عمارة وتشكيل

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

يبدأ معرضه في إيطاليا لينتقل إلى ألمانيا وأمريكا وأنحاء العالم  .. لوحات بوتيرو .. الضحية والجلاد في سجن ( أبو غريب )
 

شاكر نوري
50 لوحة زيتية وتخطيطية تحمل ذلك الاسم الذي تحول إلى أسطورة في الأذهان " أبو غريب"، جزء من سلسلة تتكون من 170 لوحة رسمها الفنان الكولومبي العالمي الشهير فيرناندو بوتيرو . تعرض هذه اللوحات حاليا في غاليري بالازو فينيزيا بروما، المقر السابق للديكتاتور الإيطالي بنيتو موسولينى والذي تحول الآن إلى قاعات للعروض الفنية. لقد تأثر هذا الفنان تأثيرا بالغا بفضيحة التعذيب في هذا السجن حيث لم يتمكن الفنان من السكوت عنها ، فعبّر عن غضبه في لوحات صارخة تصف الإذلال والتعذيب الذي تعرض له السجناء العراقيون على يد المحتلين الأميركيين ، معادلة الضحية والجلاد في ميزان الفن .
لم يكن الفنان فيرناندو بوتيرو 73 عاما بعيدا عن منظر المعاناة والآلام التي نقلتها مختلف وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية بحيث خرجت من السّر الى العلن بسرعة عجيبة . ولا يمكن تصور هذا الموضوع بعيدا عن فنان ولد في بلدة "ميدلين " ، موطن الحرب الأهلية المتقطعة التي ابتليت بها كولومبيا لما يزيد على نصف قرن . وقد اعتاد الفنان من حين لآخر على رسم مشاهد سفك الدماء في وطنه من خلال لوحات تختلف من البورتريهات إلى المناظر في تشكيلاته التي عرف بها . لم يكن عالم الفن يتوقع أن يستوحي هذا الفنان الكبير أعمال التعذيب في سجن أبو غريب ليصبح مادة لمعرض متميز . والمعروف عن لوحاته ومنحوتاته أنها أصبحت سمته الفنية وماركته المسجلة من خلال شخوصه المتميزين بامتلاء الجسم وسمنته إلى حد الانتفاخ غير الطبيعي . وهذا النمط يصلح لتصوير السجناء العراقيين أيضا . وهو من أوائل الفنانين الذين استخدموا أهوال سجن أبو غريب في لوحاتهم وأعمالهم : الضرب والتعذيب والإهانة والعيون المعصوبة والأجساد البشرية المتراكمة . ومنذ الوهلة الأولى لنشر أخبار هذا السجن عبر شاشات التلفزيون ، بدا الفنان برسم سلسلة من اللوحات المعبّرة عن معاناة السجناء العراقيين وآلامهم على يد الأمريكيين . " كان شأني شأن أي إنسان صدمت بوحشية الأمريكيين البربرية " . لكن تحويل هذه الصور إلى لوحات فنية معبرة هو الذي منح هذا الموضوع الدرامي أفقا فنيا عالميا خلده الفنان ليصبح جزءا من تاريخ الفن وكذلك جزءا من تاريخ التعذيب في العالم . صور حولها إلى وعي العالم بالطريقة ذاتها التي رسم بها بيكاسو لوحته الشهيرة " غورنيكا " التي خلد فيها الحرب الأهلية في إسبانيا . ودون مبالغة قال أنه " سيجعل العالم يشتعل من خلال هذه اللوحات تماما كما فعلت لوحة الغورنيكا الشهيرة لبيكاسو " معبّرا عن إيمانه بأن " الفن قادر على تغيير العالم ومن أجل تنفيذ ذلك ، يجب على الفنان أن ينقل روحه من قلب الجحيم إلى صميم الأرض" . وإذا كانت لوحة الغورنيكا حول فاشية فرانكو، فأن لوحات أبو غريب هي حول دموية بوش . وهكذا حمل الفنان مصباحه في وضح النهار مثل " ديوجين " ليضيء العالم لأنه يمتلك الشجاعة الكافية من دون أن يخشى الاحتراق . ما زال العالم ينظر إلى لوحة غورنيكا لبيكاسو كما لو أنها قطعة من التاريخ القديم لأن الفن العظيم لا يخضع لسوق العرض والطلب بل يكسر أكاذيب القادة الذين يواصلونها بشتى الوسائل والطرق . " لا أحد كان يتذكر أهوال غورنيكا لو لا لوحة بيكاسو الشهيرة " .. هكذا يقول بوتيرو . ولا أحد سينسى رؤية بوتيرو لجحيم سجن أبو غريب في لوحاته الخالدة التي عنوّنها بكل بساطة " أبو غريب " ، مرقمة من 1 إلى 50 ولا تحتاج إلى التفريق بينها لأن كل لوحة متفردة بحد ذاتها وتمثل ما فعله الجنود الأمريكيون مع السجناء العراقيين بين الأسوار الصامتة والحصينة .
