لم يكد الحاج اسماعيل ابراهيم يسمع سؤالنا عما بقي من تراث الأعظمية وتقاليد اهلها حتى قال بصوت متهدج وحزين: لقد اندثرت البيوت التراثية مع اهلها الذين رحلوا ولم يكونوا يتوقعون ان تتحول دورهم الى مجرد اطلال او مجرد خرائب تعيث بها الجرذان .. سألت الحاج اس
لم يكد الحاج اسماعيل ابراهيم يسمع سؤالنا عما بقي من تراث الأعظمية وتقاليد اهلها حتى قال بصوت متهدج وحزين: لقد اندثرت البيوت التراثية مع اهلها الذين رحلوا ولم يكونوا يتوقعون ان تتحول دورهم الى مجرد اطلال او مجرد خرائب تعيث بها الجرذان .. سألت الحاج اسماعيل وهو يهم بالدخول الى جامع خطاب في منطقة الشيوخ عن عمره فقال: تجاوزت التسعين لكني لم ابلغ المائة وقال تعال لأريك بعض ما حل بدور ربما يتجاوز عمرها المئة عام واكثـر فاصطحبنا الى أحدها وهو ليس ببعيد عن الجامع ..
سقوط الطابق العلوي
على مقربة من الجامع ثمة احد تلك الدور التي نال منها الزمن والإهمال، فتاريخ البناء المنقوش على طابوقه غابت معالمه بسبب القدم. الحاج اسماعيل اشار الى سقف البيت والخشب المزخرف والشناشيل التى تآكل الكثير منها حتى باتت آيلة للسقوط ، لكن البيت مازال يتمتع بمسحة من الجمال التراثي. ابراهيم ،احد افراد العائلة التي تسكن البيت التراثي، ذكر انه يعود لجده والد والدته ، قال لـ(المدى): نسكن الطابق الأرضي لأن العلوي آيل للسقوط، وفي التسعينات عرضت علينا احدى الشركات المتخصصة بالتراث شراء الشناشيل وبعض اجزاء البيت ،لكن، وبحسب معلوماتي فقد اعترضت جدتي اعتزازاً بالبيت. مردفا: وياليتها وافقت ربما كنا حافظنا على ما بقي منه. مبيناً: ان القوارض تجهز على مابقي من أسس الدار ولولا طراز البناء القديم الذي يعتمد على عرض الحائط لكان البيت قد سقط من سنين !! .
زورونا بالشهر مرة ؟
وبشأن مدى الاهتمام من الجهات المعنية بالتراث بيّن: ليس هنالك من اهتمام يذكر بشيء اسمه التراث، الأمر الدي دفع الكثير لبيع دورهم القديمة لتتحول الى وحدتين سكنيتين او اكثر بحسب المساحة، فقد صار التفكير تجارياً . وعن مستوى الخدمات البلدية تحدّث المواطن زهير القيسي من منطقة الشيوخ موضحا: اعتقد ان مجرد رمي النفايات واكياس القمامة في جانب من المتنزه الذي تحول الى مكب نفايات يشكل صورة عما نعانيه. مردفاً: الغريب ان موقع قاطع دائرة البلدية قرب المتنزه لكنهم لم يحركوا ساكناً!! متابعا: من لايعرف ظروفنا قد يحمّلنا مسؤولية رمي اكياس القمامة في الارض التي كانت متنزهاً لكن ماذا علينا ان نعمل اذا كانت سيارة جمع النفايات لاتزورنا حتى ولو بالشهرة مرة ؟!
بيوت الوقف السُني
في منطقة "الحارة" لم تكن الأوضاع بأفضل من غيرها حيث تجمع مياه الامطار للايام السابقة ما زال يحتل مساحات من ازقة المحلة، اذ بينت الحاجة ام فاروق: لقد تم استملاك المئات من الدور في المنطقة من قبل الوقف السُني ضمن مشروع تطوير صحن جامع الإمام ابي حنيفة من دون المباشرة بالمشروع ما انعكس سلباً على المنطقة من حيث الخدمات البلدية وبشكل خاص المجاري وربما أزالتها الدوائر البلدية من خططها .. فيما ذكر سليمان العبيدي: بصراحة فإن الدور التي استملكها الوقف السُني شغلت من قبل بعض العوائل النازحة والقليل منها تهدم بسبب تركه وهنالك من ينتظر ان يشتري الوقف داره بعد انتهاء الأزمة المالية التي اثرت على المنطقة التي يمكن ان نقول عنها انها مهملة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. مضيفاً: فلا ادامة لشبكات المجاري ولا مركبات لرفع النفايات وطبعا العذر الآن جاهز: تخصصيات مالية قليلة !!
