المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

صدر عن ( المدى ):إمره كيرتيس في رواية (لا مصير) .. تقديم قراءة مختلفة لمعسكرات الاعتقال النازية

دمشق ـ ابراهيم حاج عبدي

 

يعتبر الروائي المجري إمره كيرتيس من الأصوات الأدبية المهمة في بلاده المجر، وقد تخطت شهرته حدود بلاده لدى فوزه بجائزة نوبل للآداب عام ،2002 وهو من مواليد العاصمة المجرية بودابست سنة 1929، وقد عمل لفترة في الصحافة، ونشر روايته الأولى التي نحن بصددها سنة 1975 ،ومن أهم أعماله "مقتفي الأثر" 1977 ، "الفشل" 1988 ، "الراية الانكليزية" 1991 ، "يوميات العبودية" 1992 ، "المحضر" 1993 ، "شخص آخر" 1997 ، "لحظة صمت" 1998 ...وغيرها من الأعمال التي ترجمت إلى مختلف اللغات الأوربية ثم توسعت رقعة الترجمة بعد فوز الكاتب بجائزة نوبل الآداب إذ لعبت الجائزة دورا في لفت الانتباه إلى موهبة أدبية خاصة.
وكما جرت العادة في العالم العربي فان دور النشر تنتبه إلى كاتب ما، وتقوم بترجمة أعماله بعد أن يفوز بهذه الجائزة الأدبية القيمة، والاهتمام بأعمال كيرتيس يأتي ضمن هذا الإطار، وربما تستثنى من هذا التقليد دار (المدى) التي تعتبر من دور النشر السباقة في هذا المجال فهي تصدر سلسلة "مكتبة نوبل" منذ سنوات، وتختار لها أعمالا أصبحت علامات مضيئة في تاريخ الآداب العالمية، وقد ترجمت مؤخرا في إطار هذه السلسلة مجموعة من أعمال الروائي المجري كيرتيس، منها "المحضر" و "الراية الانكليزية"، والرواية التي نعرض لها، والتي تحمل عنوان "لامصير"، وقد ترجم هذه الأعمال الكاتب العراقي المقيم في بودابست ثائر صالح.
نشر كيرتيس هذه الرواية عام 1975 وهي العمل الأول له ضمن ثلاثية روائية تشمل أيضا "الفشل"، ثم "قديش ...". ومن دون كثير عناء يكتشف القارئ المطلع على سيرة حياة كيرتيس أن هذه الرواية تتناول جانبا من سيرة حياة الكاتب نفسه، فالرواية تتناول حياة سجين في معتقلات آوشفيتز النازية في نهاية الحرب العالمية الثانية، والمعروف أن كيرتيس يعرض لهذه التجربة القاسية حيث اعتقل في هذا المعسكر قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية وقضى سنة كاملة فيه، ليعود بعد ثلاثة عقود الى سرد هذه الفترة في رواية نالت الاستحسان نقديا وجماهيريا، ويذكر مترجم الرواية ثائر صالح أن كتابة هذه الرواية استغرقت عشر سنوات وهي باكورة أعماله، ويشير الكاتب إلى معاناته في مجال النشر والصعوبات التي واجهته لدى سعيه إلى إثبات نفسه كصوت متفرد ومتميز في الكتابة الروائية، وقد تحدث عن هذه المعاناة في روايته "الفشل" التي صدرت عام 1988 غير أن مكانة الكاتب لم تتكرس إلا بعد حصوله على نوبل للآداب.
ومن المفارقة أن الكاتب حقق نجاحا واسعا ليس في بلاده المجر بل في ألمانيا، ويعزو المترجم هذا الاهتمام الألماني بكيرتيس إلى أن الأخير جعل من الهولوكوست (المحرقة النازية) محورا لأعماله، ويعتقد المترجم أن هذا الأمر يقدم جوابا على سبب الاهتمام الألماني به، فقد قارب كيرتيس الوعي الألماني للهولوكوست من زاوية جديدة غير معتادة أثارت فيهم الحيرة وأربكتهم كونه شاهدا على آوشفيتس وبوخنفالد. ويضيف المترجم بان مقاربته للمحرقة بسيطة للغاية، إنسانية، لا يوجد فيها ما هو شيطاني أو عجائبي على النحو الذي تصوره هوليود مثلا، فهو يعرض الحياة البشعة في معسكرات الاعتقال بشكلها الواقعي من دون افتعال، وبعيدا عن المبالغة.
والواقع أن هذه الرؤية المعتدلة تتحقق في روايته "لا مصير" التي تتناول ظروف الحياة القاسية والصعبة في معسكرات الاعتقال بصورة حيادية لا مكان فيها للحقد أو الانتقام، أو التشفي، بل يسعى الكاتب إلى رصد حياة بطل الرواية المجري اليهودي جورج كفش الذي يؤخذ في نهاية الحرب العالمية الثانية من شارع في أطراف بودابست إلى معسكر اعتقال ألماني هو اوشفيتس ثم إلى بوخنفالد ومنه إلى معسكر صغير هو تسايتس، وهذا الاعتقال يأتي ضمن السياسة النازية التي اعتقلت اليهود للقيام بأعمال السخرة في المعامل وعلى جبهات القتال، كما أن النازيين جمعوا المعارضة السياسية بمختلف أطيافها من الشيوعيين، والاشتراكيين، والديمقراطيين...وكذلك أسرى الحرب، وأبطال انتفاضة وارسو، وبعض شرائح المجتمع ـ بالاستناد إلى الايدولوجيا النازية العنصرية ـ كاليهود، والغجر، وأصحاب العاهات في معسكرات اعتقال وأجبروهم على العمل في ظروف صعبة، وقد ماتت أعداد هائلة من هؤلاء وهو ما اصطلح على تسميته بالهولوكوست وهي كلمة يونانية تعني الأضحية أو القربان المقدم حرقا.
رواية "لا مصير"، إذن، هي أشبه بمذكرات أو يوميات تتحدث عن الحياة الصعبة في معسكرات الاعتقال، يرويها بطل الرواية كفش إذ يفتح دفاتر الذاكرة البعيدة ويفتش في دهاليز الروح ليقدم صورة قاسية عن ظروف الاعتقال من وجهة نظر شاب لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره يختزن في دواخله قصصا وحكايات كثيرة عن تلك المعتقلات حيث يسرد كل ما يدور في ذهنه واحتفظت به ذاكرته الغضة، يتحدث عن الأصدقاء والصداقات التي ربطته مع بعض مواطنيه المجريين، عن طريقة النوم والأكل، والعمل، عن ساعات الاستراحة، والهموم، والمخاوف، عن الانتقال من معسكر إلى آخر، وعن كيفية التعامل معهم، وعن الأحلام، والآمال، والهواجس التي كانت تنمو وتكبر في تلك المساحات المعتمة والضيقة، وكثيرا ما يطرح البطل على نفسه سؤالا مريراً لا يجد له جوابا، وهو: لماذا يوجد في هذه المعسكرات؟؟ ما الذنب الذي اقترفه؟؟.
كيرتيس في هذه الرواية يربط بين المصير والحرية، وهي قضية إشكالية يعالجها الكاتب عبر سطور الرواية، كما يشير إلى فكرة أخرى تتمثل في أن الإنسان لا بد له من الاستمرار، فثمة استحالة في البدء بحياة جديدة منقطعة عن الماضي، لان الإنسان دائماً يواصل حياته القديمة رغم المنعطفات إذ لا يمكن محو الذاكرة، وفتح صفحة منفصلة عما مضى، ليستنتج، كما يقول بطل الرواية" لا استطيع البدء بحياة جديدة إلا إذا ولدت من جديد".
والمفارقة أن الراوي لا يعتبر ما شاهده في معسكرات الاعتقال شيئا غير طبيعي بل أن ظروف الاعتقال لا بد من ان تكون هكذا، لكن ما هو غير طبيعي معسكرات الاعتقال نفسها، إذ يقدم بطل الرواية صورة مغايرة لكل ما كتب عن تلك المعسكرات عبر الحديث عنها بعد أن أصبحت شيئا من الذاكرة التي تعدل وتحذف وتضيف، ولاشك في أن الذاكرة تعجز عن وصف الفظائع، والأهوال بعد مرور عقود عليها، بمعنى أن الرواية تشتغل على الحنين، ومن المعروف أن الحنين يلطف جو الخوف والكآبة ويقدم النص الأدبي ضمن إطار حيادي إلى حد بعيد، لدرجة أن خاتمة الرواية تأتي كصدمة تجعل القارئ يعيد النظر في كل ما قرأ عن معسكرات الاعتقال، يقول البطل:"إذ حتى هناك، بين المداخن، كان في الاستراحات الفاصلة بين العذاب شيء يشبه السعادة. الجميع يسأل عن الصعوبات (الفظائع):بينما الذكريات هي ما يبقى محفورا في الذاكرة. نعم، يجب أن أحدثهم عنها، عن السعادة في معسكرات الاعتقال...".
ورغم أن المترجم يتحدث عن اللغة المعقدة للرواية غير أن قارئ النص المترجم إلى العربية لا يلمس ذلك، فاللغة هنا سلسة وسهلة وصريحة، وان كان يتفق مع قول المترجم في أن الجمل والمفردات المنتقاة بعناية تهدف إلى إبراز الحالة النفسية لبطل الرواية، فتعقيد الجملة يتزايد مع تزايد الحالة الموصوفة، ومع تزايد الضغوط والصدمات، ويستخدم الكاتب ضمير المتكلم مع استخدام الفعل الماضي كدلالة على فعل صار جزءا من الذاكرة، كما يغلب على بعض مواقع العمل طابع المونولوج الذي يستبطن دواخل الشخصية ولكن حتى هذه التقنية تأتي في سياق تفاعل الراوي وتأثره بالأحداث التي تجري أمامه، والتي يصفها بدقة وإتقان وكأنه يكتب سيناريو سينمائياً يصلح لان يتحول إلى فيلم مباشرة.
يتحدث كيرتيس ـ في حوار يدرج المترجم أجزاء منه في المقدمة ـ عن تأثره بعظماء الأدب من أمثال فولتير، وكامو، وفلوبير، ودوستوفسكي، وكافكا...وغيرهم ممن ساهموا في صنع أسلوب هذا الكاتب الذي يقدم هنا وجهة نظر مختلفة عن اوشفيتس ومعسكرات الاعتقال النازية الأخرى، وبصرف النظر عن مدى صحة هذه الرؤية المتسامحة إلى حد بعيد غير انه رأي يجب أن يؤخذ في الاعتبار، لاسيما انه يصدر من كاتب عاش التجربة بصورة واقعية، ويبقى ثمة قول وهو أن الرواية، أي رواية، ليست وثيقة تاريخية، بل عمل فني أدبي، وبالتالي ثمة هامش واسع من الحرية متوفر للكاتب لقول رأيه من دون رقيب أو محاسبة، ومن هنا لا يمكن الاعتماد على هذا النص عند محاولة البحث في تفاصيل الحياة في معسكرات الاعتقال النازية، وان كان هذا العمل يوثق لكثير من الأحداث والوقائع...لكن يبقى الفن فنا، بينما المؤرخ يبحث في الماضي عن جوانب أخرى، بالضبط، تلك التي أغفلها الأدب.


