فيشت العيج والحدود العراقية الكويتية

آراء وأفكار 2019/09/11 07:58:12 م

 فيشت العيج  والحدود العراقية الكويتية

هادي عزيز علي

الرسالة الاخيرة لوزارة الخارجية العراقية الموجهة الى الامين العام للامم المتحدة بواسطة الممثل الدائم للعراق لدى الامم المتحدة بتاريخ 7 \ آب \ 2019

حول قيام الكويت باحداث تغييرات جغرافية في المنطقة البحرية الواقعة بعد العلامة 162 في خور عبد الله بتدعيم منطقة ضحلة تدعى في الخرائط (فيشت العيج) واقامة منشأ مرفئي عليها من طرف واحد دون موافقة العراق او علمه وخلافا للاتفاق المبرم بين البلدين بتاريخ 28 \ كانون الاول \ 2014 باعتبار ان برج ميناء ام قصر وبرج ميناء الشويخ برجي المراقبة الوحيدين المعنيين بتنظيم الملاحة في الخور.

استغل الاعلام هذه الرسالة بما في ذلك الاعلام العراقي، واصفا اياها على انها ( شكوى). اذ وردت في شتى عناوين تلك الوسائل حول هذا الموضوع اذ قيل: ( العراق يشكو الكويت الى مجلس الامن)، وفي عنوان آخر: (شكوى العراق عمل استفزازي مرفوض). او ما نشرته "ناس": (النص الكامل لشكوى ممثل العراق في الامم المتحدة محمد بحر العلوم ضد الكويت) . او: (الكويت تعلق على شكوى العراق امام الامم المتحدة ). وسواها من العناوين الاخرى المنتشرة في الوسائل تلك، فضلا عما حملته مواقع التواصل الاجتماعي للموضوع ذاته. المسألة الجديرة بالاعتبار وبعيدا عما ذهب اليه الاعلام فأن ما قدم الى رئيس مجلس الامن الدولي هي مجرد رسالة (احتجاج) يكون العراق ممتنا فيما لو تم توثيقها من قبل المؤسسة الدولية وهذا ما تضمنه نص الرسالة ولا يتعدى هذا الطلب. لذا فهي ليست بشكوى لعدم تضمنها اسباب وشروط الشكاوى المطلوبة قانونا.

الرسالة العراقية التي لم يحسن توقيتها ولا صياغتها، هل تعد غلقا لباب المفاوضات مع الجانب الكويتي، او هل ان الكويت قد غلّقت ابوابها تماما بحيث ما من سبيل لهذا الموضوع سوى اللجوء الى الامم المتحدة؟ ثم هل ان الاشكالات والمواضيع المعلقة مع الكويت المتعلقة بخور عبد الله محصورة في منصة (فيشت العيج) حصرا ولا توجد اشكالات اومواضيع اخرى جديرة بالاعتبار كترسيم الحدود مثلا ابتداء من العلامة 162 لغاية نهاية خور عبد الله من جهة الخليج. لماذا الامم المتحدة ونحن في الحالة الايجابية مع دولة الكويت المتمثلة بديمومة الزيارات التي يقوم بها المسؤولون وبمستويات مختلفة، ثم واحتضانهم المؤتمر الدولي لاعادة اعمار العراق، والصفحة الجديدة المفتوحة التي توجب السعي لاندمال الجرح بدلا من ان ينكأه البعض ساعة يشاء، ان الوضع الايجابي هذا يلزم ان يوظف لصالح البلدين من خلال وضع الامور في نصابها وطي صفحة الماضي باوجاعه ومآسيه والسعي نحو حلول مقبولة من خلال اللجان المهنية والحرفية بغية الوصول الى حلول ناجعة، عليه واستنادا لما تقدم فان المواضيع الواجبة المعالجة بين الطرفين والتي تشكل حاجة ملحة والتي يجب ان تطرح على طاولة البحث نبينها على الوجه الآتي:

اولا – ان قرار مجلس الامن الدولي المرقم 833 لسنة 1993 يعد قرارات اللجنة فيما يتعلق بتخطيط الحدود نهائية. اذن لا نقاش من الوجهة القانونية بدرجة بتات هذا القرار. الا انه في الجانب الآخر وفي القرار ذاته يوجب احترام الحق في المرور الملاحي في الخور على وفق احكام القانون الدولي وقرارات مجلس الامن ذات الصلة، وهذا يعني ان منصة (فيشت العيج) او حتى ميناء مبارك المنشأ عند العوامة 17 ، اذا كانا يعرقلان الملاحة في الخور فان هذا الامر يجب ان يكون محلا للتفاوض بين الطرفين من اجل الوصول الى ملاحة سليمة في الخور وطبقا لقرار مجلس الامن الدولي.

