بين دمشق وغزة

عواد ناصر 2012/12/03 08:00:00 م

بين دمشق وغزة

بين المدينتين أكثر من رابطة دم ووشائج جغرافيا وتاريخ.
دمشق مدينة الزعيم الآرامي ريزون، أقام فيها مملكته وكانت عاصمة له. كانت عاصمة في مراحل وحضارات كثيرة في تاريخها الطويل وأصبحت عاصمة الدولة الأموية أكبر دولة إسلامية في التاريخ عام 661 في عهد الأمويين. هي إحدى عواصم بلاد الشام الأربع، وهي أيضا إحدى المدن الشامية القديمة التي أصبحت عاصمة المملكة العربية السورية (التي شملت كامل بلاد الشام) عام 1920 ومن ثم الجمهورية العربية السورية بعد استقلالها في العام 1946 عن فرنسا. وغزة لها أسماء عدة، حسب حضارات وأقوام متعاقبة تجاورت وتصارعت، بدءاً، الكنعانيون أسموها هزاتي Hazzati والمصريون أسموها غازاتو Chasat- واليونانيون أسموها رازا Raza- الآشوريون أسموها عزاتي Azzat والانجليزيون أسموها جازا Gaza واليهود أسموها عزة .Azza‏  
دمشق مدينة الانقلابات والياسمين والدم والشعر أعلنت نفسها، هذه الأيام، عاصمة للثورة من أجل الحرية وأراد أبناؤها وبناتها التعبير عن أنفسهم/ بلدهم بأيدٍ خالية وحناجر سلمية فأراد لهم حكامها أن تكون معركة حربية بطائرات الميغ التي أوهمونا بأنهم اشتروها لضرب تل أبيب ورمي اليهود في البحر لكنهم قصفوا بها المدن السورية ودكوا البيوت على ساكنيها فرموهم إلى العراء والصحراء.
صاح أحد المواطنين وهو يحمل طفله القتيل بين يديه: إنها حمص وليست تل أبيب، يا بشار.
الطائرات الإسرائيلية تضرب على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ليس بعيداً عن السواحل السورية، على البحر نفسه، تضرب مواطنين عرباً، من أهل غزة، يشكل الأطفال والنساء بينهم نسبة عالية، في أبشع سياسة عسكرية عنصرية تتبعها دولة معاصرة ضد شعب أعزل.
كلما اندفع الشعار العربي إلى أقصاه ينهزم، الصيغة العربية الرسمية والناس الأبرياء هم من يدفع الثمن، وكلما خاضت الصيغة العربية الرسمية حرباً ضد عدو كافر انهزم المؤمنون على أعقابهم، وتحورت الآية الكريمة: "وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة....." لتصبح وأعدّوا لهم ما استطعتم من شعارات وخطب وصراخ.
ثمة نوعان من الطائرات يضرباننا في دمشق وغزة: طائرات أمريكية وطائرات سوفيتية (روسية)!
الفلسطينيون نوعان أيضاً: فلسطينيو رام الله عاصمة السلطة الفلسطينية التي بلا سلطة في الضفة الغربية، وفلسطينيو غزة المصرون على حكومة مقالة، لم تزل الحرب بينهما قائمة حتى اللحظة، سوى خطب خجولة تضامنية متبادلة عبر حدود (الدولتين) الفلسطينيتين، في غزة ورام الله لأن الدم دفّاق، غير خجول، يشخب حتى من الحجر ودفاتر الأطفال ورضاعات الحليب.
ماذا تريدون أيها الفلسطينيون؟ بدلاً من دولة لديكم دولتان: الأولى في غزة والثانية في رام الله!
كيف ينتصر شعب على محتليه من دون وحدة وطنية؟
دائماً، يقود حكامنا شعوبهم إلى الهزيمة والخطيب العربي/ الإسلامي يخوض لعبته اللغوية ببراعة منقطعة النظير ليشتق "النصر" من لغة "اندحار".
لماذا ينتصر الحكام، حكامناً، دائماً، علينا وعلى أعدائنا، ونحن من نُقتل وهم يتوارثون العروش والنياشين وأنواط الشجاعة؟
"كان جندياً ولكن شظيّة
طحنت ركبته اليسرى
فأعطوه هديّة:
رتبة أخرى ورجلاً خشبية" – محمود درويش.
علينا أن نختصر الحرب بالنسيان أو الصمت ليموت عدونا غيظاً جراء كبرياء قومية تأبى الانجرار وراء عدوٍّ تافه، نصغّره ونستصغره، رمزياً، لنحط من شأنه، أو لم نسمّه، نحن، بـ "دويلة العصابات الصهيونية"؟
وليس بعيداً عن غزة هاشم تعمل الطائرات الحربية السورية بكامل طاقتها، واثقة من الظفر المبين على أناس مدنيين، تظاهروا من أجل الخبز والحرية، دفعتهم، مع سبق الإصرار والترصد، ليكونوا أعداء مسلحين لتبدوا مهمة الطيار العربي شرعية في قصف البيوت لأنها تؤوي مسلحين.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top