مناشدة الى قيادة عمليات بغداد
كان لابد من التوجه الى سوق الأعظمية القريب من جسر الأئمة الى مقهى حلومي ( تصغير اسم عبد الحليم ) حيث التقينا بجوارها خالد العزاوي ،ابو وليد، الذي قال: هذا السوق بمحاله المتنوعة ومطاعمه هو قلب الأعظمية ونادراً ما لم يزره من يدخل بغداد. مستدركا: لكن هذا السوق تكاد حركته ان تشل بسبب موقع سيطرة القوات الأمنية الحالية حيث اثرت على حركة السوق والمنطقة ..
واضاف العزواي: نحن مع اي اجراء امني يحافظ على المنطقة غير اننا نتمنى ان تراعى ايضا وتؤخذ بالاعتبار آراء اهل المنطقة . متابعا: فهذه السيطرة كانت في رأس جسر الأئمة سابقا ولم نشتكِ من وجودها او نتذمر غير انها ومنذ ان تحولت الى مكانها الجديد مقابل الساحة المقابلة لجامع ابي حنيفة (ماتت المنطقة جميعها وليس السوق فقط ). اصحاب المحال وبعض المواطنين ايدوا رأي ابو وليد ورجونا رفع مناشدتهم من خلال (المدى) الى قيادة عمليات بغداد .
فيما اشار المواطن خالد سليم الى اهمال الشوارع وعدم اكسائها ما ولد مطبات كثيرة في منطقتي النصّة والشيوخ خاصة وان ازقتهما ضيقة فأي مطب يعني زيادة الاختناقات المرورية. مضيفا: ان عملية الترقيع لاتنفع لانها تبذير مواد ومبالغ فقط !
استثمار القصر الرئاسي
في منطقتي السفينة والجرداغ التقينا د. سلام الآلوسي الذي بين لـ(المدى): لابد من الحداثة ان تأتي على القديم خاصة وان الاتجاه العام صار النفع التجاري دون اكتراث للتراث والهوية. موضحا: ان المنطقة في طور الاحتضار لعدم وجود دائرة معنية بمناطق بغداد التراثية بل مناطق العراق اجمع. عاداً ذلك احد اسباب اضمحلال المناطق التراثية واهمالها.
واضاف الآلوسي: بصراحة لاتوجد رؤية عند الحكومة كما يبدو للاستفادة مما موجود في الاعظمية او سواها ومن الأمثلة على ذلك القصر الرئاسي الواقع على نهر دجلة حيث يفترض ان يحوَّل الى موقع يمكن ان يدر الأرباح اذا ما استثمر سياحيا بشكل صحيح. مستطردا: كان سابقا ثكنة او مقرا لوحدة عسكرية اما الان فهناك جزء منه مكتوب عليه دائرة الشؤون الثقافية وقسم اخر منح لنقابة الصحفيين ولا ندري لمن منحت الأقسام الأخرى!!.
كورنيش الأعظمية وشارع عشرين
وفيما يخص كورنيش الأعظمية اوضح الآلوسي: للكورنيش مكانة خاصة في نفوس البغادة جميعا: مستدركا: لكنه للاسف مهمل ايضا خاصة الاجزاء التي ظلت عائديتها للعاصمة والتي تفتقر لكل شيء. مشيراً الى: المساحات التي تم استثمارها من قبل القطاع وكيف تحولت الى حدائق ومقاه ومطاعم. منوهاً الى: الأسعار المرتفعة التي لاتسمح للكثير من العوائل ذات الدخل المحدود اوالفقراء من دخولها والتمتع بأبسط حقوقهم منوهاً الى: ان اغلب دول العالم تنشئ في الحدائق العامة بعض الأماكن الترفيهية البسيطة لعامة الشعب خاصة العاب الاطفال، اضافة الى اجهزة لممارسة الرياضة في الحدائق العامة.
وعند تجوالنا في شارع عشرين التقينا المواطن مازن الطائي الذي بين لـ(المدى): يعد شارع عشرين من الشوارع القديمة والمهمة. مستدركا: لكن كما تلاحظ فانه مهمل من جميع النواحي وبصراحة فقد كان متألقاً في الخمسينات والستينات . لافتاً الى : الفوضى في انشاء المحال والمقاهي والمطاعم والتجاوزات التي اربكت الحركة والتنقل عبره. مؤكداً: نحن كمواطنين نتحمل بعض تبعات التشويه لهذا الشارع لكن بشكل عام نحن لم نلمس جهدا او اهتماما حكوميا يشجعنا على ان نقتدي به ..
