الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين.. تأطير درامي لميثولوجيا الوهم

الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين.. تأطير درامي لميثولوجيا الوهم

عباس الحسيني

بدأ ذلك اليوم من عام  ١٩٦٥ شاحباً ومختلطاً بالفرح والخوف معاً لعموم السوريين ، وهم يشاهدون الجاسوس الاسرائيلي آيلي كوهين ،

أو رجل الاعمال كمال ثابت ، وقد علقت جثته شنقا، في ساحة عامة، وبحضور الرئيس السوري الأسبق الجنرال أمين الحافظ.

السينما من جانبها قدمت إيلي كوهين ، المعذب بخدمة العلم الاسرائيلي ، والمولود والقادم من مصر ، مع لفيف من شباب يهود ، كانوا يحلمون بوطن يهودي أبدي،  وان تقدم له كل التضحيات.

 المسلسل القصير والمعد بسيناريو ، يحمل تجليات المعرفة والحكمة وروح المفاجأة ، يحمل اسم "الجاسوس" - The Spy  - ويحاول إبراز الدور العسكري والنفسي الذي قام به ، الجاسوس الإسرائيلي  إيلي كوهين، والذي استطاع أن يعمل تحت اسم تاجر استيراد ، هو كامل أمين ثابت ، ولسنوات داخل سوريا، وقد استطاع خلالها التقرب لصناع القرار بالحكومة السورية،

المسلسل من بطولة الممثل الإنجليزي ساشا بارون كوهين، ضمن أداء يعيد الى الأذهان قصص التجسس من أربعينيات القرن ، وحتى ظهور التكنولوجيا الرقمية ، التي وفرت التقرب من منابع القرار والأسرار الهامة. كوهين المعذب والمتزوج من يهودية عراقية ، هاجرا الى الى تل ابيب للبدء بحياة جديدة ، يقدمهما المخرج على أنهما وطنيان مغلوبان على أمريهما ، وهو السجال القائم بين يهود الشرق ، ويهود اوروبا من الغرب.

المسلسل يُبالغ حول ما قدمه ، وقام به كوهين، وخلال رحلته التي ابتدأها من الأرجنتين ، للتدرب على واقع شبيه بالواقع العربي، وللتقرب من السفارة السورية ، وبما يبرز فطنة السوريين آنذاك تجاه مخاطر العمالة والتجسس، كوهين تم إعدامه عام ١٩٦٥ ، وكانت سوريا وقتها تعاني شطف انهيار الاقتصاد مع تسلط حزب البعث ، بزعامة ميشيل عفلق وقيادة أمين الحافظ. والحرب المزعومة وقعت عام ١٩٦٧.

الواقع الاجتماعي المرير للعرب اليهود لم يكن ليتحول الى أسطورة بطولية ، ولم يكن في جعبة كوهين ما يمكن أن يجعل منه بطلاً قومياً، سوى كونه ضحية اختيار ، لمخطط مخابراتي بحت.

فالتأثير النفسي ، في مجمل ثنايا الشعوب العربية ، هو القاسم المشترك بين أغلب الجواسيس والعملاء وتصدُّر الأخبار ، فلا يمكن لعميل أو جاسوس ، أن يغير من تأثير القدرات العسكرية ، لدولة ما وبنسب مطلقة، وهو ما أدركه المخرج بعلمية ، أثناء معالجته لفقر تكنولوجيا كوهين ، الذي ألقي عليه القبض متلبساً ، وفِي فقر إعداد نفسي ولغوي واجتماعي ، لجاسوس يسمي المسجد الاسلامي، جامع الاسلام ، مع التركيز  على استغلال الدوائر الاسرائيلية الخفية للأفراد المتحمسين ، وزجهم في معترك التجسس،  للحيلولة دون وقوع حرب شاملة ، لا تملك اسرائيل جيشاً كبيراً لها ، وهو ملمح العمل الدرامي المهم تاريخياً ، والفقير درامياً ، لجمود شخصية البطل ، ولمحدودية جانب النشاط الإنساني الذي قام به.

القصص التي لفقت عن الجاسوس كوهين ، كانت تمثل الدراما الشعبية المكملة لخرافة كوهين، في علاقاته مع رموز القيادات السورية ، وترشيحه وزيراً للدفاع السوري ، وهو أمر آخر مُبالغ به، استغلته اسرائيل للظفر بالانتصار النفسي على حساب الواقع المتواضع لطبيعة المعركة التي حسمتها التكنولوجيا الغربية بالطائرات والصواريخ المتقدمة .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top