اختار بوتيرو أن يصارع الوحشية البربرية بالفن .
مما لا شك فيه أن متذوقي لوحات بوتيرو يمكنهم أن يفهموا أبعادها حتى لو اعتادوا على المناظر البهيجة والمشاهد المليئة بالبشر . إنها الواقعية السحرية التي وجدناها في الرواية اللاتينو ــ أمريكية . وسرعان ما انقلب فن بوتيرو إلى معالجة الواقع الاجتماعي حيث اتجه نحو تصوير الحقيقة الدامية لبلده كولومبيا في السنوات الأخيرة وعلى الخصوص في معرضه في العاصمة بوغوتا العام الفائت .
ولم يستوحِ بوتيرو لوحاته من الصور المنشورة بل استوحاها من الشهادات الفعلية التي خرجت من السجن . كما أوحت له الكتابات حول هذه الجرائم برسم هذه اللوحات بأقصى ما يمكن من خيال . ففي إحدى لوحاته نرى جنديا أمريكيا يضرب بوحشية سجينا عراقيا مدمى لا حول له ولا قوة . وفي لوحة أخرى ، سجينا مقيد اليدين عاري الجسد مربوطا بقضبان سجنه كما لو أنه معلق على صليب وعلى رأسه ملابس داخلية نسائية مثل قلنسوة أو كيس.
ان هذه اللوحات ولدت من غضب الفنان الذي لم يتحمل رؤية هذه المشاهد المرعبة . يقول الفنان " وبما إنني قارئ متعطش للقراءة فقد بدأت أقرأ كل ما تقع عليه يدي حول ما حدث وصدمت بذلك لأن الأميركيين يجب أن يسلكوا سلوك النموذج والمثال لا سلوك الجلاد . وما حدث في السجون العراقية شيئ جسيم وانتهاكات صارخة لكل المواثيق الإنسانية وعلى الخصوص مواثيق معاهدة جنيف في التعامل مع سجناء الحرب ".
ويضيف الفنان بأنه " ليس لديه توجه تجاري في رسم هذه اللوحات، فقد رسمتها لأقول شيئا عن الرعب . والفن ما هو إلا وسيلة من وسائل التخاطب والتواصل بين الفنان والجمهور وأهميتها تكمن في عرضها في المتاحف واطلاع الجمهور العريض عليها لا أن تبقى حبيسة داخل البيوت والمجاميع الفردية الخاصة " وهدفه بالدرجة الأولى " عرض هذه اللوحات وكشف أهوال الجلادين الأمريكيين وأكاذيب قادتهم .
مفردات هذه اللوحات : العري ، أهرامات اللحوم ، الضرب المبرح ، ممارسة اللواط على السجناء ، إجبارهم على التعرّي ولبس ملابس نسائية داخلية ، استخدام الكلاب العسكرية لترويع المعتقلين وعضهم ، اغتصاب النساء المعتقلات . هذه الممارسات تنطوي على تجريد الإنسان من إنسانيته بطريقة لم يسبق لها مثيل في كافة الحروب والاحتلالات في العالم . إن تعرية الرجال وتكديسهم فوق بعضهم أو إجبارهم على ممارسة العادة السرية أو اللواط فيما بينهم يعني انتهاك التقاليد العربية والإسلامية التي ترفض الإباحية والتعري وتعتبرها منافية للخلق والدين وبالتالي استخدمت قوات الاحتلال والمخابرات الأمريكية هذا الأسلوب السادي اللاإنساني في التعذيب كوسيلة لانتزاع الاعترافات وكسر إرادة المعتقلين . وقد صرح بوتيرو مرارا بأنه لا يستطيع أن يبقى صامتا ومكتوف الأيدي تجاه الحروب والعنف اللامعقول في العالم ولذلك صور مشهد الدماء في حرب الشوارع في كولومبيا فهو ليس بالفنان المسالم ، يقول بوتيرو " إذا كان الفن مسالما يفقد قدرته على التغيير " .