مغايرة المألوف البصري
 

أ. د عقيل مهدي يوسف

بسبب من تعثر الاضاءة من حيث التقنيات المفتقدة في مسارحنا، يسارع المخرج في اللحظات الاخيرة الى زرع مصابيح الضوء في اعلى السقف، وبين الكواليس ومن مقدمة الخشبة، بطريقة تنقصها الحنكة الحرفية اللازمة.
فتراه يضغط على أزرار مفاتيح الضوء، بطريقة آلية رتيبة، مما يترك انطباعاً بينا لدى المتلقي بان ما يراه من اشكال مشهدية، بعيدة كل البعد عن خلق تجانس بين الممثل، والوان زيه، والضوء، الذي يغمر هذا الشكل المفكك، فضلاً عن تشويشها على تطور الموضوع الدرامي. هذه العشوائية المساحية، تهشم الخطوط المحيطية الجمالية لتوزيع الكتل على مواقع الخشبة، او الفضاء الذي يقدم فيه العرض. وبالتالي ترتبك خطوط الصالة البصرية في مشاهدة وحدة لعناصر الصورة المسرحية المطلوبة. وينفرط المسار البصري عن الصوتي، وتختل حركة الاحداث، والافعال، وتنعطف عن بؤرتها الحقيقية للوصول الى ما يسمى بالهدف الأعلى للمشهد.
ان صورة المشهد ليست وسيلة آلية (اداتية) لإيصال افكار مجردة، بل انها جسد تعبيري جمالي، يقوم بوظيفته الدرامية-المسرحية من خلال قدرته على تنظيم الحيز المكاني لحركة الممثل، والضوء واللون ونمو الحدث وخلق التصادمات والتجاذبات بين الاطراف. تشيع في المسرحيات الكلاسيكية بشكل خاص التنظيمات البؤرية للبطل الذي يحتل مركز الاحداث، وتحيط به مجاميع الكورس والحشود، بصفتها شخصيات ساندة للبطل. وربما تكثر التنظيمات المحورية في العروض الرومانطيقية وهي بطبيعة الحال تختلف عن التنظيمات الافقية التي سادت في عروض النقابات في القرون الوسطى بتسلسلها وترابطها حسب مسار حركات العين الطبيعية من اليمين الى الشمال.
او يحقق البطل حضوراً مميزاً في عملية تبادلية مع فضاء السينوغرافيا الذي يضم في مواقع خلفية وتحتية عناصر تؤكد ذلك الحضور. وكذلك من خلال تجانس عناصر الشكل، او وحدات المحتوى، حسب اسلوبية العرض، واتجاهه ومذهبه الدرامي، مثلاً، يكون الشكل في المسرحية الواقعية أفضل الحلول حينما يتطابق مع مادة الموضوع، أي الالتزام (بالايقونة) الفوتوغرافية. وتشيع في العروض التعبيرية، تنظيمات هرمية مثلها مثل العروض الراقصة التي تشتبك فيها المجاميع بتدرج هرمي، تبنيه اجساد الممثلين، بتشكيلاتهم الحركية (الميزانسين) وكأنهم يرسمون لوحة، او جدارية او معماراً نحتياً. وتكثر في المسرحيات التي تقدم في مسارح دائرية من حركات الاقواس، واشباهها، والدوران مع او ضد حركات مؤشر الساعة بإيقاعات تكرارية، متدرجة، سريعة او متريثة.
اما في تجارب مغايرة للمألوف البصري في أرشيف المسرح العالمي التاريخي، فان المشهدية تأخذ منحى فضائياً مشتتاً، ومفككاً ويدور باتساق وبغير اتساق في البرهة (الزمنية والمكانية) الواحدة، في محاولة لمواكبة الفرضيات التجريبية التي اجتاحت عروض ما بعد الحداثة، بعد ان سئمت من بدائل الحداثة في مواجهة التقاليد القارة. فتفجرت الموضوعات واشكالها الحركية بخطوط بصرية عشوائية، موظفة من كشوفات التكنولوجيا الحديثة، تلك التوصلات الاكثر ابهاراً واشعاعاً من سواها. وما زالت الاضاءة النقطة الجاذبة للرؤية وللعنصر الدرامي المهم في العرض، والبانية لمحور خاص وسط المشهد، والمؤطرة للامامي في علاقته مع الخلفي، الظهير المكمل، وكذلك تقود المتفرج الى نقطة الختام المطلوب التوقف عند حدودها او تخومها البصرية.
وبمقدور الاضاءة ان تحذف وتضيف وتختزل وتركب وتنوع وتحرك وتكثف من مشهدية الصورة المسرحية للعرض ولا تكتفي بوظيفة الاظهار فقط، بل تتعدى ذلك الى الوصول للغة اخراجية متقدمة ومبهرة.


كولومبي يسجل مأساة سجن ابي غريب في لوحاته
 

وثق الفنان الكولومبي فيرناندو بيتيرو في سلسلة جديدة من رسوماته اساليب تعذيب المحتجزين العراقيين في سجن ابو غريب، وذلك من خلال اعمال فنية تصورهم وهم يضربون من قبل الجنود الامريكان، وغيرها من وسائل التعذيب والاساءة.
يقول بيتيرو الذي اشتهر برسم الاجساد السمينة، من مرسمه في باريس انه اصيب بصدمة عندما رأى صور الإساءات التي الحقت بسجناء ابي غريب، شعرت ان من واجبي ان اقدم اعمالاً تصور هذه الفظائع، اني كأي انسان آخر صدمت بالبربرية التي مورست ضد السجناء، خاصة انها جاءت من الولايات المتحدة التي يفترض ان تكون نموذجاً للرحمة بسبب ما تملك من قوة".
وستكون اللوحات الزيتية الخمسون التي تتحدث عن سجناء ابي غريب جزءاً من معرض اوسع لبيتيرو يضم 170 لوحة سيفتتح في 16 يونيو المقبل في روما. وهناك خطط لنقل المعرض الى المانيا اواخر هذا العام، ثم في جولة داخل الولايات المتحدة عام 2006 . يقول بيتيرو ان اللوحات التي تصور سجناء ابي غريب لن تعرض في الولايات المتحدة ما لم تطلبها المتاحف نفسها.
وتصور واحدة من اللوحات ثلاثة عراة مكبلين وقد غطيت رؤوسهم بأكياس وتكوموا الواحد فوق الآخر على شكل هرم خلف قضبان السجن. اللون الوحيد في اللوحة هو لون الدم الاحمر الذي يتدفق من احد المحتجزين. لوحة اخرى لمحتجز عراقي وهو معلق من رجله، واخرى لجندي يضرب بقضيب اصطبغ بلون الدم رأس رجل اعزل نصف عار. كافة شخصيات اللوحات سمينة وهي الصفة التي تتميز بها رسومات بيتيرو. وقال بيتيرو (73) عاماً ان ايحاءات رسوماته جاءت من الكتابة عن سجن ابي غريب اكثر من الصور التي شاهدها العالم، وتحمل كل لوحة اسم "ابو غريب" يعقبها رقم من 1 الى 50 لتمييزها عن بعضها. يقول ان هدفه هو: "ادخال صور فظائع ابي غريب في ضمير العالم اجمع، لا احد كان سيتذكر الفظائع التي ارتكبت في غارنيكا لو لم يتم تخليدها في الرسم"، مشيراً بذلك الى لوحة بابلو بيكاسو الشهيرة "غارنيكا" التي صورت القصف الجوي للمدنيين خلال الحرب الاهلية الاسبانية.
وهذه هي المرة الاولى التي يصور فيها بيتيرو العنف في لوحاته. وقد بدأ بيتيرو قبل ست سنوات رسم مشاهد دموية في كولومبيا، واحدة من هذه اللوحات التي عرضت في متحف ميدلين بالعاصمة بوغوتا، تظهر امبراطور تجارة المخدرات الكولومبي بابلو اسكوبار مقتولاً من قبل شرطي اختبأ في سطح منزل، وفي العام الماضي نظم بيتيرو معرضاً في بوغوتا عن حرب العصابات تشهدها البلاد منذ 40 عاماً.


اوراق على طاولة رامبو
 

هادي الربيعي

انت لم تتحدث عن السفينة
بل رفعت الشراع
ووضعت اولى الخطى
فوق الامواج
انت لم تتحدث عن البحر
بل ادرت الدفة
واتجهت نحو الاعاصير
انت لم تتحدث
عن البحار السبعة
بل توغلت فيها
واحداً بعد الآخر
ومازال طعم العواصف
في شفتيك
انت لم تتحدث
عن رؤيا الشعر
بل تحولت للشعر
انت لم تتحدث عن الخطيئة
بل توغلت في اعماقها
لتكتشف عمق طهارة الايمان
الله كريم كانت آخر كلمة على شفتيك
وانت تصعد سلالم الضوء
لتضع آلامك بين يدي
عرش الضوء
الحقيقة مختبر الارادة
وانت وحدك من رأى
فتحول الى رؤيا
انت وحدك الباحث عن الايمان
في زمن الخطيئة
من الصعب ان اتتبع خطاك
لانني لا املك قوة ارادتك
لذلك سيظل وجهك
ايقونة لروحي
انا المرتبك بارادتي
ارادتي المشدودة الى العربات
العربات التي اتخذتني دليلاً
في متاهة الزمن
الحقيقة فوهة بركان
وانت وحدك من نزل في اعماقها
اما نحن المرتبكون بإرادتنا
فلا نملك الا ان نقف
على مشارفها
حين ولد طفلي
همست في اذنه
اتستطيع ان تتبع آثار هذا الرجل؟
انه خير رفيق
وافضل دليل الى الحقيقة
كنت اشعر انني اسلمه
راية السفر
السفر الذي حلمت به طويلاً
وانا اقف على ساحل البحر
محدقاً في الآفاق
البحرية
البعيدة
الافاق التي كانت
جمرة مشتعلة في الاعماق
الاعماق التي كانت
تستغيث بنداء الإرادة
الارادة التي كانت دائماً
مشدودة الى العربات
العربات التي كنت اجرها ورائي
وانا اعبر العواصف
انني احسدك لانك كنت انت
اما انا فقد سرقني الآخرون
الاخرون الذين كنت
عموداً لخيمتهم
احياناً اراك مضيئاً
وانت تمضي بعكازك
عابراً بين النجوم


اشترى عربياً مصلوباً في كابول ودفنه على حسابه الخاص .. د. جمال حسين علي يتحدث عن حرب الصحافة وصحافة الحرب
 

