المثنّى والبصرة تمضيان باعتصام مفتوح رغم الحظر الحكومي على نصب السرادق والطعام

المثنّى والبصرة تمضيان باعتصام مفتوح رغم الحظر الحكومي على نصب السرادق والطعام

 بغداد/ وائل نعمة

استفزّ قاضٍ في جنوب العراق مجموعة من المحتجّين المعتقلين على خلفيّة التظاهرات، بسؤاله لهم: "لماذا تتظاهرون"؟، بينما كانت الإصابات واضحة على وجوه وأجساد بعضهم نتيجة لتعرضهم للضرب في مراكز التحقيق لإجبارهم على الاعتراف بأنهم "مخرّبون".

بالتزامن مع ذلك، قضى رفاق لهم، يتجاوز عددهم الـ1000 محتجّ في السماوة جنوبي البلاد، ليلة أول من أمس على الرصيف أمام المؤسسات الحكومية في المحافظة، بعدما منعت القوات الأمنية دخول الخيم والطعام الى موقع الاعتصام، في وقت سرب فيه بعض الضباط الماء الى المتظاهرين خلافاً لأوامر قادتهم.
وفي البصرة حامت دبابات هذه المرة حول المتظاهرين الذين قرروا التراجع عن إقامة اعتصام مفتوح وسط المدنية، استعداداً لتظاهرات واسعة الأحد المقبل، قد يقررون بعدها البقاء في الشارع لحين تنفيذ مطالبهم في توفير الخدمات وفرص العمل، فيما بقي المعتصمون ملتزمين أمكانهم في شمال المدينة مقابل حقول النفط.
وقُتل حتى الآن 14 محتجّاً منذ بدء الاحتجاجات في الثامن من تموز الحالي في مدن متفرقة من جنوب العراق. وقالت مفوضية حقوق الإنسان العراقية إن 4 متظاهرين قتلوا في السماوة وثلاثة في البصرة، إضافة إلى ثلاثة في النجف واثنين في كربلاء وسط البلاد.
كذلك قُتل خلال الاحتجاجات متظاهران اثنان في محافظتي الديوانية وبابل، فيما أصيب 275 متظاهراً و470 عنصراً أمنياً بجروح في مدن مختلفة، بينما وصل عدد المعتقلين الى 828 متظاهراً، ثم أُطلق سراح غالبيتهم.
وقُتل متظاهر واحد على الأقل برصاص القوات الأمنية في البصرة، فيما توفي أحد المتظاهرين في النجف إثر إصابته بحالة اختناق جرّاء تعرضه للغاز المسيل للدموع خلال تفريق تظاهرة،على وفق مصادر طبية.
والمتظاهرون الآخرون سقطوا برصاص مجهول المصدر يعتقد أنه صادر عن أسلحة حمايات المقار الحزبية في المحافظات، فيما أشارت السلطات منذ أسبوعين إلى وجود "مندسّين" بين المتظاهرين. وطالبت مفوضية حقوق الإنسان رئيس الوزراء حيدر العبادي بـ"الابتعاد عن العنف والاعتقالات العشوائية، والاستجابة للمطالب المشروعة للمتظاهرين (...) وفي الوقت ذاته، طالبت المتظاهرين بالتصرف بشكل سلمي".
ومؤخراً، دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، السلطات العراقية إلى وقف "قمع" المتظاهرين المشاركين في الاحتجاجات بالبلاد، وقال الصدر الذي لم ينخرط أتباعه في الاحتجاجات، في تغريدة نشرها على "تويتر" الجمعة الماضية: "فساد ثم ظلم ثم قمع ثم غاز ثم ضرب ثم يتبع فجريح وقتيل.. وأسير في سجون الظلم يقبع.. يا قيادي.. يا سياسي أتظن ؟! لا علي.. لا حسين.. لا ولا حتى عمر.. لك يشفع .. أصلح الحكم.. فصوت الشعب يسمع.. صوت مظلوم من الحر فزع.. صوت مظلوم من الفقر جزع.. كفاكم قمعاً للمتظاهرين".
وبدأ المتظاهرون في جنوب البلاد بتطوير أساليب الاحتجاج، كما كانت مرجعية النجف قد توقعت ذلك في الخطبة الأخيرة الجمعة الماضية، حيث امتنع شباب في السماوة ليلة الأحد، عن الانسحاب من ساحة التظاهر في وسط المدنية، وقرروا المبيت في الشارع في اعتصام مفتوح لحين تحقيق مطالبهم.
اعتصامات بلا خيم
ويقول عبيدة محمد عضو اللجنة التنسيقية لتظاهرات المثنى في اتصال هاتفي مع (المدى) أمس، إن "نحو 1600 محتج متواجدون منذ ليلة أول من أمس في ساحة الاحتفالات وسط السماوة، أمام مبنى المحافظة ومجلس المحافظة، ولن ينسحبوا من دون تحقيق الحد الأدنى من المطالب".
ويطالب المحتجون في المثنى بتوفير الخدمات وفرص العمل، فيما زادوا عليها محاسبة الضباط وقائد الشرطة والمنتسبين الذين تسببوا بمقتل 4 من زملائهم وجرح 62 آخرين في تظاهرات أقيمت في منتصف تموز الحالي.
وتحاول القوات الامنية، بحسب اللجنة التنسيقية، إيجاد فرصة للاحتكاك مع المعتصمين، حيث تتجول داخل الساحة بشكل مستمر، فيما أكد عضو اللجنة أن الأخيرة "منعت دخول الخيم أو الطعام، لذلك نمنا على الرصيف ونستغل المسقفات في الساحة للاحتماء من الشمس".
وبعد مفاوضات مع القوات الامنية، سمحت أخيراً بإدخال الماء والطعام، فيما قال محمد إن "بعض الضباط كانوا قد اشتروا قناني ماء على حسابهم وسرّبوها الى المعتصمين، وهو أمر يمنعه قادتهم بشكل تام". وكانت القوات الامنية قد أصدرت قوائم بأسماء أشخاص شاركوا في الاحتجاجات وتم اعتقال بعضهم من منازلهم.
واعتقلت القوات 72 شخصاً في أول يوم من التظاهرات التي انطلقت في الأسبوع الثاني من الشهر الحالي، و50 شخصاً بعد ذلك. وقضى المعتقلون بين 24 ساعة و6 أيام في مراكز الاحتجاز قبل أن يُفرج عنهم. وأضاف عضو اللجنة التنسيقية إن "بعض المعتقلين تعرضوا للضرب لإجبارهم على الاعتراف بأنهم مخرّبون، لكن لم يتأكد ذلك لدينا بشكل رسمي، لأن المفرج عنهم يخشون التحدث بشكل علني خوفاً من الملاحقة".
ويتّهم المتظاهرون عناصر تابعة لأحزاب سياسية بالاعتداء على رفاقهم في ساحات الاحتجاجات، ويؤكدون قيام بعض الأحزاب بدفع "ديّات" إلى ذوي بعض القتلى من المتظاهرين وصلت إلى 35 مليون دينار لمنع إقامة دعاوى ضدّهم.
ويأمل المتظاهرون الغاضبون في المثنى إقالة مدير الشرطة ومحاسبة من تجاوز على المتظاهرين قبل الانسحاب من ساحة الاعتصام، فيما يمكنهم الانتظار لعدة أسابيع لتنفيذ باقي المطالب المتعلقة بالخدمات. ويتحدث عضو اللجنة التنسيقية قائلاً: إن هناك محامين كشفوا وجود ترليون دينار قد تم سرقته من أموال المحافظة خلال السنوات الماضية، ويضيف "نسعى لإعادة تلك الاموال لتوظيف الشباب وتوفير الخدمات".