شارع الأخطل وهروب العشّاق
من شارع عشرين انتقلنا الى شارع عمر بن عبد العزيز وشارع الأخطل اللذين كانا نموذجين من حيث التشجير، اما الأن فالحديث يبعث على الأسى كما يقول المواطن وعد عبد اللطيف مشيراً الى ان شارع الأخطل كان يسمى شارع العشاق لكثرة الأشجار الوارفة فيه التي تبعث على البهجة. مشيراً الى: تميزه بعدة خصال اخرى منها وجود كلية بغداد التي كان يدرس فيها الطلاب من الابتدائية حتى الإعدادية. مشدداً: انه لايقبل فيها الطالب الا بعد سلسلة اختبارات وكانت بحسب معلوماتي تدار وتشرف عليها الكنيسة وتضم دوراً ومساكن للقساوسة والرهبان كما كانت تضم صفوة المعلمين والمدرسين الى ان استولى عليها النظام السابق .. مسترسلاً بأسى: انظر الى شارع الأخطل وراجع صوره القديمة عندها لايمكن الا ان تشعر بمدى الانحدار في الخدمات مقابل التطور العمراني الذي نعيشه حالياً والدي جاء على حساب التراث.
التعايش السلمي بين سكنة الأعظمية
في شارع الضباط لم نستدل على بيت المرحوم عبد الكريم الجده الذي كان آمراً للانضباط العسكري إبان ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة بسبب التغيرات العمرانية في المباني. وقرب جامع العساف تحدثنا مع الحاج غازي سليم الذي قال: لم يبق من الشارع غير الاسم فقد اجهزت على معالمه العمارات التجارية والأسواق. مضيفا : غير ان المنطقة نسبياً افضل من غيرها من حيث الخدمات بسبب شوارعها العريضة اصلا .. وهي منطقة حديثة قياساً بمناطق الأعظمية القديمة. مستذكراً: صور التعايش الأهلي خاصة في منطقة راغبة خاتون حيث كان اخوتنا من مناطق العمارة والناصرية والبصرة يسكنون الصرائف خلف السدة قبل ثورة تموز 1958 في حين كانت محال الإخوة الأرمن تزخر بأنواع بيض ودهن العرب الذي كانوا يشترونه من مناطق الفحامة والراشدية والكريعات .. مشيرا الى انه لم يبق من الماضي الا القليل القليل مع الأسف .
خدمات ليست بمستوى الطموح
كان علينا بعد هذه الجولة ان نتوجه الى المجلس المحلي للأعظمية وهناك التقينا برئيس المجلس هيثم النعيمي الذي طرحنا عليه مشاهداتنا وبعض احاديث الناس فقال لـ(المدى) : يمكن القول ان الخدمات قبل عام 2009 كانت جيدة، ربما ليست بمستوى الطموح لكنها كانت تغطي جزءا كبيرا من احتياجات اهالي الأعظمية. مستدركا: لكنها مع الاسف اخذت بالتناقص تدريجيا لتصل الى ماهي عليه حاليا بسبب الموازنة وعدم وجود تخصصيات مالية لدوائر البلدية فكل مشروع يحتاج الى مبالغ لانجازه وهنالك مشاريع محالة لكن توقف العمل بتنفيذها بسبب الأزمة المالية. منوهاً الى ضرورة تخيصيص عدد من عمال التنظيف وصرف مرتباتهم . متسائلاً: فكيف يعمل من كان يتقاضى ( 300 ) الى ( 150) الف دينار ؟ اما فيما يتعلق بشبكة الماء فقد تم تنفيذ شبكة حديثة للمنطقة قبل الأزمة المالية.
بيت رشيد عالي الكيلاني
واضاف النعيمي: لوكانت هنالك تخصصيات مالية لاقترحنا تحسين شبكة المجاري المهترئة التي انشئت منذ الستينات وتبليط الطرق. موضحا ان: هنالك مشكلة تعاني منها الدوائر البلدية هي عدم وجود آليات متخصصة كافية فمثلا من مجموع ست كابسات تعمل اثنتان فقط والأربع الباقية عاطلة !! وفي ما يخص التجاوزات فاظن انها مشكلة جميع مناطق بغداد وتحتاج الى معالجات جذرية وواقعية تضع حد نهائي لها .
اما في ما يخص الدور التراثية، فقد بين رئيس المجلس المحلي: فلنترك جانبا بعض الدور التي يشغلها اهلها وتم بيعها او بانتظار فرصة مناسبة للبيع لمواقعها المتميزة ولنأتِ على بيت رشيد عالي الكيلاني مثلاً. مبينا: انه كان في التسعينات روضة ومدرسة ابتدائية والان فيه حارس من السياحة ونفس الشيء بالنسبة لقصر شعشوع الذي كان قصرا فخما للوالي العثماني واشتراه التاجر اليهودي شاؤول شمعون وسكنه الملك فيصل الاول. متابعا: هذا القصر برأي ساكنيه عائلة بُنية يحتاج الى رعاية جهة متخصصة، صحيح انه يحظى بصيانة مستمرة من قبل مالكيه لكن هذه الصيانة قد تفتقد اللمسة التراثية الفنية ..