النقد..الديموقراطية في المجتمعات غير الديموقراطية..مقدمةُ المفهوم في سوسيولوجيا الثورة

آراء وأفكار 2020/11/02 06:10:14 م

النقد..الديموقراطية في المجتمعات غير الديموقراطية..مقدمةُ المفهوم في سوسيولوجيا الثورة

 محمَّد حسين الرفاعي

[I] 

كيف تصطدم الديموقراطية بذاتها؟ وما هي العقبات التي تحول دون قيام الديموقراطية على صعيد المجتمع، من جهة، وعلى صعيد الدولة، بوصفها مؤسِّسة المؤسَّسات المجتمعيَّة، من جهةٍ أخرى؟ أو بتساؤل صارم: كيف تتعرَّف الديموقراطية على/ وإلى ذاتها في مجتمعات لا تتوفَّر على أسس، وشروط إمكان الديموقراطية، بعدُ؟ ولماذا هي توفِّرُ إمكان خلقِ أنظمة، بموازاتها، لا ترتبط، ماهويَّاً، بها، بل قد تكون على الضدِّ من مكوِّناتها؟ 

إنَّ الديموقراطية، في المجتمعات قَبلَ الحديثة، إنَّما هي تعني حُكمَ الجهلِ، وفقاً للمعايير السُّوسيولوجيَّة الحديثة، الناتج عن شروط مجتمعيَّة وتاريخية معقدة، وضاربة في جذور الوجود المجتمعيّ. إنَّ الديموقراطية، حينما تغيب صيرورة الديموقراطية فيها، تتضمَّنُ، في طياتها، دائماً قَبْلِيَّاً، مشروعاً كاملاً للاِنقلاب عليها؛ بل لمصادرتها كُلِّيَّاً. إنَّها الضدُّ الذي يكشف ذاته في الظرف الذي تغيب فيه الأصول المجتمعيَّة الأصليَّة للديموقراطية. لا الظرف الذي يكشف البِنيَة، بل الظرف الذي ينتقل من الظرف القَبْليِّ Priori إلى الظرف البَعْديِّ Posteriori. إنَّ الأصول المجتمعيَّة للديموقراطية إنَّما هي تتضمَّنُ محدِّدات مجتمعيَّة لها، وهي، على أقل تقديرٍ، تتمثَّل في أربعة أسس: 

I- آيديولوجيا الحداثة والتحديث، والإرادة المجتمعيَّة الدافعة نحو ذلك. الإرادة التي تقوم على رُباعية التَّساؤل عن الإرادة: هل ثَمَّةَ إرادة مجتمعيَّة بعد، في السَّبيل إلى ذلك؟ وما الذي تذهب إليه؟ وكيف تجد طريقها إلى ذلك؟ ولماذا هي تسير إلى ذلك، وليس إلى غيره؟ 

II- صيرورة بناء الديموقراطية التي هي بدورها تتضمَّنُ معنى التربية- والتعليم والإعلام، وفوق ذلك، الاِستياء المجتمعيّ إزاء الاِستبداد.

III- تجاوز ضروب الخوف، والتهديد بممارسة عنف خارج إطار مؤسسات الدولة الحديثة، ووضع كل تهديد من هذا النوع تحد إطار العقوبة بالقانون. 

IV- أصالة الاِختلاف، والتعدُّد، والتنوع في التاريخ المجتمعيّ، اِنطلاقاً من نتائج فرض الوحدة المجتمعيَّة من الأعلى. تتمثَّل النتائج في تفكيك المجتمع بعامَّةٍ، وما يترتب على ذلك من نتائج فرعية، وتفكيك الهَويَّة الوطنية، والذَّات الوطنية، بخاصَّةٍ، وما يترتب على ذلك من نتائج فرعية. 

