قانون الأحوال الشخصية الجعفري من منظور سيكولوجي

آراء وأفكار 2017/11/05 12:01:00 ص

قانون الأحوال الشخصية الجعفري من منظور سيكولوجي

الحدث.. وحيثياته
في 23 تشرين الثاني 2013، أنجز وزير العدل السيد حسن الشمري مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري الذي جاء امتثالاً لمرجعه السياسي والفقهي السيد اليعقوبي المحترم ، مع أن المسؤولية تفرض عليه أخذ رأي مجلس القضاء الأعلى باعتباره الجهة التي تدير شؤون القضاء، وبسببها تعرض الى نقد لاذع واتهام بأن " يجر البلاد الى حرب طائفية"، ونجح السيد ممثل حزب الفضيلة بإقراره الآن في (2017 ). وينص هذا القانون على السماح بالزواج للصبي الذي أكمل الخامسة عشرة والبنت التي اكملت التاسعة من العمر. وجاءت حيثياته بأن قانون الأحوال الشخصية النافذ لسنة 1959 يتعارض مع الفقه الشيعي. وكان قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 قد حدد الزواج بمن أكمل الثامنة عشرة، ومنحه حرية اختيار المذهب الذي ينتمي اليه.وجاء في اسبابه الموجبة "عدم وجود احكام شرعية للأحوال الشخصية يجمع من اقوال الفقهاء ما هو المتفق عليه في قانون واحد".. فجمع تلك الآراء الفقهية لمكونات الشعب العراقي وطوائفه، فيما القانون الجعفري حدد ذلك بمذهب واحد في مجتمع متعدد المذاهب والأديان، مع أن قانون 1959 استند الى احكام وثوابت الشريعة الإسلامية ومزج فقه المذهبين الشيعي والسنّي، وجرت عليه تعديلات في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وصار مرجعاً لجميع المذاهب الاسلامية في العراق، وكان منسجماً مع الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور، بعكس قانون الأحوال الجعفري الذي يتعارض مع المادة 14 من الدستور العراقي والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة والطفل، والمادة ( 43 ) منه التي منحت أتباع كل دين أو مذهب الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية بما فيها الشعائر الحسينية.