دبّابات لمعالجة البطالة!
وتبلغ نسبة الفقر في المثنى 52% من عدد السكان الذي يقل عن المليون نسمة، فيما تصل نسبة البطالة الى 16%، بينما نسبة الإناث الخرّيجات العاطلات عن العمل بلغت نحو 13%.
كما كانت البطالة خصوصاً في البصرة الغنية بالنفط، المحرك الأساسي في انطلاق التظاهرات، فيما كان رد رئيس الحكومة بدلاً من إيجاد حلول لتلك الأزمة أن ينشر آليات ثقيلة لمواجهة المتظاهرين، بحسب ما يقوله أحد شيوخ العشائر هناك.
ويؤكد يعرب المحمداوي، الزعيم العشائري المعروف في البصرة، في تصريح لـ(المدى) أمس أن "العبادي كان يعتقد أنّ المشكلة أمنية، ولم يقم حتى الآن بتوفير المياه الصالحة أو إصلاح الكهرباء، أو تعيين العاطلين".
ونشرت صحفات على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو تظهر افتراش متظاهرين في البصرة الأرض أمام الدبابات. وقدّم نحو نصف مليون بصري ملفات للتعيين، بينما فرص العمل التي أعلنت عنها الحكومة كانت 10 آلاف فقط. ويضيف المحمداوي وهو رئيس لجنة حل النزاعات العشائرية بالمحافظة: "يمكننا أن نحصل على الدعم للشباب من إيرادات المنافذ". ويقدر حجم الإيرادات بنحو 30 مليار دينار شهرياً.
وبعد انتشار الدبابات في البصرة قرر المتظاهرون إلغاء فكرة الاعتصام أمام مبنى المحافظة، وبدأوا بالإعداد لتظاهرة واسعة يوم الأحد المقبل. وقال جبار الساعدي رئيس اللجنة الامنية في المحافظة إن "الدبابات كانت لحماية المتظاهرين وليس لإرهابهم"، فيما حذّر من محاولات فبركة بعض المقاطع المتعلقة بعلاقة المتحتجين بالقوات الأمنية.
وأكد الساعدي في اتصال مع (المدى) أمس أن "المحتجين وسط البصرة تفهموا عمل اللجنة الوزارية التي أرسلت في مطلع تموز الحالي الى المدنية، وينتظرون نتائج الإطلاقات المائية وإصلاح الكهرباء وتعيين العاطلين"، وبينما أكد استمرار الاعتصامات في شمال المدينة، أفاد بأن هناك تفاهماً على عدم الاحتكاك بين القوات الأمنية والمحتجّين.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top