أجرى اللقاء : وارد بدر السالم

عندما غادر القاص جمال حسين العراق في جو خرج من أتون حرب مأساوية ، كانت في جعبته ثلاث مجموعات قصصية وثلاث روايات ؛ غير أن متغيرات الحياة الكبيرة ، وهو يعيش في الاتحاد السوفيتي السابق ،حوّلت اهتمامه من القصة الى الصحافة ، وبالذات صحافة الحرب التي انغمر فيها كلياً وهو يسجل وقائع الحروب في أفغانستان والشيشان والعراق وغيرها . وظل جمال حسين علي يطور أدواته الفنية عبر هذه النافذة الشاقة ، متنقلاً من حرب الى حرب.
وخلال هذه المشاهدات العيانية في ميدان الحروب والسياسة التي تصنع قراراتها بهذا التبرير أو ذاك ، أصدر العديد من الكتب منها : كتاب "القادة السبعة" عن قادة الاتحاد السوفيتي / مؤسسة البيان / وكتاب "الإسلام في روسيا"وكتاب "الكرملين وأزمة الكويت" عن دار القبس /وكتاب "افتتاح ثقب الإبرة" وهو كتاب ميداني عن حرب أفغانستان التي عاشها الكاتب لحظة بلحظة والذي صدر مؤخراً في (أبو ظبي)، وكتاب "مذبح الأزهار" عن تجربته في إقليم كردستان، وكتاب الشيشان "مؤاساة لاستنهاض الجحيم" وكتاب "لوح الأفول الأول" عن العراق..
هذا اللقاء الطويل ذو شقين، الأول عن تجربة المراسل الحربي والثاني عن الدور الروسي في التسليح النووي لإيران ، وهو الكتاب المهم الذي تبنت دار الكندي نشره لما فيه من معلومات تكشف اول مرة عن الدور الريادي الروسي في تسليح ايران.
*عملت مراسلا حربيا في النقاط الساخنة في الساحة السوفيتية السابقة ، هل تحدثنا عن تلك المناطق وتجربتك فيها ؟
-كانت مناطق حروب ، وأكثر من ساخنة ، علاوة على أنها غير تقليدية ، فالعمل الصحفي هو انعكاس للحرب وطبيعتها كما سنسوي الأمر مع حروب ، وجدنا التجارب الماضية فيها لا تنفع. فكما تتطور الحروب ، لابد وأن يتطور معها الإنجاز الصحفي.
فلم تكن تجارب حرب أرمينيا وأذربيجان والحالة في سوخومي وحربها مع جورجيا ، تشبه ما حصل في الحرب الشيشانية. فقد كانت المعارك الأولى بين ميليشيات ظهرت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وكلها تستخدم الأساليب والأسلحة وحتى الملابس واللغة نفسها ، ولا تكاد تميز فيما بينها ، بينما كانت الحرب الشيشانية مختلفة في طبيعة القدرة النارية الهائلة التي كانت تصب على نقاط التماس من جهة، وعلى المدن المأهولة بالسكان من جهة أخرى.
أعقبت تجربة حربين في الشيشان ، ما جرى في الحرب الأمريكية ضد أفغانستان، وكان الوضع هناك يعد انقلابا جذريا ، ليس في الحرب وحدها ، بل في كل ما يرتبط بها ، بما في ذلك التغطية الصحفية.
* وما الذي اختلف معك في هذه الحرب ؟
- كل شيء تقريبا، فالأمريكيون كانوا يسمحون للصحفيين بتغطية كل شيء عدا الأنباء ! فحرب الإعلام كانت واحدة من أهم عوامل نجاح الطرف المهاجم. وبغياب الفعاليات العسكرية التقليدية انشغل القائمون على التحالف الدولي والمحلي بإدارة هذه الحرب ودعمت القاصفات الأمريكية في دخول قوات التحالف المدن تلو الأخرى بدون قتال.
وتطلبت حرب الإعلام من الأمريكان حجز الصحفيين في مخازن أو خيام أو أية مصيبة أخرى على خروجهم للحرية وتصوير مواقع مدنية مقصوفة أو جريح أمريكي أو حطام طائرة أمريكية أو أسير من القاعدة
الخ . كانت هذه الصور من أكبر المحرمات وقد تفقد حياتك لقاء لقطة واحدة. وحتى بعد استقرار الوضع يمكن لصدرك تلقي رصاصة جندي دولي مرعوب ما أن تشهر كاميرتك بوجهه حتى داخل كابول.
من المفهوم جدا حساسية العسكريين الأمريكان من الصحافة وخاصة بعد الدور الذي لعبته في الحرب الفيتنامية. ولكن الحزم والقيود الأمريكية بلغت حدها الأقصى في الحرب الأفغانية لدرجة أن من المستحيل في الأيام الأولى أن تتحدث مع أي أسير حتى لو كان أخرس !
* كيف عملتم في أفغانستان ؟
- أن القاعدة الذهبية الأولى التي خرجت بها من هذه الخطى : اذهب إلى الحرب قبل وقوعها. والثانية : استثمر كل ثانية وفرصة وابتكر عيوناً إضافية وتلقف كل الشارات والإيماءات. والثالثة : عمّر روحك بالصبر وجيوبك بالنقود وحقيبتك بكل ما يحتاجه إنسان على سطح القمر ، فالمال لا يصنع الحرب على حد فهم الفرنسيين ، بل الإعلام أيضا. والعمل والنوم مع الشمس ، تماما كحال الأزمنة الغابرة.
* وكيف سارت الأمور معك بصفتك مراسلاً حربياً عربياً ؟
- الأمريكيون بصفتهم قادة معظم الحروب المعاصرة ، عنصريون جدا حتى في تعاملهم مع الصحافة ويفضلون الأقربين بالمعروف والمعلومة ويهيئون لهم كل الظروف المناسبة ، أما الأفغان أو غيرهم ، فكانوا يفضلون الأمريكان والإنكليز واليابانيين وباختصار كل من يدفع أكثر.