[II] 

وبناءً على ذلك، حينما أقول ديموقراطية غياب صيرورة الديموقراطية أشير بذلك إلى الديموقراطية التي تُفرض على المجتمع من الأعلى، بوسائل عنف صريحة، أم لا، لا فرق؛ وحينما أقول ديموقراطية صيرورة الديموقراطية فإنني أشير إلى ديموقراطية قد ولدت للتوِّ، أي ديموقراطية حديثة الولادة. ولكن، ضمن أيَّة معانٍ علينا أن نتوقف عند غياب صيرورة الديموقراطية؟ وما الذي يترتب على هذا الغياب، في نظام ديموقراطي؟ 

في الحقيقة، حنيما تُمارس الديموقراطية على صعيد الدولة، بوصفها مؤسسة المؤسسات المجتمعيَّة، أي تلك المؤسسة التي تجعل من المؤسسات المجتمعيَّة الأخرى ممكنةً، ولا تُمارس الديموقراطية على صعيد المجتمع، بواسطة شتى وسائل التنمية- والتنمية المستدامة- والتربية- والتعليم، بعامَّةٍ، نكون أمام تناقض بنيوي داخل المجتمع يتمثَّل في: من جهة مجتمع لم يتوفَّر بعدُ على شروط إمكان تحوُّلِهِ إلى أن يكون ديموقراطيَّاً، ومن جهةٍ أخرى ضرورة أن يتحوَّل المجتمع إلى مجتمعٍ ديموقراطي. 

[III] 

ماذا يترتب على هذا التناقض البنيوي؟ وكيف يتجسد ذلك في البِنى المجتمعيَّة الأساسيَّة الثلاث: بِنيَة الثقافة، وبنية الاِقتصاد، وبنية السياسة؟

I- في بِنيَة الثقافة، تنتج أشكالاً ثقافية، وممارساتٍ داخل الثقافة المجتمعيَّة التي تتمثَّل في التُّراث- واِختزال التُّراث مجتمعيَّاً في ضرب من ضروبه في كلِّ مرة- وجملة العادات، والتقاليد، والأعراف، والقواعد المجتمعيَّة التي كانت قد اِنتقلت من الأجيال السابقة. يتمثَّل التناقض في البِنيَة هذه في: من جهة، ضرورة تحرير التُّراث، والتاريخ المجتمعيّ بعامَّةٍ من اِحتكار فهمه بتوسُّط سُلَطِ الفهم، أي المؤسسة المجتمعيَّة التي تحدِّده، وتحدِّدَ سبلَ الفهم إليه؛ ومن جهةٍ أخرى، الضروب المختلفة للوقائع، والأحداث، والظواهر المجتمعيَّة- التاريخيَّة المتناقضة، والمتشابهة، والمتنافرة، والمتباينة، والمتطابقة،...إلخ، التي تشير إلى اِستحالة تناول التُّراث بمعزل عن سلطة تحديد التُّراث. يترتب عن ذلك، في حقل العلاقة مع التُّراث اِتجاهان أساسيَّان: 

I-I- اِتجاه التطابق والتماثل والتشابه مع التُّراث الذي يسعى إلى مصادرة التُّراث المجتمعيّ، وتحديده ضمن قواعد مؤسسة تحديد التُّراث،

I-II- اِتجاه التنافر، والتباين، والاِختلاف مع التُّراث الذي يسعى إلى البحث في التُّراث المجتمعيّ، وإعادة تحديده خارجَ قواعدِ مؤسَّسة تحديد التُّراث.

[IV]

II- في بِنيَة الاِقتصاد، تنتقل المسألة من ضرورة الإنتاج، وتفعيل الاِنتاج وبناء اِقتصاد وطني شامل، من جهة، ومن ضرورة التكامل بين القطاع الخاصّ، والقطاع العامّ اللَّذَيْن من شأن الدورة الاِقتصادية القائمة على ثلاثية [الإنتاج- والتبادل- والتوزيع]، من جهةٍ أخرى، إلى ضرورة العدل في توزيع الثروة. فتنقلب المسألة رأساً على عقب. وهكذا، تستمد الدولة وجودها، ومبرر وجودها من مدى نجاحها في التوزيع العادل. يتمثَّل التناقض في البِنيَة هذه في: من جهة، اِستحالة اِنتقال الثروة من الاِستهلاك إلى الاِستثمار لأسباب تتعلَّق بغياب وحدة القرار؛ ومن جهةٍ أخرى، ضرورة بناء اِقتصاد وطني شامل يقوم على ثُنائيَّة [الإنتاج- والاِستثمار]. 

وهكذا، يترتب على ذلك، في حقل العلاقة بين توزيع الثروة، وضرورة بناء اِقتصاد وطني، حقلان متمايزان- متباينان، يتمثلان في الآتي:

II-I- حقل العلاقة مع الخارج، اِنطلاقاً من اِستحالة وحدة القرار الوطني، ضمن أزمات اِقتصادية ناتجة عن مؤسسة الفساد والإفساد، 

II-II- حقل العلاقة مع الداخل، اِنطلاقاً من ضرورة بناء اِقتصاد وطني، ضمن أزمات اِقتصادية ناتجة عن اِختزال الاِقتصاد الوطني في سياسة التوزيع: توزيع الثروة الوطنية. 

[V]

III- في بِنيَة السياسة، تُحدَّد المسألة اِنطلاقاً من حقل السلطة، والصراع على السلطة من جهة، ومن الشرعية المجتمعيَّة للسلطة، والمشروعية القانونية لها، من جهةٍ أخرى؛ على نحو بحيث تنتقل المسألة من هذا الأخير، إلى ضرب من ضروب اِختزال الشرعية المجتمعيَّة، والمشروعية القانونية للسلطة، في جزء، أو مكوِّنٍ، أو مصدر بعينه من مصادرهم المختلفة والمتعدِّدَةِ والمتنوِّعة. 

فيترتب على ذلك، في حقل العلاقة بين الشرعية المجتمعيَّة، والمشروعية القانونية، اِتجاهان متنافران- متمايزان يتمثلان في: 

III-I- حقل العلاقة بين السلطة والمجتمع، وضرورة توفير شرعية مجتمعيَّة، يستحيل أن تُختزلَ في نتائج صناديق الاِقتراع في ظل التناقض البنيوي الأصليّ للديموقراطية، والنسب المتدنية للمشاركة في الاِنتخابات؛ اِنطلاقاً من [اِختزال- المجتمع- في- المجتمعيِّ] الذي يتطابق مع إرادة السلطة. 

III-II- حقل العلاقة بين السلطة والقانون بوصفه قد صار الاِتفاق في [المجتمعيِّ- الكُلِّيّ] على طبيعة ممارسة الاِختلاف، والتعدُّد، والتنوع؛ وضرورة التوفُّر على المشروعيَّة القانونية. 

[VI] 

وحينما تُمارس الديموقراطية على صعيد المجتمع، ولا تُمارس على صعيد الدولة، بواسطة شتى الوسائل التي، في [صيرورة- المجتمعيِّ] تُنتِج دولةً تُمارِسُ مؤسساتها، والحكم على مؤسساتها، الديموقراطيةَ، نكون أمام تناقض بنيوي داخل الدولة يتمثَّل في، من جهة، دولة لم تتوفَّر السلطة فيها بعد على شروط إمكان ممارسة الديموقراطية؛ ومن جهةٍ أخرى، ضرورة أن تتحول الدولة، وممارسة السلطة فيها إلى دولة ديموقراطية.

[VII] 

ماذا يترتب على هذا التناقض البنيوي؟ وكيف يتجسد ذلك في مؤسسة المؤسسات المجتمعيَّة، أي الدولة، والمؤسسات الثلاث الفرعية داخلها: أي التعليم، والإنتاج، والعسكر، التي لا تقوم عمليَّة بناء الدولة- وعملية بناء المجتمع إلاَّ عليها؟ 

بما أن التعليم يرتبط بإعادة إنتاج المجتمع نكون أمام تعليم يندرج ضمن [إعادة- إنتاج- مؤسسة- الفساد- لذاتها]. 

بما أن [الإنتاج- والاِستثمار] يرتبط بزيادة إيرادات الدولة نكون أمام [إنتاج- واِستثمار] يرتبط بتمويل، وإعادة تمويل مؤسسة الفساد، والإفساد في الدولة. 

بما أن العسكر يرتبط بالقوة الدفاعية للدولة على الضدِّ من أي تهديد خارجي أو داخلي، نكون أمام عسكر يتربط بآيديولوجيَّات مختلفة، من ضمنها آيديولوجيا الدولة، وليست، هذه الأخيرة، هي الآيديولوجيا التي من شأن الدولة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top