ثانيا - حسم موضوع جزيرة (فيشت العيج) وفيما اذا كانت جزيرة طبيعية موجودة فعلا ومؤشرة على خرائط الادميرالية البريطانية قبل 2014 ، فاذا كان الامر كذلك فلا مسوغ قانوني للعراق والحالة هذه للاحتجاج على هذا الوضع الجغرافي الذي منحته الطبيعة لدولة الكويت، اما اذا كانت الجزيرة تلك مصطنعة فعلا والغرض منها تغيير الواقع الجغرافي في خور عبد الله، فيكون لهذا الفعل وصفا قانونيا مغايرا، تحكمه المادة 15 من اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحارالتي تنص على: (حيث تكون سواحل دولتين متقابلة او متلاصقة، لا يحق لأي من الدولتين في حال عدم وجود اتفاق بينهما على خلاف ذلك، ان تسد بحرها الاقليمي الى ابعد من الخط الوسط الذي تكون كل نقطة عليه متساوية في بعدها عن اقرب النقاط على خط الاساس الذي يقاس منه عرض البحر الاقليمي لكلا الدولتين..).

ثالثا- (لكل دولة الحق في تحدد عرض بحرها الاقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميلا بحريا مقيسة من خطوط الاساس المقررة وفقا لهذه الاتفاقية) المادة 3 من اتفاقية قانون البحار التي حددت عرض البحر الاقليميي. ان هذا المقياس يكون نافذا اذا كان عرض الخلجان يساوي 24 ميلا بحريا فأكثر، ولكن هذا العرض غير متحقق مع وجود المنصة الكويتية الجديدة لانه لا يجعل عرض البحر الاقليمي العراقي اقل من 12 ميلا بحريا من الجانب العراقي لضيق الخليج. وهذا يوجب حلا رضائيا تتفق عليه الدولتين المتشاطئتين.

رابعا – يحتج العراق بأن ميناء مبارك وجزيرة (فشت العيج) يشكل اعاقة لاستخدام الممرات الملاحية في خور عبد الله ويستند في احتجاجه هذا على حكم الفقرة 7من المادة 60 من اتفاقية قانون البحار التي تنص على: (لا يجوز اقامة الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات ومناطق السلامة حولها اذا ترتبت على ذلك اعاقة لاستخدام الممرات البحرية المعترف بها بأنها جوهرية للملاحة الدولية). فيلزم العراق والحالة هذه اثبات ادعائه فيما لو كانت هذه المنشآت والمستحدثات تسبب فعلا اعاقة للحركة الملاحية العراقية لأن البينة على من ادعى.

خامسا – العمل حالا لترسيم الحدود بين البلدين ابتداء من العلامة 162 امر يوجب على الطرفين القيام به بشكل حازم ومن دون مماطلة. على ان يتم ذلك بالدقة المطلوبة التي تحول دون نشوء اي نزاع آخر مستقبلا في المنطقة موضوع الترسيم، بشرط ان يتم العمل صحبة خبراء الطرفين المختصين فعلا بما في ذلك الخبراء القانونيين بهذا الموضوع، اي ترسيم الحدود غير المرسمة سابقا. مع الاخذ بعين الاعتبار المطالبة الكويتية للعراق والداعمة لهذا الترسيم والتي بدأت منذ سنة 2005 .

هذه اهم المواضيع المتعلقة بخور عبد الله التي يجب تناولها من خلال المفاوضات مع دولة الكويت، فالمفاوضات الجادة والمسؤولة وحدها كفيلة بايصال الطرفين الى الحلول الناجعة اذ يجب ان يقدم كل طرف ملفاته وحججه للطرف الآخر، ومن المؤكد ان المفاوضات هذه لن تكون سهلة ويسيرة بل سوف يصاحبها الكثير من الضنك والعنت وعدم الود أحيانا، بل قد يستخدم جزء من التاريخ الثأري فيها المستقر في بعض النفوس، ولكن لا مناص من الوصول الى اتفاق حولها. على ان نأخذ بالحسبان اسوأ التوقعات التي قد لا تفضي مفاوضاتها الى الحلول المطلوبة، فهناك العديد من السبل الممكن استخدامها– حضاريا - مع بقاء حالة الاحترام المتبادل بين الطرفين، كاللجوء الى التحكيم او حتى الذهاب الى المحكمة الدولية لقانون البحار الواردة تفاصيلها في الاتفاقية. والنأي بالنفس عن المحاولات غير المجدية والعقيمة التي تبقينا في الموقع ذاته بعيدا عن التقدم والحل.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top