ما الذي سيحدث للمجتمع:لو تضافر الأدب مع الفيزياء والفن و العمارة ؟؟

لطفية الدليمي 2012/12/08 08:00:00 م

ما الذي سيحدث للمجتمع:لو تضافر الأدب مع الفيزياء والفن و العمارة ؟؟






تلتحم  عناصر ومكونات  مجتمع  ما بواسطة   مفردات  ( ثقافته )  الأولية  وتشكلاتها  المستقرة وما تضيفه   ثقافته المكتسبة   المتجددة   التي  تستفيد  من  العناصر الاولية وتوظفها  وتطورها ثم تتخطاها في  انفتاحها عل  العالم  وتأثرها  بمستجدات الفكر والفلسفة  والابداع ،  وتبرز انجازات  كبرى في مجال  الاداء الابداعي  لكل مجتمع  حين يقترب الأدب من الفيزياء  والفن والعمارة والموسيقى  ويتمثلها   المبدع  في تخييله  الروائي او الشعري  او ادائه الفني الجمالي ...
  و كلما   ضعفت   ثقافة مجتمع ما  وتكلست   وهيمنت عليها  معطيات ثقافات ثانوية متحجرة   –  تمزقت  وشائج  ذلك  المجتمع   ونزع  نحو القطيعة  وتحولت مكوناته الى جزر معزولة  -   لفقدانه المادة اللاصقة   التي تفرزها الثقافة العامة المتجددة والمحايثة للكشوفات العلمية ونتائج  البحوث الاجتماعية وبحوث الابداع والفن التشكيلي والعمارة والموسيقى  ، ففي مجتمعنا الذي حرمته  الصراعات الأيدلوجية  والحروب  والديكتاتوريات  من  الاهتمام   بالتطور  وحددت توجهاته وأحلامه ومساعيه لعقود  طويلة  في الحصول على الحاجات الأولية حسب من أجل  للبقاء على قيد الحياة كمثل الكائنات الأخرى – لتسهل الهيمنة عليه كقطيع مجوع  محروم  من كرامته الإنسانية  وأحلامه  وتوقه لتمثل وهضم  معطيات الحضارة المعاصرة فحالت بينه  وبين   الاتصال بالعالم الخارجي  المتنعم بالكشوف الحديثة  وحجرته في حظيرة الفعل الحياتي البدائي  الذي يعرقل الوعي  ويحيّد العقل بل  ويوظفه  في  التنافس  الوحشي على اللقمة  والمادة  والفوز بفرص   البقاء على حساب حرمان الآخرين  وموتهم، ومجتمع كهذا سيكون عاجزا  بالضرورة عن الإتيان  بمنجز  ثقافي  مشهود على مستوى  العمارة والأدب والفن التشكيلي والموسيقى  إلا في حالات فردية محدودة  لا يقاس عليها  بل ويجري تجاهلها  وعدم الاعتراف بها ..
ماذا يحدث لو أقدم  عراقيون من تخصصات  مختلفة : معماري  وكاتبة  ومؤلف موسيقى  وفيزيائي  ورسامة  مثلا  على التفكير   بمشروع معماري وفني  حضاري   تتضافر لتنفيذه   صنوف الابداع   المختلفة ؟، ترى هل ستتاح لهؤلاء  المبدعين  فرصة تحقيق مشروعهم  المتكامل؟   وهل ستسندهم مؤسسات   بلادهم؟؟ او تستجيب لهم حكومات  اوطانهم ؟؟ لا أظن ان شيئا مثل هذا ممكن الحدوث في مجتمع كمجتمعنا العراقي  المهشم  الذي  تتعمد السلطات  حرمانه من الكهرباء والبيئة النظيفة والرعاية الصحية والأمان لأجل ان  تحوله الى قطيع عاجز عن المبادرة ،  فالإبداع العلمي والفكري لا يتحقق إلا في  مجتمع  مؤمن بالتقدم والتطور ،  تعامل فيه الكفاءات الإنسانية  باعتبارها ثروات وطنية  لا أن يعد أصحابها أعداء للسلطة لأنهم من طائفة او عرق  أو  فكر سياسي  يخالف فكر الحاكم  وحزبه.
لقد  تصدى مبدعون عراقيون  في خارج العراق  الى  استنباط  تطبيقات في الفن  مؤسسة على   نظريات  علمية ومثالنا  الفنان والمفكر  الراحل محمود صبري في  طرحه لنظرية (واقعية الكم) معتمدا  فيها على نظرية ( ميكانيكا الكوانتوم )  التي قال بها عالم الفيزياء موريس  بلانك  وطورها آخرون بعده  وطبقها صبري في الرسم  وقدم  أعمالا  فنية كثيرة  اثبت  عبرها   تشابك  الفن مع النظرية الفيزيائية  وقد  اثبتت تجارب العلماء ان الوعي الإنساني  يعمل ضمن  ( ميكانيكا الكم ) في إطار العمل العقلي  وعلاقته  بالزمن..
 وأنه   بوسع  للعقول العبقرية  المزاوجة    بين الإبداع الأدبي والفني  والنظريات الفيزيائية المجردة، فالعقل البشري الحر  دائم الابتكار لانه  لا يتوقف عن التساؤل والتجريب  والشك   ولا يسلم بوجود حقائق ونظريات ثابتة ونهائية في العالم     بينما يذعن   العقل الجاهل  لما يمليه عليه  المتسلطون والمتحكمون بمسارات حياته   في نوع  بليد من الاتكالية  والانصياع المذل  وفقدان القدرة على اجتراح المبادرات   ..










ظلت المرايا على الدوام مصدراً للافتتان. و قبل أن تظهر إلى الوجود، لم يكن الناس يعرفون فعلياً  ما هي المرايا. و يمكن أن لا يكون مصادفةً أن واحدة من أكثر المهارات تطوراً لدى الإتروسكان Etruscans الغامضين، أساتذة الكهانة أو العرافة، كانت انتاج المرايا، كما جاء في هذا العرض النقدي لفكتور سونكين.
و الشخصية المركزية في رواية دينا روبينا الجديدة، "  Pocherk Leonardo " ، أو خط يد ليوناردو "، التي نُشرت في موسكو مؤخراً، لها علاقة خاصة مع المرايا. كما أنها من الذين يستخدمون اليدين اليسرى و اليمنى بنفس السهولة و هي ترى أيضاً لمحاتٍ من المستقبل، لا بطريقة التحديق في كرة، و إنما كأمرٍ واقع تماماً. و تصاب آنا Anna، بطلة الرواية، بالدهشة تماماً، في الأول على الأقل، لكون الناس الآخرين لا يمتلكون هذه القدرة. و يتتبع القارئ مهنة آنا كبهلوانة سيرك ثم كاستعراضية لاحقاً.
و كما هي العادة مع كتب روبينا، فإن وصف الحياة اليومية في مدينة كبيرة خارج وسط روسيا في ماض ليس بالبعيد جداً هو العنصر الأقوى في الرواية. و في العديد من كتبها، كان المكان هو طاشقند، مدينتها الأصلية؛ أما هنا في ( خط ليوناردو )، فإن المكان كييف ما بعد الحرب، بخليطها من القوميات، و التقاليد و اللغات. و ثقفز بعض الشخصيات خارج الصفحة ( تناسباً مع كتابٍ حول المرايا ) ــ مثل جدة آنا الجدية كريستينا أو صديقها و مستشارها في الرياضيات أليزار.
و يمكن القول إن الفصول التي تعالج المهنة العالمية للبطلة أقل إقناعاً. و لا تقترب مونتريال من حيوية فصول كييف. و على كل حال، فإن حياة السيرك، في كل من الاتحاد السوفييتي و سيرك دو سوليه بكندا، توصف بتفصيل دقيق و هي متعة بالنسبة لكل مَن هو مهتم بالحيوات المهنية للآخرين. و بحث روبينا هذا جدير بالثناء من نواحٍ أخرى، أيضاً : فمن الواضح أنها قد درست يصورة شاملة الحاجات الخاصة و المشكلات التي يواجهها الأشخاص الذين يستخدمون كلتا اليدين بالسهولة نفسها. و من المرعب أن الممارسات القاسية على الذين يستخدمون اليد اليسرى من الناس، و الموصوفة في هذا الكتاب، ما زال يصادفها المرء أحياناً في روسيا.
و عنوان الرواية‘ " خط ليوناردو "، ناشئ من الطريقة غير العادية التي كان يستخدمها ليوناردو دافنشي، الثنائي اليدين كما يبدو، في حل شفرة الرسائل السرية ( "شفرة دا فنشي " الحقيقية! ) التي لم يكن ممكناً قراءتها إلا في مرآة. و هذا، بين أمور أخرى، ما يعطي الكتاب مسحة غموض، لكن من دون إن يهبط بالرواية إلى مستوىً شاذ خارق للطبيعة. و الربط بين موهبة آنا البطلة و تفصيلات الحياة اليومية الواقعية يذكر حتى أشد المتشككين، بالأمور الغريبة التي تقع بين الفينة و الفينة : حلم تنبّؤي، تنبؤ مضبوط، شعور بحضور شخصٍ رحل مؤخراً.
و أخيراً، فإن رواية روبينا المحكَمة تقدم لنا طريقة للنظر إلى داخل ذلك العالم الغريب ــ لا من خلال نافذةٍ أو باب، و إنما عبر مرآة.
عن/  context

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top