TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > مات عزت مصطفى !

مات عزت مصطفى !

نشر في: 27 أغسطس, 2014: 09:01 م

اذكروا محاسن موتاكم... تلك وصية رائعة ، تكتسي حساً انسانياً رقيقاً ، وتكشف عن حمولة أخلاقية سامية، ولا شك إنها تشكل احد مداخل الفكر الأخلاقي العظيم لبناء مجتمع فاضل ، مبني على مبادئ احترام الذمم ، وتكريم الفضيلة ، وتعزيز الإحساس الحقيقي بالجمال والخ

اذكروا محاسن موتاكم...

تلك وصية رائعة ، تكتسي حساً انسانياً رقيقاً ، وتكشف عن حمولة أخلاقية سامية، ولا شك إنها تشكل احد مداخل الفكر الأخلاقي العظيم لبناء مجتمع فاضل ، مبني على مبادئ احترام الذمم ، وتكريم الفضيلة ، وتعزيز الإحساس الحقيقي بالجمال والخير والعدل ، وهي وصية نبوية كريمة تؤسس لمبدا أصالة الإنسان ، هذا المخلوق الكريم ، وكان رسول الله صلى الله عليه واله وصحبه الميامين حريص كل الحرص على ذكر و استعراض فضائل ومكارم حتى الذين يخالفونه المعتقد ، بل الذين يرفضون الاعتراف ببنوته ورسالته ، وهاهو يمتدح بلسانه العذب النجاشي لان له فضلا على الدعوة الاسلامية ، وهو الإمبراطور المسيحي الدين ، بل حامي المسيحية وراعيها ، ويترحم عليه ، ولم ينس حاتم الطائي لكرمه وجوده ، فكان كثير المدح والإشادة به ، وليس من الصحيح ان نتعافل عن قوله الجميل : ( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام ) ، ولأني اؤمن بالتفسير التأويلي البعيد المدى ، فاعتقد ان المصطفى الحبيب إنما يرمي الى ان يلهمنا معنى عميقا شفافا جميلا للإسلام ، فهناك مسلم وإن لم ينتم لهذا الدين، انه الانسان الأخلاقي الشفاف ، الذي آمن بمكارم الأخلاق وعمل على تطبيقها ، وساهم في تبنيها ونشرها وتعليمها ، اليس النبي هو القائل : ( جئت لأتمم مكارم الأخلاق ) ، فما هو عنوان الانسان الذي تحكمت مبادئ الأخلاق الإنسانية في سلوكه وتصرفه ومعاملاته الاَّ كونه مسلما وإنْ لم ينتم ؟ أليس هو أسس تلك الحكمة النظرية/ العملية التي تهز الضمير ، وتشغل الفكر بمعاني هذا الدين ،اي بمعنى الإسلام وروحه وجماله وفكره وجوهره ، وذلك حينما سئل عليه رحمات الباري عز وجل عن معنى الدين ، فأجاب طاب فمه العذب العسلي الشفاف ( إنما الدين النصيحة ) ، وفي رواية (انما الدين المعاملة ) ، أعطوني معنى للدين بمثل هذا الإعجاز الانساني الكريم ، أعطوني معنى للإسلام بمثل هذه الرؤية الانسانية الضاربة الجذر بالحق الإنساني ، والضاربة الجذر بأهمية بل وبأسبقية الأخلاق على كل شيء ، على كل شيء ، وهل هي الّا جرأة إلهية على تشخيص معنى الإسلام الاّ بالجوهر والغاية والهدف؟
عزت مصطفى (رحمه الله) كان الثالث في تسلسل قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في فترة احمد حسن البكر ، وكان يعمل سريا ضد صدام ، وقبل هذا وذاك كان ممول الحزب ، ومن رواده القدامى ، هذا الرجل لم يؤثر عنه انه كان قاسيا ، بل متعاطفا مع الفقراء والمساكين ، وكل ما قيل عنه وقالوا فيه ، تبقى وقفته الشجاعة عندما رفض التصديق على أحكام الإعدام بحق شيعة علي ابن أبي طالب المنتفضين في رجب ، مما احنق صدام عليه ، ووصفه بالتخاذل والهشاشة ، بل حتى بالشعوبية ، وهو البعثي السنّي العاني ، وطرده من الحزب وابعده الى قرية نائية ، موظفا عاديا ،ثم حجر عليه ، وبقي سجين بيته ، حتى وافته المنية قبل أيام في ماليزيا.
لقد تسبب صدام في ظلم عائلته انتقاما من موقفه الشجاع حتى حرم ابنته الطبيبة من التوظيف ، لولا عراقي شيعي كان محسوبا على الحزب ، ولكنه تسلح بشجاعة الفاضل الطيب ، فتبنى توظيفها متحملا كل المسؤولية ، فيا لها من وقفة تحسب لهذا الشيعي البعثي ، انها أخلاق الإسلام ، فذاك بعثي سنّي من عانة ، وهذا شيعي بعثي من الكرادة ، فياله من مثل كريم ، وما اكثر البعثيين الذين وقفوا وقفات بطولية بوجه صدام ، وهل ننسى عبد الحسين المشهدي ، وراجي التكريتي ،والدكتور رياض الذي رفض اتهام ايران بانها ضربت الجنود العراقيين بالكيماوي كي يبرر مسؤوليته عن قتل الاف العراقيين في الحرب التي شنها صدام حسين على الجمهورية الاسلامية ، فاستحق الإعدام علي يد صدام ، وإن انسَ فلا انسى ما كان للدكتور عزت مصطفى عندما ساهم في اطلاق سراحي من سجن صدام حينما كان وكيلا لوزارة الداخلية في حينها ،ولولا وقفته هذه لكنت ممن حكم عليهم صدام بالإعدام في تلك الفترة.
أطالب الدكتور العبادي ان يلتفت الى هذه الشخوص ، ويكرمها بما تفرضه القيم ولا تتعارض مع الدستور ، والضمير من وراء القصد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ابو اثير

    قال الشاعر ( أذا انت أكرمت الكريم ملكته وأذا أكرمت اللئيم تمردا ) سيدي الكريم من هذه الواقعة والحدث الذي سردته في مقالتك يثبت ان السني والشيعي شخصان في روح واحدة لا يمكن ان تنفصل واحدة عن الأخرى مهما بذل الحاقدون والطائفيون والظلاميون من محاولات لوأد هذه

  2. منذر هاشم

    سيدي الكريم الاستاذ غالب حسن الشابندر أحترم ما تظن به ولكنك خلطت بين السياسة والسياسي والسنة والشيعة وبالنبي محمد. مشكلتنا في خلط الأمور هي أساس ما نحن عليه الآن غير هذا يرجعنا دائماً الى الصفر الدكتور عزت مصطفى كانت له أكيد مواقفه الجيدة وقد يكون له غيره

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram