بعض المُمارسات الإبداعية في السينما التجريبية

بعض المُمارسات الإبداعية في السينما التجريبية

ترجمة صلاح سرميني

التفكير بمُكوّنات السينما هو نقطة انطلاق ابداعٍ سينمائي يختطف، ويستثمر قدرات الوسيط، حيث تُعتبر عملية الاستيلاء على لقطاتٍ مهملة، والتدخلات البصرية المباشرة على الطبقة الحسّاسة للفيلم، واستخدام الفضاء، ثلاثة جوانب مهمّة للإبداع السمعي/البصري.

إعادة استخدام اللقطات المُهملة
خلال القرن الماضي تصاعد إنتاج الصور، واستمرّ في النموّ، ولم تصبح صناعة الأفلام أكبر صناعة في مجال الإعلام فحسب، بل أنتج تطوير المعدات التي يستخدمها الهواة الكثير من المواد السينمائية.
من هذه المجموعة الهائلة من الصور، ظهر شكلٌ من أشكال الاستحواذ يُسمّى (found footage)، وتعني حرفياً "اللقطات المُهملة"، ويتكوّن من إعادة استخدام المواد الفيلمية، وبقايا الأفلام، والأفلام العائلية، والأفلام من فئة ب.
في وقتٍ مبكر من عام 1969، تنبأ "جوناس ميكاس" بأهمية هذه العملية :
"أراهن بأنّ إنتاج هوليوود بأكمله خلال الثمانين سنة الماضية، سوف يصبح مجرد مادة لصانعي الأفلام في المستقبل".
تسمح هذه التقنية بتفتيت المادة الفيلمية، واختطافها، وتفكيكها، وبالمقابل بتجميع عناصر نوعية منها، وأجواء مختلفة.
ومن بين الأمثلة، الفيلم القصير A Movie من إنتاج عام 1958، وإخراج "بروس كونير"، وهو تكثيف لسينما تُمفصل بقايا وثائق مرئية، وصوراً تمّ العثور عليها في أفلام من سلسلة B، وافلاماً إخبارية، ومواداً إباحية خفيفة، وقد تمّ تركيب كل هذه اللقطات معاً بدون سردّ خطيّ : انفجار نوويّ حراري، تتويج البابا، تعليق موسوليني بناب الجزار ..
يُعتبر هذا الفيلم نوعاً من الألعاب المرئية، كما الحال في لعبة الكلمات، وهو تجسيدٌ نموذجيّ لتقنية اللقطات المُهملة، وهكذا أثرّ "بروس كونير" على تاريخ الفيلم باستخدامه للموسيقى، وإيقاع المونتاج، ويعتبر أب الفيديو كليب (الأغاني المُصوّرة).

العمل المُباشر على الطبقة الحسّاسة للشريط السينمائي.
من أجل مشاهدة الفيلم على شاشةٍ، يجب أولاً معالجته كيميائياً في مختبر، ومن ثم طبعه على شريط آخر، إلاّ أن البعض من الفنانين، والسينمائيين عمدوا إلى تحويله، واختطافه ليصبح الدعامة المباشرة لأبحاثٍ تصميمية، وخطيّة، واستخدامه كما صفحة ورقية.
ويعتبر المخرج النيوزيلندي "لين لي" (1901-1980) مخترع العمل المباشر على الطبقة الحسّاسة للفيلم، عن طريق رسوم ينجزها مباشرة على شريط الفيلم نفسه، بدون تصوير، ووُفقا له: "بما أننا قادرون على تأليف الموسيقى، يجب أن يكون بالإمكان تكوين حركة، ومن ثمّ، هناك أشكال لحنية، لماذا لا يكون هناك أشكال حركية؟".
حالما يصبح الفيلم أسوداً بعد التحميض، يمكن كشطه، وإزالته، وتلوينه، ... أي يمكن استخدامه لأول مرة قبل التصوير، الشريط السينمائي شفاف، ويسمح ذلك بتطبيقاتٍ مباشرة على طبقته الحساسة.
بالنسبة لفيلم (Kaleidoscope)، هو فيلم إعلانيّ أنجزه "لين لي" في عام 1935 بطلبٍ من مصنع السجائر "شورشمان"، ويتكوّن من رسوماتٍ على شكل سيجارة تتحرك بإيقاع تتخلله موسيقى كوبية، بالإضافة لأشكالٍ تجريدية تخلق تدفقاً متواصلاً بألوانٍ زاهية.
ومن أجل مزيد من السطوع، يتمّ قطع بعض الأشكال مما يسمح لضوء جهاز العرض بإضاءة الشاشة مباشرةً.
وهكذا تصبح الشاشة عبارة عن لوحةٍ قماشية تظهر عليها الرسوم في حالة من الحركة.

الإنشاء/المنظومة السينمائية
بما أنّ فكرة الفضاء جوهرية، ومتأصلة في كلمة سينما، حيث أنها تحدد المكان في الصالة، كما نظام الأشكال، فإن المنظومة السينمائية، أو الإنشاء/التركيب السينمائي، يُطوّر تعدد المعاني هذا، بينما يسعى إلى التساؤل عن فضاء العرض بقدر العرض نفسه.
المنظومة السينمائية المُركبة للفنانة الهولندية "ماريك فان فارميردام" (1959) التي أنجزتها في عام 1997، والمُسماة Skytypers ، هي عرضٌ مستمرٌ في مكان بإضاءة محيطة، يجب أن يكون جهاز العرض مرئياً، وعلى مسافة 8 أمتار من الصورة المعروضة على شاشة معلقة.
فيلم 16 ملم صامت، إلاّ أن جهاز العرض يخلق صوتاً بالتوافق مع الصورة.
على الشاشة، السطح الأزرق للسماء، تحلق طائرات، وبدخان محركاتها ترسم خطوطاً، تندمج ضوضاء المفاعلات مع الأزيز المُستمر لجهاز العرض، مما يخلق توازٍ بين التاريخ، وأسلوب الطيران، والسينما، وهما جواهر العصر الصناعي.
تستخدم الفنانة السماء كلوحةٍ قماشية، والطائرات كفرشاة رسم، إيماءة تصويرية مفرطة من أجل انشاء لوحة تجريدية في حالة حركة .

الخلاصة
في السنوات الأخيرة، ظهرت نظرة جديدة عن السينما في إطار نهجٍ متعدد التخصصات للعمل الفني، حيث تعلقت الشاشة على الجدران بجانب اللوحة.
والآن، لم يعد أحد يندهش من الأفلام التي تعرض على شاشات معلقة في المتاحف، والمندمجة تماماً في معارض موضوعاتية كحال "حركة الصور" الذي أقيم في "مركز جورج بومبيدو" عام 2006.
تستفيد المقاربات السينمائية للفنانين أيضاً من برمجة محددة في المركز، مما يدل على الاهتمام الخاصّ الذي يمنحها لهم.

المصدر: باتريسيا مانسان، منصة "مركز جورج بومبيدو" بباريس.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top