تحليل سيكولوجي
كانت التقارير الصادرة من وزارة التخطيط عام 2013 أفادت بأن العراق يحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية من حيث نسبة زواج القاصرات. ولهذه الظاهرة الاجتماعية أسباب يشترك فيها المجتمع العراقي مع المجتمعات العربية وأخرى ينفرد بها. فالعراق عاش 37 سنة حروباً كارثية مع (ايران، الكويت، امريكا، التحالف الدولي) تبعتها حرب طائفية لسنتين (2006-2008 )، وتفجيرات إرهابية، وميليشيات.. راح ضحيتها الملايين من العراقيين بين قتيل ومفقود ومعوق ومهاجر.. تركوا وراءهم بنات قاصرات بلا معيل.. فضلاً عن حصار اقتصادي استمر ثلاثة عشر عاماً أكل فيها العراقيون خبز النخالة. ولهذين السببين (الحروب وعسر الحال) اضطر عديد من الأسر العراقية الى حرمان بناتهن من الدراسة وتوجيههن الى سوق العمل أو الخدمة في البيوت، أو تزويجهن من رجل ميسور الحال وأخذ (المقسوم) من مهورهن. وكان للنظام السابق دور في ذلك بتشجيعه الزواج المبكر وإقامة حفلات الزواج الجمعي للشباب ومنحهم مكافآت واشاعة الشعور بالترحيب به عبر تلفزيون (الشباب) بوصفه فضلاً أو مكرمة من الحكومة مع أنه كان يضم قاصرات لا تسمح القوانين بزواجهن، لكن النظام السابق شجعها وأصدر قراراً في حزيران 2001 ، جرى الترويج له في ظل انعدام وجود منظمات معنية بحقوق الإنسان.
اما الأسباب التي يشترك فيها العراقيون مع اشقائهم، فإن المزاج العربي يميل الى الزواج من الفتيات الصغيرات في السن لاسيما في أرياف البلدان العربية، وإن التقاليد العربية تشجع عليه، وتروج له في أغانينا وأشعارنا، بل حتى في تعابيرنا، فنحن نصف بنت الـ (14سنة) بالقمر في ليلة اكتماله.. كيف يكون مدوّراً وجميلاً في ليلته الرابعة عشرة.. وهذا ناجم عن المنظور العربي للمرأة الذي يختزل وجودها الى وعاء للجنس، وانه كلما كان الجسد غضّاً كان امتع حتى لو كان خامد المشاعر أو مستسلماً لحاجة مادية أو دفعاً لأذى. وفي الزمن الديمقراطي، كان يفترض أن تقل نسبة زواج القاصرات لظهور منظمات نسوية وأخرى مدنية تدافع عن حقوق المرأة، لكن واقع الحال يشير الى انها زادت بعد التغيير، وإن كثيراً من الميسورين تفننوا في ابتكار وسائل (شرعية) للزواج من قاصرات.. وأن بعضهم يتزوجون ويطلّقون مرات في السنة الواحدة!..وهو اتهام مشروع بأن هؤلاء الفاسدين سياسياً وغير الناضجين عاطفياً والمراهقين عاطفياً كانوا وراء تشريع واصدار قانون الأحوال الجعفري. إن الدراسات الطبية والسيكولوجية تؤكد أن لزواج القاصر أضراراً فادحة، ليس فقط لعدم اكتمال نضجها البيولوجي والفكري، بل ولأنه غالباً ما ينتهي بالطلاق لعدم ادراك القاصر لمسؤولية الزواج. واللافت أن كثيراً من جرائم الشرف التي اشارت التقارير الى تزايد حاد بلغ 700 حالة في السنة!..كانت بين قاصرات أرغمن على الزواج أو هربن من بيوت اهليهن. فضلاً عن أن زواج القاصرات يعد جريمة في نظر القانون الدولي الخاص بحماية الأطفال ومعاهدة حقوق الاطفال التي تعدّ زواج القاصر حرماناً لها من حق التمتع بمرحلة الطفولة وحق التعليم.. والعراق من الدول الموقعة عليها. والمفارقة أن الحكومة العراقية الحالية دعت على لسان السيد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي الى عراق موحّد بعد الانتصارات التي تحققت بدحر الإرهاب، فيما قانون الأحوال الشخصية الجعفري يعمل على تفكيك مكونات المجتمع العراقي التي احدثتها المحاصصة السياسية. فالمذاهب السنية الأربعة ستطالب بأربعة قوانين احوال شخصية: حنفي، شافعي، مالكي ، وحنبلي..وكذلك الأيزيدية والشبك وباقي الأقليات.. والأمر يتطلب استحداث محاكم للأحوال الشخصية بعدد قوانينها.. وفي كل ناحية وقضاء ومركز محافظة! ليزيدوا تعميق الفرقة النفسية والاجتماعية والدينية والمذهبية حتى بين اتباع المذهب الواحد! مبارك للسياسيين الشيعة ومناصريهم لقانون الأحوال الجعفري.. فبه شرعنوا الزواج بطفلة في الثالث الابتدائي لا نجد لمن يفعلها وصفاً غير أنه مريض نفسياً، فيما سيكون مختلاً عقلياً إن وافق على تزويج ابنته بعمر التاسعة.

تعليقات الزوار

  • د. روضان بهية داود

    مما يؤسف له حقا أن يركز البعض من الكتاب الذين تناولوا (قانون الأحوال الشخصية الجعفري) على نقطة محددة وهي تزويج القاصرات ويدعون لنسف القانون برمته وكأنه لاحسنة فيه وكله مساوئ ، وأكاد أجزم ان دوافع هؤلاء طائفية بامتياز وانا هنا لاادافع عن زواج القاصرات بل ا

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top