وأكثر ما أثار دهشتنا في الحرب الأفغانية أنها حتى منتصف تشرين الثاني 2001 وقبل سقوط مزار شريف ، تحولت الى كرنفال عالمي بغياب حرب حقيقية. وطالما قطع المئات من الصحفيين آلاف الأميال فلابد لهم من الكتابة عن حرب ، أي حرب حتى لو يتم تأليفها. فمثلا ، قناة بي بي سي استأجرت قرية !! نعم استأجرتها بكل بيوتها وسكانها ومختارها ونسائها وأطفالها ورجالها وهوائها وطقسها. لماذا ؟ يصورون الأطفال في مدرسة وهمية ، بعدها يلعبون ، اجتماع طارئ لوجهاء القرية ( يقولون في التقرير وجهاء التحالف الشمالي ) ، عمال يبنون غرفة من الطين ، نسوة يستخرجن الماء من بئر ، مداعبة حيوانات سائبة ، إعداد الخبز والطعام ، طبيب لا يمتلك شهادة تمريض يفحص أشد أمراض الدنيا فتكاً
وهكذا يعملون من كل مادة تقريرا يوميا لا يحتاج المراسل سوى بضع ثوان يقول ما لديه عن سير المعـــارك في الـ " ستاند أب " ،،، ومن لا يصدقه بأنه في أفغانستان والشركة التلفزيونية الأمريكية الأشهر سي أن أن عملت الشيء ذاته في بانشير حيث استأجرت القرية التي كان مسعود يعيش فيها. غير أنها نشرت مراسليها في كل مكان في الشمال الأفغاني ولم تكتف بعرض (ريبورتاجات) القرية الوحيدة.
* هذا من ناحية الفضائيات وماذا عن الصحافة المكتوبة ؟
- عمل الوكالات تطور وتغير في هذه الحرب، فلم تكتف الوكالة الفرنسية المعروفة بمراسل أو أثنين ، فقد وزعت 16 مراسلا في كل الشمال الأفغاني وكانوا ينقلون الأخبار الى قاعدة الارتكاز في دوشنبه. وكل مراسل مزود بالعدة الضرورية ليبقى على اتصال بالثانية مع القاعدة الرئيسة. وتكمن مهمة قاعدة دوشنبه في تصفية الأنباء وبثها للمركز الرئيس. أي أنهم عملوا كهيئات الأركان العسكرية بالضبط. ومن بدون ذلك لا يمكن اللحاق بمجريات الأمور ، لا سيما أن انتقال أي مراسل من مدينة أفغانية الى أخرى قد يكلفه جهداً ومالاً ووقتاً غير معلوم.
* وكمراسل حربي عربي ما الذي كنت تعاني منه في أفغانستان ؟
- المشكلة أنهم جميعا ، أي الطرفين اللذين وقعنا في مساحتهما العسكرية وهما التحالف الشمالي والأمريكيون ، يكرهون العرب جدا. بالنسبة للأمريكيين الأمر عنصري ومعروف ، أما بقدر تعلق الأمر بالأفغان الشماليين فقد كان صحفيان عربيان وهميان قد اغتالا أحمد شاه مسعود أثناء وصولنا الى هناك وقبل أحداث ايلول بأيام قليلة جدا ، أضف الى ذلك بنية " القاعدة " المشكلة أساسا ممن يسمونهم " الأفغان العرب " والكره الذي يكنه الشماليون لطالبان والقاعدة ، ألحقونا به. فقد مرت حوادث فظيعة كدنا نفقد فيها حياتنا بسبب وضعنا " العربي ".
* ما الذي ينقص مؤسساتنا الإعلامية العربية للتقدم في مجال تغطية الحروب أو تقديم مراسل الحرب ؟
-ينقصها أهم شيء وهو الإدراك والفهم . فمراكزنا الإعلامية تعتمد على الوكالات والمؤسسات الإعلامية الأجنبية ولا تستطيع خلق مراسل حربي نموذجي ، بالرغم من أني عملت بالقرب من كل وسائل الإعلام الموجودة في الكوكب ولم أشعر بان أياً من ممثليها يتفوق علينا بشيء ، إلا بالإمكانيات التي كانت مؤسسته توفرها له ، وهذه أيضا تغلبنا عليها في الحروب التي تلت أفغانستان. لقد وجدت الأسماء اللامعة من الصحف والوكالات الألمع عاديين جدا وسبقتهم في الكثير من التقارير والتحقيقات الصحفية.
*ما التقارير التي تعتقد بأنك حققت فيها سبقا صحفيا ؟
- كثيرة للغاية ، فمثلا ، في أفغانستان موضوع المتاجرة بالعرب وليس تحديدا " عرب القاعدة " نشرته النيوزويك بعد ما نشرته في " القبس " بسنة كاملة ، وكنت أول من يدخل الى سجن فيه مقاتلو القاعدة في مزار شريف ونشرت تقارير مصورة كاملة عنهم وكذلك أول من صور ظاهرة صلب العرب في كابول ، نعم ، كانوا يصلبون العرب لأسابيع ، ونشرت تحقيقا مصورا عن هذا الأمر بعد أن اشتريت عربيا مصلوبا ودفنته . وكنت المراسل الحربي الوحيد الذي دخل الى قواعد طالبان والقاعدة وصور ما يدور فيها ، وفضحت تقاريري ما جرى من إعدام للأسرى في قلعة جانغي الشهيرة وغيرها ، هذا من ناحية العمل في أفغانستان ، أما تقارير السبق الصحفي في الحرب الأمريكية ضد العراق ، فلم تكن قليلة ، فقد صورت ونشرت تقارير مصورة عن حرب التجسس في شمالي العراق في أوقات كان النظام العراقي لا يزال موجودا ولم يتحدث أحد عن تغلغل المخابرات الأجنبية هناك بالرغم من أني وصلت الى كردستان عن طريق التهريب أيضا ، كذلك التقرير المصور عن كيفية إدخال المعدات والأسلحة الأمريكية الى شمالي العراق عن طريق شاحنات مدنية ، لأنك تتذكر أن البرلمان التركي رفض دخول القوات الأمريكية الى العراق عن طريق الأراضي التركية ، لكن بعد اجتماع باول وغول ( وزيرا خارجية تركيا والولايات المتحدة ) قررا تنفيذ هذه اللعبة ، ولكني كنت هناك وصورت عملية الجسر العسكري البري عن طريق الشاحنات المدنية ، ولدي مئات الصور عن هذا الأمر .. ماذا أحدثك عن قدرة المراسل الحربي العربي؟ اعتقد أنها كافية جدا وأثبت أننا تفوقنا عليهم كثيرا جدا في عشرات التقارير لكن مغنية الحي لا تطرب كما هو الحال في الأدب والعلوم والفنون وغيرها ، هذه مشكلتنا وليست مشكلتهم.
*وكيف سيكون دورك كمراسل حرب وهذه المرة في بلدك العراق ؟
-دورنا ، كمراسلي حرب ، التعجيل بسطوة التاريخ الذي لا نتنازل عنه إلا بالموت ، وما أخفــّه علينا حينئذ وما أسهله وما أحلاه ! فليست لدينا معطيات إلكترونية عن عدد الذين أبادهم الإلكترون في العراق ولا عن دقة التصويب ولن نجادل في العدد ، بضع مئات ، أو أقل أو أكثر ، لأن رواياتنا تكفينا ، فهي الجرائم التي افترض ارتكابها في كل زمان ومكان. من هنا لا ينبغي تسمية القتلة منتصرين ، فالظفر لا يكون بالدماء ، كالصرخة التي أطلقها همنغواي : " لقد تمادى العالم في مفاسده ".
نفهم واجبنا الحربي وحتى المهني ، بسد الطريق الوحيد الذي تؤدي إليه الحرب ، وهذا الدرس الذي لقننا إياه همنغواي في كل أعماله وكذلك ريمارك وجورجيو واستورياس وماركيز وأراغون وإيلوار وغيرهم من صانعي مفردات التاريخ المحرض.
أن المنتصرين وأن استطاعوا الاستيلاء على السلطة فهذا لا يعني نجاحهم ، فصدام وهتلر وموسيليني وبينوشيه وستالين بقوا الكثير من السنوات فيها ، لكنهم لم يودعوا الى التاريخ المظفر. وعندما يتحدث زعيم غربي عن " المعركة التاريخية " فهو يعول فقط على اللامبالاة العامة والإفلات من القصاص ، فمعركته التاريخية يفترض أن تكون في دبلن وليس في الفلوجة أو النجف او في مدينة الصدر ! ألا يحق لنا طرح مثل هذا السؤال العصري؟! كم من الأموات يمكن لتربة العراق أن تضيف حتى يتأكدوا من انتصارهم ، وهل ينبغي أن تكون أعمار أطفالنا محددة بالوثائق والخطط العسكرية الإلكترونية ؟!
*لماذا تهتم بالصورة في إنجاز التحقيق الصحفي ؟
- للصورة ، مهنيا ، قيمة وثائقية كبرى تتحدى وتتجاوز النص المكتوب لأنها ببساطة لا تكذب ولا تهوى الإنشاء ومداعبة الكلمات ولا تخترع المصادر التي لا تريد الإفصاح عن نفسها. الصورة غير ملثمة ولا تقبل التطريز ، وهي ضمان تقديم الموضوع والدخول فيه من أوسع أبوابه ، وتمارس دورها في توسيع أفق القارئ وتأخذ بيده الى ناصية الموضوع. وصدقها ليست مصادفة ، بالرغم من أن المصادفة ولدتها كما يبدو الأمر ، هي مؤلفة ومنسجة قبل التقاطها ، لأن وصول المصور الى المكان بداية لتأليف ألوانها وأطرها وشكلها. ووصول الصحفي الى المكان أعلى قيمة في التقرير الصحفي ، لأنه الهدف وجمع المعلومات الكاملة والنية في المفتتح. والصورة الصحفية سريعة ، أي أنها تقودك الى الهدف بأسرع الطرق وأقصرها وتكرس كل المعطيات في ذهن المتلقي في وقت أقل.
*وعن صورة الحرب ؟
- هي الصورة الجيدة ، التي تفتح كل الآفاق لصور أخرى ومواضيع أكثر كالفكرة المبدعة الأصيلة الملبية للمتطلبات المهنية القصوى. وهي في حالات كثيرة تتجاوز النص وإن يبقى للكلمة الفيصل النهائي. وبقدر تعلق الأمر بالحرب في العراق والوضع فيه ، فهنا لا يمكنك التوقف في الحدود الجمالية للصورة ، قدر التقاطها في أقل جزء من الثانية وترك المكان في أسرع وقت لأنك ستتعرض لإطلاق النار شئت أم أبيت.
عندما دخلنا مرة موقعا كان الأمريكان يتخذونه في أحدى المناطق المعزولة ، لم يكن الوضع متوترا كما هو عليه الأمر الآن ، لذلك لم نقتل مع السائق ، صورناهم من السيارة وأدرناها ، لكن أسلحتهم كلها كانت مصوبة نحو السيارة ، لم يطلقوا النار فقط ، لأنهم لم يطلقوا النار ونجونا بأعجوبة المصادفة. كانت هذه الحركة خاطئة جدا وفيها جسارة تقترب من الحماقة وما كان ينبغي أن تقع ، وأضافت الى خزين الخبرة. نقصد هنا تلك الخبرة التي تبقيك على قيد الحياة. وثمة صور لا ينبغي أن تضيع وقتك عليها ، كتصوير المباني العامة المحروقة ، فعندما تدخل الى مدينة كلها محروقة ، لا تستطيع الترجل عند كل بناية ، فماذا تفعل ؟ تصور المباني المعروفة والمؤسسات المشهورة ، تأخذ لها كادرا عاما فالتفاصيل سيأتي وقتها ما أن يستقر بك التحقيق الصحفي وعم تتكلم. والأفضل التركيز على البنايات المتحركة ، أي تلك التي تشب بها النيران الآن أو تلك التي تسرق ، أو التي يحيطها الجنود والآليات العسكرية ، فصورتها ستكون ناطقة متحركة ، متحدثة ، لا تفرض النص. وإن تابعت المحاذير التي أغلبها يؤدي الى القتل ، فأنك ستخالف قاعدة مهمة في العمل الصحفي وهي : " ضرورة إيداع الصورة واللقطة في جو الحدث ". فكيف تمزج بين " تطور الحدث " و أجوائه العامة ، ومتطلبات الأمن لقـوات لا تعرف الشفقة لا بـالصورة ولا بالمصور ؟!


