د. أثير ناظم الجاسور
مشكلة القوانين وتقاطع الصلاحيات والسؤال للغلبة لمن والبقاء للأقوى ومن له القدرة على تمرير ما يريد من مشاريع القوانين والقوانين
والاستمرار لمن يدفع والتوزيع والحصص والمكاسب والحفاظ على المكتسبات كلها علل كانت في الحقيقة عقبات في طريق بناء دولة مستقرة تسير وفق معايير عقلانية، فالشركاء المتحابين المتخاصمين كانوا ولا زالوا مختلفين على كل شيء كل جهة تحاول ان تكون هي سيدة الساحة وهي التي تقرر وتشرع وتنفذ وهي المنقذ حتى طال هذا الصراع اهم السلطات السياسية والقانونية في العراق ( التشريعية – التنفيذية – القضائية) بعد ان تحاصصوا اختلفوا على كيفية الادارة حتى كانت محصلة اختلافاتهم تيه، فكل مشروع او قانون بحيثياته يواجه من قبل هذه السلطات على انه يعمل للسيطرة على الاخرين والعجز يستمر في تحديد الاهداف الجوهرية وحتى تبين انهم غير قادرين على الاقل على فهم الواقع تجد نفسك في دوامة الصراع الذي لا ينتهي.
اهم واكبر معضلة تواجه العراق هو الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية خصوصاً عندما يتجاوز الخلاف السياسي بعد ان يتحول إلى صراع حزبي ثلاثي الابعاد وصراعهم دائماً نابع من ليس فقط لسوء فهم الدستور وتفسيره على ما يشتهون وقصر نظرهم السياسي انما المناكفة الحزبية والطائفية في كثير من الاحيان تأخذ الحيز الاكبر من هذا الصراع، فعلى مدار هذه السنوات التي تلت عام 2003 لم تحاول الحكومات التي تولت ادارة البلاد ان تجد حلولاً حقيقية للمعضلات التي عانت ولا زالت تعاني منها لغاية اليوم خصوصاً تلك التي تتعلق بالتشريعات والصلاحيات والخ... من الامور القانونية والتشريعية والتنفيذية التي اربكت العمل السياسي وجعلت من العملية السياسية عبارة عن مسلسل أحداثه مرعبة، وإذا امعنا النظر في المشهد العراقي وحالات الارباك والتعقيد والتشابك التي ترسم صورة هذا المشهد نجده نابع من الصراع الذي لا ينتهي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بعد ان تم استخدام السلطتين للنيل من هذا وذاك وابعادهما عن عملهم مسؤولياتهما الاساسية، وكانت احدى نتائج هذا الصراع ضياع ثلث الارض وسقوطها بيد تنظيم داعش الارهابي.
عملت هذه الحكومات طيلة هذه الفترة على تأكيد امرين، الاول: يتعلق بحزب البعث ممارساته وقوانينه والعمل على محو ارث البعث لكن الغريب ان اغلب المؤسسات اليوم تعمل بذات القوانين التي استند عليها البعث في حكمه للعراق، وهذا يعني ان الاحزاب لم تتقدم خطوة بالاتجاه الصحيح او على الاقل لم تشرع القوانين التي تساهم في ازاحة قوانين وضوابط البعث داخل المؤسسات، الامر الاخر فيما يتعلق بالأوامر والتعليمات الصادرة من سلطة الاحتلال التي لا زال البعض منها ساري المفعول لا بل تتصارع القوى الحزبية على تطبيقه بالرغم من الغالبية منهم يعدها دولة احتلال ويجب مكافحة اثارها وقوانينها هذا التناقض في العمل بين تشريع عاجز وتنفيذ متخبط يعطي صورة واضحة على ان الازمات التي يعيشها العراق هي نابعة من سلطتين تم بنائهما على اساس المصلحة الحزبية الضيقة التي لا تتعدى هذا الحزب او ذاك.
اما ما دار من خلاف كبير بين السلطتين هذه المرة هو ازمة المفتشين العموميين المخالف للدستور والصادر عن سلطة الاحتلال بالرقم (75) سنة ( 2004)، الامر الغريب ان القوى والاحزاب المعترضة اليوم كانت هي المستفيدة من وجود هذه المكاتب التي ساعدت على خلق تلك الدولة العميقة المسؤولة عن كل الارباك والتخبط الذي نعيشه اليوم، من جانب اخر هناك تقاطع لا بل تضارب في الصلاحيات بين هذه المكاتب وعمل هيئة النزاهة وحتى الجهات القانونية المسؤولة عن افعال منافية للقانون قبل تبيان التقاطع لو ركزنا على المادة (1) من قانون المفتشين العامين التي تنص على " المراجعة والتدقيق والتحقيق لما يخص النزاهة والاشراف على اداء الوزارات وعدم الوقوع في الغش والتبذير واستخدام والتفتيش"، نجد ان كل ما فعلته هذه المكاتب هو بالنص عكس ما نصت عليه المادة المذكورة، اما من ناحية التقاطع فاذا كان دور مكاتب المفتشين العموميين هذا ما الضرورة من وجود هيئة النزاهة وتشكيلاتها والاجهزة المختصة المقرة في الدستور بعد ان يقوم المفتش العام في كل وزارة بدوره فيما يخص صلاحياته والاجراءات التي يتم اتخاذها في امور معينة.
بالمقابل اذا كانت السلطة التشريعية تعاني من خلل واضح في عملها فان السلطة التنفيذية ومن جراء عدم قدرتها على ان تخلق اجواء صحية للعمل ساعدت على ان يكون العمل السياسي في العراق مقتصراً على الاسهامات الحزبية وتنفيذ اجندات الكتل الحزبية المتضمنة كل ما له علاقة بتوجهاتها ومصالحها، وهذا وحتى وان نكون قد نكرر هذه المفردة ( المحاصصة) إلا انها هي من اسهم في ان تكون العملية السياسية برمتها عرجاء ومجرد لعبة بيد الاحزاب المتنفذة التي لم تعد قادرة على ان يكون للمصلحة العامة حصة في تفكيرها.
اترك تعليقك