عبّر الفنان عن رغبته في عرض مجموعة لوحاته في الولايات المتحدة لكنه يفضل عدم بيعها بل إبقاءها ضمن مجموعته الخاصة وتجرى إعارتها للمتاحف التي تدعوه من حين لآخر لإقامة معارض لأعماله .
وقد ملأت لوحاته ومنحوتاته الضخمة" متحف مدينة نيويورك .. ومتحف كنساس سيتي . وللعلم أن بوتيرو من المعجبين بأمريكا وله ابن يدرس في ميامي لكنه صدم بأفعالها لأنه كان يتوقع منها الأفضل . لقد استقبلت أوروبا أعمال بوتيرو عن سجن أبو غريب استقبالا حسنا لأنها عارضت الحرب الأمريكية ضد العراق . فقد بادرت ألمانيا ومتاحفها في هانوفر وبادن بادن إلى عرضها .
لا بد من الإشارة إلى إن الأهوال التي اقترفت في سجن أبو غريب العام الفائت لم يلق مقترفوها القصاص العادل لأنها جاءت أصلا من السلطات الأمريكية العليا التي قامت بمحاكمة صورية للجنود البسطاء الذين نفذوا أوامر ضباطهم وقادتهم السياسيين الذين لا تطالهم يد العدالة أبدا . ويعتقد بوتيرو أن معرضه سينجح في الولايات المتحدة " لأن غالبية الناس هم ضد التعذيب " .
ما هو العنف في نظر الفنان بوتيرو ؟
يعتقد الفنان بأن العنف ما هو إلا نتيجة للجهل والافتقار إلى العدالة الاجتماعية والثقافة . ولكن ما حدث في سجن أبو غريب ذهب إلى أبعد من هذه الحدود لأنها كما يقول الفنان " جريمة ارتكبت من قبل أكبر قوة في العالم " إنها الوحشية البدائية التي انفجرت من أعماق الجلاد الأمريكي الذي اعتاد على اغتصاب العالم عبر تاريخه من إبادة الهنود الحمر إلى جرائم فيتنام والعراق ودعم إسرائيل .
ومن حسن الحظ أن يخرج فنان من طراز ومقام بوتيرو ليلقي الضوء على ماكنة التعذيب الأمريكية الرهيبة التي تسحق العراقيين يوميا بحجة محاربة الإرهاب . فقد قتل الأمريكيون قرابة 100 ألف عراقي في الحرب الأخيرة بل واكثر من هذا العدد وهناك أكثر من 17 ألف سجين في المعتقلات الأمريكية في العراق . إضافة إلى مئات الناس الذين يقصفون يوميا في العراق .


غالب المسعودي: اللوحة... المثال الأعلى للجمال
 

حوار: خضير الزيدي
الحياة والموت واتصالهما بفكرة اللوحة تعبيرية كانت ام تجريدية مجال يحرك اهتمام الفنان غالب المسعودي الذي يسعى إلى ان يشكل مشهداً للحرية بين هذين الحدين.
والفنان غالب المسعودي طبيب اسنان متخصص بجراحة الوجه والفكين شارك في جميع المعارض الوطنية منذ عام 1999 ، واصدر مجموعتين شعريتين ، وله اسهامات في مجال النقد التشكيلي.
في هذا الحوار يتعرض غالب المسعودي إلى فكرة حرية الإنسان وموته مستفيداَ من الذاكرة الانسانية التي تحاول الصمود امام الموت اليومي الذي يلف حياتنا.
* مشروعك من الناحية الفكرية يعالج بدون شك دلالات كبيرة ويغوص في مستوى الوجود وله ثنائيات وانشقاقات تعبيرية، هل تراه يتواصل مع الارث الانساني ويتجانس مع استثناءات الطبيعة وتحولات الزمن؟
ـ ان المتتبع للآثار الفنية التي خلفتها الحضارات العظيمة لا بد من ان يلاحظ انها كانت تعبر جدار الزمن الكرونولوجي وتتوق نحو التماس الرائع والسامي غايتها الفضيلة الكبرى وهو الجمال، ولكل حضارة حسب ما توفر لها من ظروف موضوعية ظلت تترع نحو الديمومة وتعنى بابتكار حلول فكرية للصراع بين ما هو زائل إلى ما هو خالد وهذا هو مشروع الفنان المبدع في كل الازمان.
ومشروعي من ناحية فكرية يركز على بنية العقل وهذه مهمة جداً في بناء طرق التفكير لدى الفرد كون ان اهمية الفن تتلخص بانه ضرورة اجتماعية واخلاقية وبالتالي ضرورة انسانية، اما التواصل مع الارث الانساني فهو متاح للجميع والاكثر احقية في التوصل هو من يستطيع ان يتمثله.
* في لوحتك تخطيطات لاختلاجات (الكائن) مما توحي بانه (مقدس) ومنشغل بعلة الحقيقة و حيزها الغريب من لحظة الوجود ،ألا تراه يتوحد مع موجوداتك كانه يقين / وتصور؟
ـ الفنان كائن لا يتنبه إلى العالم بالذهن وحده بل بوجدانه كله حتى ان شدة انتباهه تتعلق برغباته وعواطفه واهوائه ، واذا كان هذا لا يظهر عند كل الناس وذلك لغرقهم في صعوبات العيش مما يجعلهم ينصرفون إلى ما هو ضروري لاستمرارهم في الحياة فان الفنان لا يجد ما يقيم اوده ويجعله متوازناً مع رغباته الا طريق الفن وهذا هو الفرق بين اصالة المفكرين وتفسير حالتهم الوجدانية وهم ينصرفون إلى اعمالهم الابداعية.
ان الفنان لا يمكن ان يطالب بالوضوح والدقة والشعارية في التزامه الاجتماعي الا ان ذلك لا يقوده إلى انكار ذلك الالتزام وذلك بتطويع الحدث ضمناً وعلانية إلى مصب التقديس ليكون نتاجاً انسانيا ومثالاً خالداً في حدود اصالته وقدرته الذاتية على استيعاب السابق واللاحق وعلى الوقوف على تلك الابعاد الوجودية ليكون حضوراً دائماً يلقي بظلاله على التجارب المستقبلية.
* تبدو لوحتك (صعبة في كيانها وتكوينها) كانها مسبوقة بادراك يترابط مع مبادئك وهويتك وربما ايديولوجيتك فهل هو انتماء واقعي ام فعل من مقاصد كائنك العاقل المركون في سطح اللوحة؟
ـ حري بنا ان ننتبه إلى التناقض الصارخ بين من يريد ان يؤسس لمنهج جديد وبين من يريد الابقاء على الصيغ العقيمة ويحاول ان يدفعها إلى مواقع التقديس عابراً منطق التجاوز الجدلي وهذا يضعنا امام مهمة الحفاظ على العناصر الايجابية والحية من أي تجربة وذلك برفعها إلى صيغة متقدمة عبر انصهارها داخل موقف جديد والذي يكبح تحويلها إلى فزاعة ميتافيزقية في ايدي الجهلة يوجهونها ضد التطور وضد تطورها هي نفسها من حيث كونها تجربة نضجت ضمن نسق معروف وفي سياق عيني وتطبيقي وابعادها عن العقم والضحالة والانطلاق من الترعة التي تتبناها وتتماهى معها و عدم التوقف عند الاسباب القريبة، وذلك بالدخول إلى عالم الفن المبدع كي لا يحجب ذلك عن اعيننا اموراً فائقة الاهمية وهي الارهاصات العميقة التي تحققت من خلال تجربته الذاتية. ان الفنان يرفض كل الصعوبات والاشكالات التي انتصبت امامه عائقاً من دون ان يكون متجاوزاً المبادئ و الهوية الا انني اعتقد ان عصر الايديولوجيات قد انتهى ولذا تاتي اعمال الفنانين لتمثل الوجود بشكله وتمثل الفنان بروحه.
* بعين الكاميرا كيف تراقب واقع الحركة التشكيلية العراقية من حيث تجسيد اللوحة وطرح ابعاد نظرية للفن التشكيلي وعلى من تراهن في خصوص التنظير من جهة وتجسيدات الفن التشكيلي بالنسبة للتشكيل العراقي؟
ـ لمست من خلال مراقبتي للحركة النقدية التشكيلية العراقية شيوع ثقافة الاسم والنرجسية المرضية والدونكيشوتية وعقدة التشبه بالاخر، ولكن هناك اسماء ملكت زمام المعرفة ولو ان بعضها اعطت تنازلات بسيطة نظرا للظروف غير الانسانية الا ان القدر اتاح لها ان تواجه الامر اثر خلاصها من عذاب الذات واخص بالذكر هنا الفنان عادل كامل والناقد محمد الجزائري والناقد سهيل سامي نادر وكما يقول الفنان عادل كامل ثمة لذة، جماليات نزعات تعبيرية اجتماعية معتقداتية، طرق للحوار، اعلانات اشارات، التباسات، غطرسات... الخ في فن الإنسان، أكثر من ذلك هناك ما لا يمكن مقاومته.. الفناء، اما درجة الاختلاف في الخطاب الثقافي فهي مشروعة من حيث التقليد والنوع ولا يسعني الا ان اصوب النظرة ـ باتجاه التاثيرات الاجنبية و الذاتية والتي تسهم في تاسيس خطاب الاشتغال من موضع يضعها في مكانها الحقيقي من الحركة الثقافية العربية الحديثة، ولم يقتصر هذا على نطاق قراءة الواقع العيني بل تعداه إلى مشاريع حول صورة المستقبل وهذا ما ادى بالتالي إلى تعقيد الصورة الهجينية في ذهن المتلقي والذي يؤدي بالتالي إلى جعل الثقافة المستقلة أكثر اهتزازاً وقلقا في تجديد الفكر وسوف يتبين لنا لاحقا ان هذا الامر سيشكل المنطلق الحقيقي لاستيعاب وتعميق الخطاب المستقبلي.
* هل من انكسار وجداني دفعك إلى روح واحدة وبحث جوهري واحد ام وجدت ضالتك في هذه التعبيرية التجريدية فإنفردت باسلوب خاص في تكوين اللوحة فاصبحت من الناحية الشكلية هوية لك؟
ـ وهل غير الانكسارات تدفع الروح الوثابة إلى تدفق وجداني وبحث عن الجوهر، وهل تصلح إلى غيري هويتي ومع لحظة الالهام ومن دون ان يكون هذا التكييف الاخير لان العمل الفني وهو يتحول إلى اثر في وجود حاضر ابداً بيد ان الصور الجمالية التي افلتت من آسار الماضي ونفذت إلى الحاضر ثم اتجهت إلى المستقبل انها تحمل طابع الذكرى أو طابع الادراك بالخيال وللزمن بعد مشخص في الوجدان ولان الذكرى والادراك والخيال تتقاطع زمانياً ولا سيما لدى الفنان فهو يسجل ذكريات خالصة في آثاره الفنية ويضمنها شيئاً من ادراكاته وشيئا من وعيه وشيئاً من خيالاته فهي لا تعبر عن الواقع بمعناه الضيق بل عن المثال الاعلى الذي يتطلع اليه الفنان ولكن كيف تتكون هذه البنى الذهنية والبديعية ابتداء من الطفولة ومن الحياة العادية إلى الحياة الفنية وفي هذه الحال يمكننا ان نرى في الصور الجمالية شيئا من التجريد فالصور الجمالية شانها شأن الافكار العامة بحاجة إلى علاقات تربط بينها لان التجريد يعني الانفصال اصلاً، وهذا يعني ان هناك بنية من نوع اخر بنية وجدانية مشخصة ومنها تنشأ العلاقات بين الفنان وبين الموجودات وهي علاقات الذات بالموضوع وهي بالتالي علاقة البديع بالظاهرة الجمالية وهي القاع الذي تقوم عليه كل العلاقات الأخرى المجردة وهكذا نجد ان هناك اختلافاً في الحالة الوجدانية التي يعبر عنها اذ اننا نختار من صور العالم الخارجي ووسائل التعبير ما نرى انه يتلاءم مع حالتنا الوجدانية وهذا ما يحدث بالضبط للفنان مع مراعاة الفارق بين وسائل الابانة والصور التي تعن له لان الاختيار هو جوهر التجربة الفنية.