شاعرة وجهت الطريق الى ايران الجديدة
 

بقلم- فارزانه ميلاني

ترجمة: مفيد وحيد الصافي
عن: الواشنطن بوست

تمتم الرجل معتذراً وهو يشير بأدب الى الجهة الأخرى من المسرح"ان هذا الممر مخصص لمرور الرجال فقط" كان الجو بارداً في ذلك المساء في شهر كانون الاول، حينما كنت انا وصويحباتي الثلاث في الصف منذ ساعات، خارج مسرح (تاريشهر) كنا نرغب بشدة في ان نحصل على التذاكر المسرحية التي تعرض لحياة الشاعرة المعاصرة فاروكة فاروق التي توفيت في حادث سيارة، وكانت في قمة ابداعها في عام 1967.
اندفعنا الى المسرح وثمة احساس بحقنا واهليتنا في مشاهدتها فكنا فرحات بالحصول على التذاكر، برغم ايقافنا وتحويلنا الى ممر آخر خاص بالنساء وهي حالة عادة ما تحدث امام دوائر الحكومة، ولكن الانفصال كان امراً مؤقتاً ففي الداخل يمكن للجميع ان يختلطوا كما يشاؤون. كان معدل اعمار الحضور لا يتجاوز الثلاثين، وكانت مجاميع النساء تأتي، ثلاثاً ورباعاً تتجاوز اعداد الرجال. على خشبة المسرح كان هنالك رقص وغناء وترتيل للاشعار يقوم بها الرجال والنساء جميعاً، لم تكن اية ممثلة ترتدي الوشاح او العباءة، لقد كان الممثلون يرتدون ملابس انيقة، وقد اعتمر الجميع قبعات تشبه خصلات طويلة كأنها شعر امرأة، لم يكن شعراً مستعاراً، او وشاحاً، بل طريقة اجبارية تتماثل مع المطلوب ، هل انا احلم؟ هل كان ذلك حقيقة؟ لقد كان شعر فاركة، ممنوعاً لاكثر من عقد من الزمن بعد الثورة الايرانية في عام 1979، كنت بالكاد استطيع ان اسحب ساقي بفعل هذا السحر وبفعل تحول الشاعرة الممنوعة الى مثال ثقافي، فجلست صامتة وانا في حالة من الذهول، ان فاروكة مناضلة قد تحدت المطلق السياسي والثقافي عبر عمرها الابداعي القصير، خمسة عشر عاماً كان عمرها الثقافي، بحثت عن الحرية عبر لغة شعبية تجمع الغرام والشعور بالذنب، انها تمثل كل ما حاولت الجمهورية الاسلامية ان تمحوه من الوجود. وهي تماثل في شعبيتها شعبية أي مغن من مغني الروك، دواوينها الشعرية الخمسة كذلك الافلام عن حياتها وتسجيلاتهاوفلمها الوثائقي عن مرض الجذام يباع في ايران كما تباع قطع الكعك، لقد تكونت صناعة بفضل اسمها، ان شعبيتها تمثل واحدة من التناقضات المحيرة في ايران لاي زائر بعد مرور خمسة وعشرين عاماً على الثورة فيها. نعم يسمح للمرأة هنا بركوب السيارة ولكن ممنوع عليها ان تركب الدراجة.
ان منهن من ارتقت لتسلم جائزة نوبل للسلام، او كناشطة في حقوق الانسان او كاتبات مميزات حققن افضل المبيعات او مخرجات لافلام ناجحة ومرشحات لنيل الاوسكار، ولكن أيا منهن حتى هذا الوقت لا تستطيع السفر الى الخارج من دون ان تحصل على اذن خطي من زوجها، انهن ربما من اكثر النساء تميزاً في الازياء ولكنهن مجبرات على ان يرتدين نموذجاً واحداً. هنالك نموذجان من النساء يتنافسان جنباً الى جنب، في ايران تتعرض المرأة للظلم والاضطهاد بفعل اعراف عنصرية وتفسيرات للنصوص الدينية يتحكم بها الرجال، ولكنهن مع ذلك كله يمثلن طاقة كبيرة في سبيل التغيير، وقلب القوانين الظالمة بكل شجاعة وايمان، في هذا المزيج المختلف من التحدي والتعود والمقاومة والخضوع للتقاليد والحداثة التي تؤثر بشدة في المناخ السياسي في ايران.
ان قاعة المسرح (تاتريشهر) بمدخلها الذي يعزل النساء عن الرجال لا تعرض لحياة او شعر امرأة ثورية، بل انها تقدم مسرحاً متواصلاً مع المجتمع الايراني الثائر، انها ثورة ليست دموية او حمالة للعنف فهي تبين المشهد السياسي والثقافي له، والتي كانت الشاعرة فاروكة قد تنبأت به منذ زمن بعيد.


إدوارد سعيد وصلاح جاهين  في افتتاح أحدث مسرح غنائي بالقاهرة
 

شارك موسيقيون ومطربون عرب في افتتاح مسرح الجنينة بحديقة الأزهر بالقاهرة حيث يقدمون مقطوعات تراثية وحديثة إحداها مهداة إلى المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد إضافة إلى رباعيات شاعر العامية المصري صلاح جاهين.
وقالت مؤسسة المورد الثقافي في بيان لها إن مسرحها الجديد الذي حمل اسم الجنينة ويعد الأحدث في مصر يفتتح مساء الخميس القادم ويشارك في برنامجه خلال أربع ليال مطربون وموسيقيون من مصر ولبنان وفلسطين وسوريا.
والمسرح الذي يتسع لنحو 250 فردا نصف مكشوف ويطل من الشرق على مدينة القاهرة حيث يقع بمحاذاة سور صلاح الدين الأيوبي داخل حديقة الأزهر التي افتتحت الشهر الماضي فوق هضبة تبلغ مساحتها نحو 80 فدانا وكانت مقلبا لقمامة القاهرة طوال 300 عام.
وقالت المديرة التنفيذية لمؤسسة المورد الثقافي بسمة الحسيني إن المسرح الجديد سيقدم "موسيقى عربية تخاطب المستمع العصري كما يسعى إلى اجتذاب جمهور واسع من الشباب عبر برامج موسيقية ومسرحية متنوعة تقدمها على مدار العام فرق ومجموعات فنية مستقلة."
وأضافت أن المؤلف الموسيقي عازف الساكسفون اللبناني توفيق فروخ سيقدم في حفل الافتتاح مساء الخميس بعض مقطوعاته "ذات الطابع التجريبي حيث يستكشف في أعماله العلاقة بين الموسيقى الشرقية المعتمدة على المقامات وموسيقى الجاز التي تستمد حيويتها من الارتجال."
ويقدم المؤلف الموسيقي عازف العود الفلسطيني خالد جبران في اليوم التالي تنويعات جديدة لألحان الرحبانية وأعمال الموسيقي المصري الرائد سيد درويش (1892 - 1923).
وقالت إنه بمناسبة مرور 75 عاما على ميلاد شاعر العامية المصري صلاح جاهين الذي توفى عام 1986 يقدم المطرب المصري علي الحجار يوم السبت القادم عددا من أغانيه التي كتبها جاهين وأبرزها (الرباعيات).
وأضافت أن برنامج مسرح الجنينة يختتم أول أنشطته يوم الأحد أول أيار بحفل لفرقة (حوار) السورية التي تقدم موسيقى وأغاني "تمزج بين التقاليد الموسيقية الشرقية والغربية" منها مقطوعة عنوانها (صلاة) مهداة إلى المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد (1935 - 2003).
وأنشئت المورد الثقافي عام 2003 مؤسسة إقليمية عربية ونظم أول مهرجاناتها بالقاهرة في نيسان 2004 بعنوان (أول ربيع) بمشاركة شعراء ومطربين وموسيقيين ومسرحيين عرب وأجانب من فلسطين والمغرب ومصر وتونس ولبنان والجزائر وموريتانيا والهند وكينيا وساحل العاج وتركيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا والولايات المتحدة الأمريكية.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة