ستيفان تسفايج.. رجل بلا وطن

Sunday 6th of July 2014 09:01:00 PM ,
العدد : 3120
الصفحة : عام ,

كان آخر كتاب كتبه ستيفان تسفايج قد حمل عنوان "عالم الأمس"، وهو عبارة عن مذكرات حملت رثاءً كبيرا لمدينته فيينا التي ترعرعت موهبته الأدبية فيها والتي حاول الغزاة الألمان عام 1941 محوها من الخارطة، تسفايج انتهى من الكتاب في البرازيل التي لجأ إليها واستق

كان آخر كتاب كتبه ستيفان تسفايج قد حمل عنوان "عالم الأمس"، وهو عبارة عن مذكرات حملت رثاءً كبيرا لمدينته فيينا التي ترعرعت موهبته الأدبية فيها والتي حاول الغزاة الألمان عام 1941 محوها من الخارطة، تسفايج انتهى من الكتاب في البرازيل التي لجأ إليها واستقر هو وزوجته الثانية "لوت" فيها بعد سنوات من الغربة عاشها حتى انتحاره في 22 فبراير 1942. كان الموت يمثل لدى تسفايج فلسفة خاصة خلاصتها أن هذا العالم الحقيقي الذي نعيشه مبني جميعه على الرحيل ما جعل تركيزه في الكتاب يجسد تلك النكهة الخاصة التي يشعر بها نحو الحنين إلى الماضي على النقيض من ثلاثة من الكتاب والفنانين الناطقين بالألمانية من أبناء جلدته، كتوماس مان، حنة أرندت، برتولت بريخت، الذين تشبثوا بالحياة كشكل من أشكال المقاومة على الرغم من الأحداث الجسيمة التي واجهتهم.

تسفايج ترك وراءه كما هائلا من الأعمال الأدبية جسد فيها روحه التواقة بانتمائها إلى الماضي، حيث قال انه قرر البقاء في ذلك الزمن ومن الممكن العثور عليه وهو يسعى حثيثا إلى المقاهي والمشي في شوارع المدينة التي اختفت بفعل الحرب والتي اكتوت أوربا بنارها ما جعل من أعماله الأكثر قراءة هناك، حيث أصبح مألوفا لدى قرائها بسبب أن تلك الأعمال دغدغت فيهم الشعور بالحنين إلى تلك الأمكنة التي بادت بفعل الحرب وشهدت أعماله زيادة مطردة في عدد طبعاتها خاصة بعد ترجمتها إلى الناطقين باللغة الإنكليزية، ونقلت السينما العالمية بعضا من قصصه ورواياته كقصة "فندق جراند بودابست" عام 1930 والذي اضطلع ببطولته آنذاك رالف فينيس حيث حمل هذا الممثل تشابها عجيبا بالجسد والمزاجية التي كان عليها تسفايج.
في سيرته الذاتية والمعنونة "تسفايج : حياة للخدمة تماما" يكتب الباحث الأدبي الألماني أوليفر Matuschek:
- " أن من يريد التعرف على تسفايج فعليه قراءة رسائله وخطبه وأعماله التي اتسمت بخيال واسع سعى من خلالها إثبات قرائنه الوجودية والتجريبية في بعض الأماكن التي عاش فيها كونه إبن أحد اليهود النمساويين الذي فر من النازيين مسافرا إلى البرازيل و وستشستر في إنكلترا، متأملا شبحه متنقلا في الشوارع والبيوت الفارغة حتى تتلاشى ذكرياته التي تشير إلى المسافة الشاسعة والمتسعة بين سحر الأمس والحاضر المجهول".هذان هو ما سعى إليهما تسفايج حينما تناول كتابة السير الذاتية لكل من نابليون، ماري أنطوانيت، سيغموند فرويد، وإيراسموس، وأشياء كثيرة تناولتها كتاباته المهتمة بمعاني وواقع حياة من سبقوه حيث وضع لكل منهم نقدا يليق ببصمته في هذه الحياة وتأريخه الفكري دون تحيز.
جيمس جويس شبّه بالضبط كتابات تسفايج المعاصرة بأنها لغة من يصمت أمام صراخ وفوضى المستقبل، ومع أنه كان يحيا بسعادة في باريس وبرلين قبل العام 1933 كما كان في فيينا، إلا أن اغتراباته فيما بعد نتيجة للمنافي التي احتوته كانت لا تطاق كما يقول جويس وقد كان زيف هذا الموقف أسوأ بكثير من احتمال المحو الكامل من العالم، إلا أن القلق سرعان ما كان يعاوده بين فترة وأخرى كما يقول كاتب سيرته أوليفر حتى سنواته الأخيرة والتي وجد فيها بعض الهدوء مع زوجته الثانية التي أعلن اقترانه بها عام 1939 حيث كانت تعمل بصفة سكرتيرة له بعد وقوعه في حبها ورحيله إلى لندن ومن هناك استأجرا كوخا في أوسنينغ بولاية نيويورك وفي مدينة قرطبة أخيرا في البرازيل.
في إحدى رسائله التي حوتها سيرة أوليفر عن تسفايج يقول أن مكوثه في مدن الاغتراب كانت بالنسبة له تعني سقوط الزمن، لذا لم نعثر على تفصيلات أكثرعنها كانت ستشكل مادة أدبية أكثر ثراءً للفترة التي عاشها تغربا واضطراباً، والدعوة للتعرف عليه من خلال أعماله هي الوسيلة الوحيدة لهذا الثراء، فرواياته " قصة الشطرنج " و " الارتباك " و " رسالة من امرأة مجهولة " تقودنا للتعرف عن عاداته، مشاعره، هفواته، وخياله الضارب عميقا بين شخصيات رواياته والأماكن التي اختارها لها، جميعا تكشف لنا حجم الإبداع الذي أحاط به رغم كل ما كان يعانيه من اضطراب نفسي بسبب بحثه عن وطن يكون ملاذا ومستقرا له في النهاية.
 عن: نيويورك تايمز