المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

كتاب هذا الشهر:  التذكار
 

اعداد:قاسم محمد عباس

كتاب المدى لهذا الشهر مجموعة من قصص ارسكين كالد ويل. الذي يضم اكثر من 150 قصة قصيرة، تضمنت 39 قصة منها وقائع حياة أرسكين كالد ويل ذاته. أعادت جامعة جورجيا نشر معظم هذه القصص عام 1996 . ويتوفر لأي ناقد ادبي أو مؤرخ ان يجمع عدد من قصص ارسكين كالد ويل، ليؤشر موهبته، ويرسم نموذجا عن الادب الامريكي الكلاسيكي ، ليس بالضرورة أن يكون هذا النموذج مركزيا في تاريخ الأدب الامريكي. وربما يكون أرسكين كالدويل اقرب الى التيار الثانوي في هذا الأدب لكن المتابع لا يستطيع ان يتجاهل قدرة هذا الكاتب في تجاوز البنية الاخلاقية للمجتمع الامريكي حينئذ. وجهد كالدويل في التصدي للنظام الاجتماعي المتهرئ. واضح في عدد من قصص كتاب التذكار .حيث يواجه القارئ مصائر الفقراء بغض النظر عن ألوانهم وهم يسحقون وسط حياة امريكية قاسية. وتحت وطأة وقائع منحطة لحياة الريف في الجنوب الامريكي المغلقة وسط حوادث الخيانة والموت والعنف والفضائح ، والجوع ، وتحدث كالدويل عن ذلك اكثر من مرة بالقول : تتملكني الكآبة كلما توغلت بعيدا عن البيوت المستقرة ، .. نحو منظر الاطفال وقد ربطت فوق بطونهم الاحزمة حتى لا يقرصهم الجوع .
وحاول كالدويل ان يعيش وقائع قصصه، بدعوى اعادة عيش الاحساس لدى ابطاله، فقد تحدث عن قصة " بيشام بائع الحلوى" القصة الثانية من كتاب التذكار قائلا : تجربتي في هذه القصة هي لأرى ما كنت استطيع أن أوصله من الشعور بهذه اللكنة. وذلك عن طريق استخدام الايقاع في الجمل . بدلا من استخدام الاصوات والكلام.
أما قصة " سارق الحصان " القصة الأخيرة في كتاب التذكار كتبها كالدويل عام 1934 فتناولت تبرير التضحية الانسانية وثمنها الكبير في ظل نظام اجتماعي صارم يحكم حياة المزارعين في الجنوب. والقصة واحدة من النماذج المبكرة لكالد ويل في هذا الاتجاه .
وقصة " اسجد للشمس المحرقة " القصة السابعة في الكتاب، فقد وصف النقاد الامريكان هذه القصة بوصفها واحدة من أفضل القصص القصيرة ، على الرغم من أنها أكثر القصص جدلا في القرن الماضي .أما قصة " جزيرة مود " القصة السادسة من مجموعة التذكار فقد نشرت في بروكلين ديلي وحصلت على جائزة التذكار للقصة عام 1934 .
