الكاظمية في قبضة اللاءات الأربعة: أرزاق مقطوعة وحريّات مُهدورة

الكاظمية في قبضة اللاءات الأربعة: أرزاق مقطوعة وحريّات مُهدورة

يجلس حيدر أمام بسطيته القديمة في سوق الكاظمية مفكراً في تغيير عمله (بيع الأقراص الليزرية) على خلفية الحملة التي شنّها رجل الدين حازم الأعرجي في الكاظمية مُطلقاً عليهاً "اللاءات الأربعة" والتي حرّم فيها بيع أقراص الأغاني والمسلسلات والأفلام، وهدّد بكسر البعض منها أمام أنظار البائعين.
وبدأ مسؤول مكتب الشهيد الصدر في مدينة الكاظمية حازم الأعرجي حملته منذ يومين بإخلاء المدينة من أقراص الغناء والمسلسلات التي وصفها بـ"اللا أخلاقية"، معلنا بذلك الشروع بحملة اللاءات الأربعة في الكاظمية دون اللجوء إلى الطرق العسكرية.حيدر ذو العشرين عاما من سكنة الكاظمية كان قد تنقل بين الأعمال المختلفة ليستقر أخيراً على بيع الأقراص المدمجة فوق طاولة خشبية صنعها بنفسه.
يقول الشاب "أن تكون المعيل الوحيد للأسرة أمر صعب للغاية"، متابعا "اضطررت إلى ترك المدرسة مبكراً بعد وفاة والدي بمرض السرطان وتحولت فجأة من طفل إلى رجل مسؤول عن عائلة من ستة أفراد".
ويضيف حيدر لـ"المدى" أن "العمل في مجال البناء شاق جداً ولا يمكن لجسمي الهزيل ان يتحمل الحر الشديد ورفع حمولات ثقيلة لذا قررت وبمساعدة صديق ان اصنع مربعا خشبيا واضع عليه أقراص ليزرية اجلبها من الباب الشرقي".
واستطاع حيدر خلال السنوات الثلاث التي عمل بها في مجال بيع "السيديات" أن يحافظ على سداد إيجار البيت بشكل منتظم ويتيح الفرصة أمام أخوته ليستمروا في مدارسهم.
الشاب حيدر لا يستطيع ان يفارق منطقته الكاظمية لأنها مسقط رأسه ولديه الكثير من الأصدقاء، لكنه يقول "إذا استمرت الحملة ربما سأفكر بمغادرة مكان عملي إلى منطقة أخرى للعمل".
  وقال مكتب الأعرجي في بيان صدر أول من أمس أنه "بدأ بحملة اللاءات الأربعة في الكاظمية، لكن ليس بالطرق العسكرية، وإنما من خلال الكلام والنصائح"، بحسب البيان.
وأشار المكتب إلى أن "الأعرجي قام بجولة على محال بيع الأقراص في مدينة الكاظمية في ساحة الصدرين، وشارع هرج لحثهم على عدم بيع أقراص الغناء والأفلام والمسلسلات، وكل شيء يخالف الشريعة الإسلامية حفاظا على قدسية المدينة"، مبينا أن "الاعرجي اشترى الكثير من الأقراص المخالفة للشريعة وكسرها أمام المحال".
وأفاد المكتب بأن "هناك الكثير من أصحاب محال بيع الأقراص التزموا بكلام الأعرجي، وامتنعوا عن بيع مثل تلك الأقراص وقاموا بتكسير الأقراص أمام محالهم".
من جانبه يقول رجل الدين والمفكر الإسلامي احمد القبانجي إن بعض رجال الدين يتمسكون بالقشور والمظاهر ويتركون جوهر الدين.
ويضيف القبانجي لـ"المدى" أن "البعض من المحسوبين على رجال الدين يتعمدون إيذاء الناس وهم يتوقعون أنهم بذلك يخدمون الدين ويحافظون عليه"، مضيفا أن "الدين لا يتعلق بالمظاهر الخارجية، لكن البعض من دعاة الدين تتملكهم حساسية مفرطة من قضايا السفور وشرب الخمر دون الاهتمام بالقدر نفسه في قضايا أكثر أهمية".
ويصف القبانجي هؤلاء بـ"المخطئين"، متابعا "إنهم يتمسكون بفكر قديم يعود للعصور الجاهلية والمظلمة، ويقفون ضد الحداثة والتطور"، معتبرا "أن الدين خلق من اجل كرامة الإنسان وفي خدمته وللحفاظ على كرامته وشرفه وحريته وليس العكس".
القبانجي قال أيضاً "إن بعض المعممين يتصورون أن الدين هو شعائر وأحكام وطقوس، الدين هو أعمق بكثير من الطقوس السطحية، وأعمق من الممارسات التي تهتم بالقشور"، عاداً تلك الممارسات بأنها "ليست من أصل الدين وإنما أعراف وتقاليد بسبب الفتاوى، تعمل على تضييع قدر الدين وهيبته وتنفر الناس منه".
وبيّن القبانجي أن "بعض أصحاب العمائم يوافقون على بعض التصرفات برغم عدم صحتها لسبب أن العوام تمارسها مثل قضية التطبير فهم لا يتعرضون لها خشية من لاصطدام برغبات العوام". مضيفا "أن البعض من رجال الدين يدافعون دون شعور على مناصبهم ومصالحهم وفي اعتقادهم أنهم يحافظون على الدين".
ويفضل القبانجي ان يبتعد بعض المعممين عن الحديث في الأمور السياسية لأنهم وحسب وصفه "سيخربون الدنيا"، وعن إغفال القضايا الأساسية والفساد قال القبانجي "اعتقد أن بعضهم (رجال الدين) يتحاشون الخوض فيها لأن بعضهم متورط فيها" على حد وصفه.
من جانبه، نفى مسؤول مكتب السيد الشهيد الصدر في منطقة الرصافة إبراهيم الجابري علمه بحملة "اللاءات الأربعة" التي أطلقها الأعرجي في الكاظمية.
وقال الجابري "ربما شاهد الأعرجي حالة معينة استدعته للقيام بتلك الحملة"، ولم يدل بمعلومات أخرى فيما لو كانت تلك الحملة مدعومة من التيار الصدري أم هي مجرد اجتهادات شخصية.
واتفق الجابري في حديثه مع "المدى" على ضرورة الحديث عن الكثير من المشاكل المهمة التي تعانيها البلاد ومنها ازدياد حالات الخطف والاغتيالات بالكواتم ، مؤكدا "وجود عصابات منظمة بمساعدة عناصر نسائية تقوم بخطف النساء والأطفال". منتقدا في الوقت ذاته تركيز بعض الشخصيات الدينية على الحديث عن أمور بعيدة عن الوضع المأساوي الذي يعيشه العراقيون بينما "ينهب الإنسان نفسه في العراق"، على حد وصف الجابري.  
فيما أكد مسؤول محلي في منطقة الكاظمية امتعاض الأهالي من تصرفات بعض الشخصيات الدينية أثناء محاولتها الحصول على مكاسب مادية وشخصية.
وقال المسؤول لـ"المدى" مفضلا عدم الكشف عن اسمه إن "هناك اجتماعا كان قد عقد في حسينية الصدر في الكاظمية تم خلاله التأكيد على منع إدخال السافرات إلى المدينة ومنع بيع الأقراص الليزرية" المتعلّقة بالموسيقى والمسلسلات والأفلام).
وشدّد المسؤول المحلي على أن "بعض التيارات الدينية تحاول أن تفرض السيطرة على الكاظمية نظرا لوجود العتبتين المقدستين والنشاط الاقتصادي الكبير في المنطقة".
وذكر الكثير من أهالي المنطقة أن الكاظمية مدينة يزورها مواطنون من طبقات واديان متعددة حتى من المسيحيين، وأشادوا بمواقف الشخصية الدينية حسين الصدر الذي كان داعما لمواقف أهالي الكاظمية.
ويقول أحد المهندسين المدنيين من أهالي الكاظمية لـ(المدى) مفضلا عدم الكشف عن اسمه إن "حرمة الكاظمية مصانة منذ عقود ولا نحتاج إلى فتاوى وإملاءات من بعض رجال الدين على منع دخول السافرات"، مضيفا "حتى المسيحيات اللاتي يزرن الإمام الكاظم يرتدين العباءة السوداء". وانتقد المهندس المحاولات المتكررة لبعض رجال الدين في منع دخول السافرات إلى السوق.
وكانت الحكومة المركزية والمحلية قد أعلنتا منع دخول النساء السافرات في عموم مدينة الكاظمية تلبية لطلب احد القادة الأمنيين الذي كان قد حضر مجلس عزاء بمدينة الكاظمية وأثناء تجواله بالمدينة شاهد امرأة غير محجبة فطلب منع دخول غير المحجبات إلى عموم مدينة الكاظمية وأسواقها، وطالب باستحداث شرطة أطلق عليها اسم شرطة الآداب لمتابعة الظواهر السلبية في مدينة الكاظمية سواء للنساء ام الرجال الذين "لا تتناسب ملابسهم او قصات شعرهم مع أعراف الإسلام". وكانت مصادر قد أكدت أنه بعد صدور قرار منع دخول السافرات جرى تشكيل شرطة سميت بشرطة الآداب في قسم شرطة الكاظمية مهمتها ملاحقة الظواهر "غير الأخلاقية".
وأضافت المصادر أن هذه الشرطة هي قسم تم تشكيله حديثا ويعمل على متابعة الظواهر المرفوضة في الشارع والتي نهى عنها قرار الحكومة المركزية القاضي بمنع غير المحجبات من دخول مدينة الكاظمية إضافة إلى "ملاحقة الشباب الذين يتشبهون بالفتيات في طريقة ملابسهم الضيقة والملونة وشعورهم الطويلة والتسريحات الحديثة الغريبة التي لا تليق بالشاب".

تعليقات الزوار

  • ابو النور العراقي

    اذا المسيقى حرام سمعها في الاسلام انا شخصيا سوف اغير ديني الى دين اخر حتى اذا ذهبت الى الجحيم ,تحريم الموسيقى هو انكار يوم القيامة وهذا هو خطاء الاعرجي الذي وقع فيه.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top