ

د. ضياء نافع

أصدر تشيخوف قصتة الطويلة – (السيدة صاحبة الكلب الصغير) العام 1898 , وقد مضى الآن 120 سنة على إصدارها , ولكن هذه القصة لا زالت تتفاعل مع مسيرة الحياة اليومية وأحداثها , فقد تحولت الى فيلم سينمائي عام 1960 في الاتحاد السوفيتي ,ثم عام 1971 في الارجنتين , ثم عام 1972 في يوغسلافيا , ثم عام 1975 في بلجيكا , ثم عام 1987 في الاتحاد السوفيتي من جديد , ثم تحولت الى باليه جميلة جداً في روسيا وضع موسيقاها الموسيقار السوفيتي المعروف شيدرين , ثم تحولت الى نصب من البرونز في مركز مدينة يالطا عند ساحل البحر في القرم عام 2004 بمناسبة مرور 100 سنة على وفاة تشيخوف ( ونادراً ما يعرف العالم نصبا وتماثيل تتمحور حول نتاجات أدبية بحتة ) , والنصب هذا عمل فني مدهش الجمال يجسّد تشيخوف نفسه برشاقته وهو يقف عند حافة جسر وأمامه تقف السيدة الجميلة وكلبها الصغير , ثم تمّ تدشين تمثال جديد لهذه القصة عام 2013 في مسرح بمدينة يوجنو- سخالينسك (وهي مدينة ترتبط بسخالين , التي زارها تشيخوف وكتب عنها كتابه المعروف (جزيرة سخالين) عن وضع المنفيين هناك وتضمّن احصائيات دقيقة عنهم لا زالت لحد الان تمتلك قيمتها العلمية واهميتها الاجتماعية والتاريخية ) . وتم ترجمة هذه القصة الى الكثير من اللغات الاجنبية , بما فيها لغتنا العربية (تم ترجمة نتاجات تشيخوف بشكل عام الى 92 لغة , وقد ابتدأت هذه العملية الابداعية أثناء حياته ولا زالت مستمرة لحد الآن ), وقد جاءت هذه الترجمة العربية طبعا بمختلف الاشكال وحسب اجتهادات المترجمين العرب , وحتى عنوانها خضع لهذه الاجتهادات , وهكذا نجد العنوان في هذه الترجمات كما يأتي – (السيدة والكلب) , و (سيدة مع كلب) , و(سيدة مع الكلب) , و(السيدة والكلب الصغير) , و ( السيدة ذات الكلب الصغير) , و ( السيدة صاحبة الكلب الصغير ) , وقد ترجمها أحد العراقيين مرة باللهجة العراقية كما يأتي ( المريّة أمّ الجليب الزغيروني) ...الخ).
أعتبر نابوكوف هذه القصة الطويلة (واحدة من أعظم القصص في الأدب العالمي) , وأشار الى انها مبنيّة على مبدأ ( الامواج) كما أسماه نابوكوف , ولا تعكس أي مشكلة , ولا توجد فيها قمة في تطور الأحداث , ولا توجد (نقطة في نهايتها!) . وقال عنها أحد الباحثين, إنها ( آنّا كارينينا ) تشيخوف , وأشار الى أنها حتى أعمق من آنّا كارينينا تولستوي, إذ أنها بقيت في منتصف طريقها الذي سلكته باختيارها وإرادتها , ولم تنتحر مثلما فعلت كارينينا , وبذلك أثبتت , إن الحب المستحيل أخذ يتعايش مع مسيرة الحياة رغم سيل دموعها الكبير وتعاستها الهائلة .
لقد أراد تشيخوف أن يقول لنا , إن (الحب المستحيل) هو أقوى من (الحب الاعتيادي) رغم كل آلامه وتعاسته , وهي موضوعة انسانية خالدة في مسيرة حياة البشر تتكرر بلا انتهاء وبلا حل أيضاً , ولهذا انعكست هذه القصة البسيطة في مختلف أشكال الفنون من سينما ونحت وموسيقى وباليه...

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top