أما قصة التذكار التي تحمل اسم الكتاب والتي سنتوقف عندها لتقديم قراءة اشيعت عنها في النقد العربي ، فهي القصة الثامنة في الكتاب. والتي تتحدث عن سقوط نيللي بطلة القصة من السلم مساء إحدى الليالي‏,‏ لتموت وهي في الخمسين من عمرها .وبفهم ان الإنسان أمام الموت والحب والكره يسعى إلى ما وراء الحدود طلبا لإشباع الفهم المنقوص لذا تشكل لدى بعض الجيران‏,‏ سؤال مسكوت عنه‏,‏ تولد عبر استبطانهم لتراكمات مسار وقائع وأحداث حياة نيللي وأيضا نتيجة عقد مقارنات لمصائر بعض الناس وأقدارهم ولا شك أنه برصد مشاعر الجيران واستنطاق نسق وسياق تعليقاتهم يمكن الكشف عن السؤال المسكوت عنه وأيضا كيف كان يجب أن يصاغ عندئذ يتجسد أمامنا السؤال بصراحة : ما الذي يجري؟ كيف يمكن لـ نيللي التي قضت ثلاثين عاما تشارك الناس وتساعدهم في مصالحهم؟ كيف تخسر حياتها بموت مغدور‏,‏ ويواجهها بالبقاء زوجها الوغد الشرير ينعم بالحياة؟ ولأن اعلان صيغة السؤال هكذا يفرض حرجا‏,‏ ويعد نوعا من الاعتراض على تصاريف الأقدار والخوض في المحظور لذا احتجب واستتر وتخفى السؤال ملتبسا صياغة المباح فجاءت محاولات فهم الجيران وجميع اقارب نيللي لموتها الفاجع‏,‏ بأن العالم كان سيغدو افضل لو ان زوجها هيم سقط من سلم حجرة الكرار‏,‏ واندقت عنقه بدلا من نيللي‏.‏ وقد شارك في اشاعة هذا الفهم اقارب هيم نفسه صحيح ان تعليق الجيران والاقارب لم يتورط صراحة في مأزق الاعتراض على الاقدار لكنه بحمله اجماعا بالرفض لشخص الزوج هيم مقارنة بـ نيللي قد أضمر نبرة ادانة واتهام يستوجب ضرورة العقاب
و يشير ايضا الى المخفي من انقلاب موازين حسابات المصائر من دون تبرير بفهم انها دلالات للكشف عن المسكوت عنه بحثا عن المقاصد في كلام الناس‏,‏ لكن اهم ما يثير الاهتمام هو ما اعلنه البعض منهم ‏,‏ إذ أخذوا يرددون ويعيدون علنا وبالإجماع أن نيللي كانت قديسة‏,‏ اذ لم ترتكب قط إثما طوال حياتها‏,‏ ويبدو أنهم عندما بوغتوا بموتها المفاجئ المغدور أصابهم الارتباك فطغى عليهم منطق التسويغ‏,‏ واستمروا يرددون ويكررون ان الامر الوحيد الذي يمكن ان تلام عليه نيللي هو زواجها برجل مثل هيم‏,‏ وكأنهم أرتج عليهم أو تعمدوا قراءة الأحداث قراءة معكوسة تستند للمرآة‏,‏ بمعني أنهم وضعوا المرآة أمام الأحداث ثم راحوا يقرءون الصورة المنعكسة في المرآة والتي تشي بالالتباس فكما تبدو لك يدك اليمني بفعل الالتباس هي يدك اليسري في ذات الوقت عندما تتطلع في صورتك المواجهة لك المنعكسة في المرأة كذلك وبفعل الالتباس تبدو نيللي قديسة ومذنبة في آن واحد‏,‏ وذلك بحكم مسؤوليتها عن زواجها بالوغد الشرير هيم ولاشك ان قراءة المرآة هذه أنتجت منظورا فكريا يتبني نبرة تبريرية صريحة معلنة تخالف المسكوت عنه الذي يرتكز على ممارسة التبرير والتسويغ ويقوم على الدليل الثابت الذي لا يمكن دحضه بعكسه أو الطعن فيه‏,‏ أي دليل زواج نيللي بالوغد الشرير هيم مستهدفا بذلك محاولة اظهار سبب لموتها المغدور‏,‏ ليطرحه استرضاء لقناعات الناس‏,‏ ودفعهم الى استيعاب قبول حدث الموت المفاجئ المؤيد بالمبررات حتي لو كان المبرر سببا وحيدا واهنا‏,‏ ويقع تحت خانة الشك والارتياب‏,‏ لكنه عموما يمنح ويحقق بعض الرضا‏,‏ ويدفع الى الإقبال على الحياة‏,‏ وكأن فكر التطويع يفرض واقعه منطلقا من أنه إذا كانت نيللي قد وجدت نفسها عرضة للخطأ بزواجها بـ هيم‏,‏ الوغد الشرير وإذا كان من الشر أن يكون الانسان حافلا بالاخطاء فإن خطأ نيللي الوحيد لا ينسف براءتها بل يجعلها ضحية اكثر منها مذنبة لذا فإن الجيران يستخدمون ادوات الترويج الدائم لهذه البراءة دفاعا عن نيللي وذلك باستمرار تعليقاتهم المتوالية حيث يعددون ويكررون مآثرها الخيرة حيث كرست الثلاثين عاما الأخيرة من حياتها تصنع الكعك للعرائس وتساعد الأمهات على العناية بأطفالهن المرضى‏,‏ وتهش الذباب عن أسرة المرضى‏,‏ وتواسي الثكالى‏,‏ وتقوم بأعمال خير عن طيب خاطر وتعودت دائما ان تدير منزلا منظما‏,‏ وتكون زوجة مثالية لـ هيم‏,‏ كما أنها لم تنقطع قط ـ سواء في صحتها أو في مرضها ـ عن سماع عظات يوم الأحد في الكنيسة الواقعة عند مفترق الطرق حتي لو كان الجو عاصفا معربدا‏,‏ كانت تمشي ميلا بعد ميل لتمد يد المساعدة إلى أي شخص في محنة هكذا يتوضح الخطاب الذي يكشف عن حقيقة ان كانت نيللي ضحية اكثر منها مذنبة‏,‏ اذ كانت تصدر في أفعالها كلها عن سريرة ذات طاقة إيمانية وإنسانية متفردة‏,‏ لم تغلق وجودها الإنساني على نفسها ومصالحها‏.‏
أن ارسكين كالدويل في هذه القصة الرائعة " التذكار " يسخر من خطاب التسويغ هذا‏,‏ وينتقده بشدة‏,‏ ويشير ـ بحدة بالغة ساخرة ـ إلى مكمن الخطر في استخدامه حتى في أنسب الحالات‏,‏ إذ قد يعمينا عن رؤية تعقيدات الواقع ومقتضياته ففي هذه القصة وظف خطاب التسويغ المعلومات كافة عن نيللي لكنه استثنى من سياقه هيم‏,‏ ولم يتعرض لدوره والصيغة الوحيدة التي ورد بها دوره في خطاب التسويغ ليست اكثر من وصف له بأنه وغد وشرير قد استحقت نيللي اللوم من جراء زواجها منه والاشكالية ان هيم مازال يعيش معها ويعاشرها ويلتصق بحياتها بحكم القوة الاجتماعية لزواجهما‏,‏ لكن خطاب التسويغ لم يحفل بالتضاد بينهما في صورته الحياتية العملية‏,‏ الا فيما ترتب عليه من تسويغ وتبرير إلحاق اللوم بها لقبول موتها المغدور‏.‏
لكن كالدويل يزلزل جوهر هذه الحياة ويكشف عن محنة عالمهما‏,‏ عندما يسرد لنا أنه بعد انتهاء مراسيم دفن نيللي عاد هيم إلى البيت وحيدا وفي الصباح الباكر ذهب الى دار القضاء واتجه مباشرة الى مكتب التسجيل مطالبا باتخاذ إجراء تسجيل وثيقة شرعية مهمة قديمة وحائلة اللون مضى عليها ثلاثون عاما وكانت الوثيقة التي قدمها هي عقد زواجه بـنيللي والذي لم يسجل قانونيا في الوقت الذي كان ينبغي ان يتم التسجيل فيه‏,‏ وقد رفض الموظف المختص اتخاذ الاجراءات ثم راح يتلو علي هيم نص قانون الدولة في هذا الشأن بأنه اذا وكيف ‏ يعد الأمر كله باطلا‏,‏ وهو ما يعني ـ كما شرح الموظف له ـ ان زواج الطرفين غير شرعي‏,‏ اذا استمر في العيش علي هذا النحو ثم عاود الموظف ليسأل هيم عن السبب الذي لم يجعل القسيس يسجل عقد زواجه كما كان يتوجب فأجابه هيم أردت أن أكون حريصا في هذا فاحتفظت بالعقد لكي أكون في أمان في حالة ما إذا قررت التخلص من الاتفاق في أي وقت في المستقبل وقلت لنفسي سأجرب سلوك نيللي الطيب حتى أقتنع أنها ستكون الزوجة التي أردت الارتباط بها وفي الليلة الفائتة بعد الجنازة قررت أن الوقت قد حان لاتخاذ هذه الخطوة‏,‏ واقتنعت ان نيللي اجتازت الامتحان عندئذ أحال موظف التسجيل الأمر الى احد القضاة المختصين حيث وقف قبالته يشرح مطلبه فأجابه إلى طلبه ـ وفقا لاجتهاده الشخصي ـ بأن يتم تسجيل العقد‏,‏ غير أنه أعلن قائلا‏:‏ ليرحم الله روح نيللي‏,‏ فهي جديرة بكل السلام والراحة‏,‏ بعد ان عاشت في الخطيئة ثلاثين عاما‏,‏ وأعتقد أنها تستحق الغفران‏,‏ إذا أخذنا في الحسبان أنها كانت مخدوعة في الاعتقاد بأنها كانت متزوجة زواجا شرعيا طول هذا الوقت‏,‏ وأظن أن أبرك شيء في هذا الموضوع هو أنه لم ينجم أطفال عن ذلك لحظتها سقط خطاب التسويغ‏,‏ ولم يستطع ان يصمد امام حقيقة ان نيللي عاشت في الخطيئة ثلاثين عاما‏,‏ مهما تبدت مهارة صياغة هذا الخطاب التسويغي في جعل فكرة أنها قديسة فكرة مقبولة على أنها الحقيقة‏,‏ فدائما ما تسقط خطابات التسويغ عندما تعجز عن إثبات صحة ما تسوغه.


أرسكين كولد ويل .. سيرة موجزة لكاتب دنس التقاليد
 

علاء المفرجي
كولد ويل كاتب تخصص بالكتابة عن وقائع الحياة الريفية لجنوب أميركا. وكانت ولادته عام 1907 في كاويتا ، في ولاية جورجيا. ابنا لأب قسيس لم يقدم لابنه شيئا يذكر. عاش كولد ويل طفولة معذبة. قضاها متنقلا بين عدة أعمال متواضعة. حتى بلغ الخامسة عشرة من عمره ليبدأ الدراسة بالمدرسة العليا في جيفرسون بولاية جورجيا. ولم يتوقف عن حياته العملية، فتنقل بين أعمال عدة منها : جامعا للقطن وجرسونا وسائقا وحارسا ليليا في حانة. وطباخا وغير ذلك .
التحق عام 1922 بجامعة فرجينيا. وفي عام 1925 ترك كولد ويل الجامعة والتحق للعمل في صحيفة ( جورنال اتلانتا ) . وفي مدة عمله بين عامي 1925 ـ 1926 ) ولع بمتابعة الكاتبة فرانسيز نيومان، وراح يراقب تفاصيل كتابتها لروايتها " العذراء المحنكة " ، فتصاعد هوسه في كتابة القصص القصيرة ، وعاش تحولا جديدا في حياته الكتابية .
وفي النصف الثاني من عام 1926 ترك العمل في الصحيفة . وكان قد كتب أكثر من أربعين قصة قصيرة، لم تلق اهتماما أو صدى ممن اطلع عليها .ووجد كولد ويل نفسه في مواجهة التحول من كاتب لقصص ثانوية إلى رغبة ملحة تدفعه نحو الاحتراف. وجاء تركه العمل مغامرة كبيرة لصالح الكتابة. فعزل نفسه في " مين " للكتابة " وأرسل مجموعة من قصصه إلى عدد من الصحف والمجلات. بعد أن تنقل بين مين و "شارلوتزفيا" و "أجستا" و "بالتيمور" .تلقى عام 1927 ملاحظات من محرري الصحف حول قصصه التي أرسلها إليهم للنشر.وكان الرد الذي تلقاه عام 1929 من محرر سلسلة كتاب " نيو أميركان كارفان هي البداية عندما اخبر بالموافقة على نشر قصة له في الكتاب الدوري. وتوالت الردود من ماكسويل بيركنز رئيس تحرير المجلة الشهيرة " سكربنر " لينشر فيها مجموعة من قصصه التي تفرغ لكتابتها لشهور عدة .
وراح يتحدى ظروفه في اختبار كتابة رواية وصولا إلى عام 1931 عندما أصدر مجموعته القصصية "
(American Earth) ارض أمريكية التي جوبهت بمواقف رافضة . حتى اعترف كالد ويل بازدراء النقاد لكتابه.وفي عام 1932 انتهى من كتابة مسودة روايته (Tobacco Road طريق التبغ) . ونشرها ولم يتغير موقف النقاد منه أيضا. ويعتقد إن السبب في ذلك كونها رواية تتحدث عن حياة الجنوب الأمريكي الذي كتب عنه كالد ويل عدة روايات منها : " شغب في تموز " التي نشرت عام 1940 ، و " أرض المأساة " عام 1944 و " يد الله المقتدرة " 1947 . و " هذه الأرض ذاتها " عام 1948 ، و " مكان اسمه استر فيل " 1949 . وصولا إلى عمله " حادث في بالتيمو " 1950 " .
بعد الرواية الأخيرة طارت شهرة كالد ويل في الآفاق. وتزاحمت دور النشر على خطف رواياته.
عمل كالد ويل في السينما والإذاعة للمدة بين الأعوام 1933 و 1943 . وكان في كل مرة يعود إلى الكتابة غير نادم على أي شيء.
عاش كالد ويل مآٍسي الحرب العالمية الثانية عندما كان مراسلا صحفيا في الاتحاد السوفيتي. وكتب خلال تلك المرحلة " خارج الطريق إلى سمونكس " ، ونشر عددا من القصص القصيرة، فضلا عن مجموعة من كتب الرحلات . وسير ذاتية وأدبية.
نشر عام 1951 كتاب " سمّها خبرة " وهي سيرة أدبية تناولت أسلوبه وتفكيره غير المحترف في الكتابة.
انتخب كالد ويل في عام 1984 عضوا في الأكاديمية الأمريكية للآداب. وتوفي في وادي الجنة في أريزونا عام 1987


البحث عن الإحساس في القصة
 

أرسكين كالد ويل
كان هنالك وعلى الدوام أسباب تبرر عدم نشر القصة .فهي إما طويلة جدا أو قصيرة جدا . او ربما كتبت بطريقة مبالغ فيها. أو إنها تتجاوز المعقول في واقعيتها نسبة لهيئة التحرير. ولطالما أدهشتني الأسباب الكثيرة المعقولة وغير المعقولة التي كانت تبرر رفض قصصي. وكنت أتلقى في بعض الأحيان نصائح عدة، ولم أكن ضد النصائح من حيث المبدأ. ما دامت تنسجم أساسا مع الطريق الذي أسلكه. ولكن بدا لي وعلى الدوام أن النصائح التي تلقيتها يقصد بها شخصا آخر غيري. وإنها وصلتني عن طريق الخطأ .
فمثلا نصحني احد المحررين بأن أدرس بدقة وعناية كبيرتين أسلوب القصص التي ينشرها في مجلته. وأحاول قدر المستطاع أن اكتب مثلها. وقال لي محرر آخر : ان لدي مستقبلا في تدبيج مقالات حول تجارة الديكور والأثاث والأرضيات .
وكلف محرر آخر نفسه وكتب لي رسالة طويلة نصحني فيها بالتخلي عن محاولاتي في كتابة القصص القصيرة. بدعوى أنني لن انجح في تكوين مقدرة على الاستمرار في كتابتها. وإصراري على مواصلة كتابة القصص سوف يجعل من الصعوبة على تحمل الفشل الكبير الذي ينتظرني .
كانت هذه المراسلات نوعا من التسلية بالنسبة لي، فقد جعلتني انتظر شيئا ما في البريد. ولكنها لم تنجح في تشجيعي ، ولا أن تثبط من همتي.
فقدت امتلكت إحساسا بأن قصصي تتطور يوما بعد يوم .أو في الأقل أنني غدوت أكثر مقروئية. لقد بدأت بامتلاك القدرة على صوغ وتشكيل الأحداث المتخيلة في قصة تقدم التأثير الذي رغبت أن احصل عليه كقارئ . تماماً كما لو أن ليس هناك أحد سواي سيقرؤها.معتقدا أن الكاتب نفسه ينبغي أن يرضى عن قصته، قبل الآخرين. ولم تكن لدي ثقة بقدرتي على تحليل القصة كما يفعل النقاد عادة. إلا أنني بدلا من ذلك كنت ابحث عن الإحساس في القصة.