الرسم العراقي الحديث رسّامو المادّة
 

خالد خضير
قد يتفق وقد لا يتفق معنا الاخرون حينما نصنف بعض الرسامين من (أتباع) فائق حسن كسعيد شنين ومحمد صبري وسيروان بابان وغيرهم باعتبارهم (رسامي مادة)، و نفترض انتماءهم بقوة إلى تاريخ (الرسم الحديث) في العراق تحديدا، وليس فقط إلى (التاريخ الحديث) للرسم العراقي، وقد كان فيصلنا الذي كنا نعاير استناداً اليه تجارب الرسامين هو طريقة تعاملهم مع المادة، أي فهمهم لدور المادة بطريقة حداثية حيث لا تعود شيئية اللوحة وسيلة لتسجيل الواقع، بل وسيلة جوهرية للابتكار ومناسبة لوضع سطح اللوحة ومادتها موضع اختبار تقني ، وبذلك فهي تتماثل وتشخيص جيرالد برنز
Gerald Bruns لدور اللغة في الادب الحديث حيث تكون المادة واللغة " قادرتين على التوليد أكثر من اكتفائهما بمجرد عكس المعنى، ما ادى إلى ظهور مفهوم العمل المستقل.. أي الخالي من المستويات المرجعية"، وهو الامر الذي كثيراً ما دعا اليه الناقد الراحل شاكر حسن آل سعيد بقوة حينما اعتبر اللوحة مرجعية لذاتها، وقد تناول الناقد الدكتور حاتم الصكر هذا الموضوع في مقال منشور في موقعه على شبكة الانترنت ، فتكون امكانات الاداة التعبيرية ( = المادة) حرة في توظيف طاقاتها واتخاذ ذاتها موضوعاً للتجربة الفنية، ويكون شرط استخدامها الاهم هو انتاج وظائف لا تمثيلية (ذاتية الهدف) وليس طريقاً محايداً يوصل إلى مدلولات، وهو الامر المهم في اعتبار الرسام رساماً للمادة أو نقيضه، أي رساما تمثيلياً لا يفهم من أهداف مادة اللوحة سوى ان تعكس شكل المشخصات.
ان فهماً حداثياً لدور المادة في اللوحة كفيل بان يحررها اولاًَ من (شخصية المؤلف) ومن وظيفة ايصال المعلومات، ويكرس اعتبارها وسيلة ذات كثافة رؤيوية لخلق وتركيب شيئ لا علاقة له بالمعلومات، ولا بالحقائق ، وانما (باشياء ملموسة) هي موضع اهتمام المتلقي باعتبارها (قيماً جمالية) بحدّ ذاتها، فحتى عندما يتجه الرسام إلى مشخصات الواقع فانما يكون هدفه اعادة تكوين كل شيئ له صلة بالعالم الخارجي باتجاه تحقيق نمط من النظام والادراك أكثر سموّاً، فيخضع العالم الخارجي لرؤية عقلية لا تركن للتفسيرات السطحية التي تمنحها العين، ويكون هدف انتقاء الوحدات المشخصة اقامة المزيد من العلائق الشكلية والشيئية بين عناصر اللوحة وليس تكريس نمط من الواقعية المادية محدودة الادراك بل اطلاق العنان للعقل في العودة إلى نفسه في بحثه عن المعرفة (فالانطباع السائد الذي يخلق العالم الخارجي هو انطباع الموتى) ، كما يقول ويندهام لويس، وقد لا يكون كانديلسكي متطرفا حين كان يعتقد ان محاكاة الظواهر الخارجية هي في التحليل النهائي مستحيلة فكان يقصر مهمة الفن على التعبير عن الحياة الداخلية فقط، بينما نقصر نحن مهمة الفن على الاستغراق في معرفة الطاقة الداخلية للمادة (متيرياليتها) وصراعها ومحاولاتها للتشكل أو كما يصفه هربرت ريد (بانها تلقائية المادة وفوضاها وهي تبحث عن ايقاع الحياة).

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة