واسط ـ جبار بجاي
تمتاز حياة البدوي دون غيره بأنها حل وترحال فما ان يحل في منطقته حتى يبدأ
بالبحث عن أخرى غيرها من أجل العشب والماء حيث تعيش الإبل
على النباتات الصحراوية وهي زادها المفضل، وكم يحلو للبدوي
أن يتوسط ابله ليطوح بسمفونيته المعروفة (هو.. هو.. هو..)
وهو بذلك ينادي على الابل لتسير خلفه صوب هذه الناحية او
تلك.
والابل في حقيقة الأمر، عالم لذاته فيه من المفارقات والمفاجآت الكثير الذي
لم نعرفه لكن المعلومات التي قدمها السيد (شويل عليان
السمعودي) ـ63 عاماً ـ قضاها على حد قوله بين البوادي في
حياة يقول عنها غاية في السعادة: خاصة إذا (رزقت النوق) أي
عندما تلد أكثر من ناقة..
حياة البدوي
يقول انها أروع ما يكون لا توازيها حياة الريف والحضر مهما كانت سبل الراحة
فنحن ولدنا في الصحارى وعشنا فيها ونتمنى ان ندفن فيها
أيضاً، (البعير) مصدر عيشتنا ورزقنا وننظر الى معزته مثل
الولد، فهو اليف الى حدٍ كبير لكنه قد يكون متوحشاً إلى الحد
الذي لا يطاق.
أليف اذا عرفنا كيف نعامله ونعاشره. نعرف مثلاً متى يجوع او يعطش ومتى يريد
النوم أو البروك او السير او الجري واحياناً حتى اللهو. نعم
فهو يحتاج اللهو لكن بطريقة لا يعرفها إلا البدوي. وقد يكون
الجمل متوحشاً ومؤذياً إلى حدٍ ما عندما نضربه دون ذنب او
نركض خلفه ونصرخ او نمنعه من حالة هو يريد ان يمارسها، هكذا
هي الحياة مع الجمال.. الفة وتوحش.
وجمالكم أليفة ام متوحشة؟
الحمدُ لله إنها صاحبة الصاحب، اليفة إلى الحد الذي تصبح جزءاً من العائلة
وتفهم كل شاردة وواردة، والجمال كما هو معروف لها اسماء
والوان وطباع ولها اسرار لا يعرفها قط إلا الراعي مثلا: ان
الناقة عندما تلد وحدها دون مساعدة الراعي فأن المولود ينزل
من بطن أمه يمشي حالاً اما اذا تدخل الراعي وساعد الناقة في
الولادة فان المولود لا يمشي إلا بعد خمسة أيام أو اكثر
والجمل ذو السنام الوحد يكون طف رجله (قدمه) مدور وفيه
اظفران لكن الجمال ذات السنامين يكون طفها بشكل غير مدور
ولها اكثر من اظفرين. ويطلق على المولود الصغير، ذكراً أم
انثى (حوار)، لكن بعد ان يصل عمره إلى خمسة شهور يسمى
(مخلول)، ويستمر هذا الاسم حتى يكون عمره سنة واحدة فيسمى
بعدها (مفرود) وهذا المفرود يسمى بعد السنة الثالثة (حج)
بفتح الحاء، للذكر، و(حجة) للأنثى. لكن بعد السنة الرابعة
يسمى الاسم العادي (بعير) للذكر، وناقة للأنثى.
ومتى يسمى جمل؟
يقول العم شويل بلغة البدوي (يبه هذا لكم) ويصمت.. لكنه اضاف لي معلومات
أخرى جديدة لم أكن اعرفها من ذي قبل منها ان عملية (المشاهر)
والمقصود بها التزاوج تكون بعد السنة الرابعة ودائماً يكون
لكل ناقة بعير ذكر وهذا الذكر لا يريد غير ناقته ابداً خاصة
الأصيل.
مدة حمل الناقة سنة كاملة تلد بعدها لتبقى سنة أخرى ترضع مولودها، وهذا
معناه ان الناقة تلد بين سنة وأخرى. لكن هناك بعد النوق تلد
كل عام وهذه من الأنواع النادرة والجيدة، ونطلق عليها
بلهجتنا (كسوب) ودائماً يكون معدل ولادات الناقة من 12 ـ 16
مرة في عمرها.
وهل للإبل مميزات أخرى؟
نعم كثيرة ولا يعرفها احد منكم فمثلاً: لها اسماء وطباع، البدوي وحده
يعرفها، فالبعير الاحمر يسمى (اشعل) والابيض (اوضح) وللناقة
(وضحة) ونطلق على الاسود (حفرة) وعلى اللون الاصفر الغامق
(ابلك) لكن من يجمع بين اللونين الاحمر والاصفر نسميه (اسحم)
والناقة التي تكون شرسة. نسميها (طوشه). والإبل تتجمل الحر
والبرد ولا تحتاج إلى الماء لمدة اسبوع كامل، لكنها لا تتحمل
الجوع فاذا جاع الجمل يصاب بالجنون وينطبق عليه القول (اذا
جاع اكل الكاع) فهو يأكل النباتات الطبيعية مهما كان لونها
وطعمها لكنه يفضل الاجراش والشجيرات الصغيرة والشوك والعاقول
والعشب ويفضل ذلك على غيره وقد يأكل احياناً الصريم والحسك
لان معدته قوية وتتحمل كل شيء لكن اشد ما يؤذي الإبل هو لدغة
حشرة (الزريجي)، فهي مؤذية لأنها غالباً ما تكون في منطقة
حساسة من الجسم وربما تؤدي إلى موتها.
* وهل لك ان تعطينا شيئاً عن الوسم؟
الإبل دائماً تكون بمجموعات كبيرة واذا اختلطت هذه المجموعة مع تلك من
الصعب ان يميزها الراعي، لذلك، فان المولود الجديد نضع له
علامة خاصة في مكان محدد من جسمه، وكل علامة (وسم) تختلف عن
الأخرى اقصد تختلف من عائلة لأخرى ولهذه الأوسمة طبعاً أسماء
واشكال معروفة وتتم عملية الوسم باحماء قطعة من الحديد ومن
ثم وضعها على جلد الجمل فتترك اثراً بشكلها الذي يختلف من
راعٍ لآخر ويسمى الوسم في الغالب (قفل).
هناك معلومات آخرى قالها الراعي شويل، وبالتأكيد هي ليست الأخيرة ففي جعبته
الكثير من التفاصيل التي لم نكن نعرفها من ذي قبل، فالمجموعة
الكبيرة من الابل التي تسمونها قافلة يسميها البدوي (خزلة)
وهم يميزون خزلة من أخرى وفي نفس الوقت ان كل خزلة تعرف صوت
صاحبها وكيف يناديها وعادة ما ترد عليه اذا صاح عن بعد هو...
هو... هو.. هووو.. دوه.. دوه...
انه حقاً عالم من المفارقات، عالم الإبل، لكنه عالم في طريقه إلى الزوال
بعد هجمة المدينة واكتساح الحضارة لتلك الفيافى المترامية
التي نسميها بالصحراء.
|