بعد أن أقيس تأثيرها العاطفي بحاستي الفنية الداخلية. وإذا ما شدّتني بقوة إحدى القصص التي كتبتها ، حتى لو افتقرت إلى الأسلوب التقليدي في الكتابة القصصية انتابني شعور بالرضا التام عن هذه النتيجة.
كنت آمل أن يأتي الوقت الذي يتقبل فيه الآخرون وبضمنهم المحررون. يتقبلونها بوصفها الطريقة الوحيدة الممكنة لكتابة هذه القصة بعينها . سواء كتبتها أنا أو كتبها غيري. كي تعطي التأثير المطلوب.


كالد ويل في لغة الارقام: الكاتب الذي باع 14 مليون نسخة من كتابه
 

المدى الثقافي
أ
جمعت الموسوعات المتخصصة بالروائيين الأمريكيين على أن أرسكين كالد ويل من أكثر الروائيين الذين قرأت كتبهم في القرن العشرين. خاصة بعد أن بيعت أكثر من 8 ملايين نسخة من كتبه في 34 لغة مختلفة .
وروايته " قطعة من ارض الله الصغيرة" شكلت سابقة ليس لها نظير في تاريخ بيع الكتب وانتشارها ، فقد بيع من هذه الرواية 14 مليون نسخة.
أما عمله " طريق التبغ " فقد حول إلى عمل مسرحي وعرضت المسرحية لاكثر من 7 سنوات. ووصفت بإنها صنعت تاريخ المسرح الأمريكي. فضلا عن عرضها في مسرح برودواي.
كتب أرسكين كالد ويل 25 رواية، و150 قصة قصيرة . و12 كتابا بعيدا عن القصة والرواية. تركز مجمل ما كتبه على موضوعات الظلم الاجتماعي. وان جاءت بمصطلحات الطبقية ، والتمايز العرقي، الموضوعات التي مازالت قائمة إلى يومنا هذا.
منذ وقت مبكر غدا كالد ويل جدليا وتحت رقابة الكتاب الأمريكان ، ففي حمى محاربة الفساد في المجتمع الأمريكي، سعت جهود كبيرة لمنع روايته " قطعة من ارض الله الصغيرة "، الأمر الذي دفع بكالد ويل إلى اللجوء إلى القضاء . وبمساعدة أصدقاء له من أمثال مينكن وشيروود اندرسون من العارفين بقضايا المحاكم ربح كالد ويل القضية.
لقد كان ولاء كالد ويل لسكان الجنوب كبيرا وكان هذا الموقف معروفا بالنسبة لهؤلاء بوصفه مواليا لهم . إلى الحد الذي اعترضت فيه ماركريت ميتشل مؤلفة " ذهب مع الريح " وانتقدت كل من وليم فوكنر وكالد ويل بسبب هذا الولاء للجنوب الأمريكي. ولقد بالغ الكثير من دارسي الأدب والنقاد فيما بعد في تصنيف موقع كالد ويل ، فقد وضعوه إلى جانب فيتزجرالد ، وولف ، وجون شتاينبك . بل ذهب فوكنر إلى أن كالد ويل أحد الروائيين الخمسة العظام في أميركا.
رشح كالد ويل لنيل جائزة نوبل للآداب باعتباره أكثر الكتاب مبيعا في العالم ، أو انه أهم شخصية في تاريخ النشر الأمريكي .
مبيعات كتب كالد ويل دفعت المكتبة الأمريكية الجديدة (
NAL)إلى منحه الميدالية الذهبية للمكتبة الأمريكية الجديدة .
ففي أواخر عام 1940 باع كالد ويل كتبه أكثر من أي كاتب أمريكي آخرعلى الإطلاق في تاريخ اميركا ولعدة سنوات .
هذه الشعبية لم تكن دائما في صالح كالد ويل ، فشعبيته لدى القراء تحولت ضده في مسألة الإنجاز الأدبي.
ولم ينل كالد ويل من التكريمات أواخر حياته سوى انتخابه إلى جانب نورمان مايلر لمقاعد الأكاديمية الأمريكية للفنون ، وكان مقعده إلى جانب ليليان هيلمان.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة