مشكلة السلطة ، إنها لاتريد مواجهة الحقيقة

آراء وأفكار 2019/10/23 06:15:54 م

مشكلة السلطة ، إنها لاتريد مواجهة الحقيقة

د. حيدر نزار السيد سلمان

تبدو حركة التاريخ في سياقها المرئي وكأنها الحقيقة الكاملة لسيرورة الأحداث وتطورها، بيد أن دارس التاريخ وفلسفته يدرك أن هذه الظواهر المكشوفة أو المعلن عنها ؛ تشكل غطاءً وقشرة لحركة جوانية باطنية لايمكن رصدها بسهولة ،

ولعل حركة الجماهير غير المؤدلجة وهي تفشل بالتعبير الواضح عن أسرار حركتها حينها تلجأ لاستعارات قادرة لبلوغ أسماع السلطة ،لكنها تعجز عن كشف الأسباب الجوانية ربما لصعوبة فهم الباطن وتمركزه في الروح الجماهيرية .

تبدو التظاهرات الشعبية العراقية مثالاً في هذا السياق ومايظهره الجمهور الغاضب من شعارات مطلبية كإنجاز الخدمات والسكن وحل مشكلات الفقر والإسكان وغيرها ؛هي الوجه المرئي لجوهر تمركز في الذات العراقية، والروح العامة وتراكم لمدة طويلة ،وهو يشكل قلقاً داخلياً حاولت الجموع الغفيرة المتظاهرة من التعبير عنه على شكل مطالب حياتية عامة أخفقت الجماهير من التعبير عنه في بداية تحركها غير أن معالمها الأولية أخذت بالبروز التدريجي كما هو شعار ( نريد وطن) .

رغم محاولات السلطة المغضوب عليها الترويج للمطالب الظاهرية عبر شخوصها وإعلامها ،والتأكيد على تنميط هذه المطالب وتقديمها كأسباب أصيلة لحركة الشارع والاحتجاج ،وهي محاولة لحصر الجمهور المحتج في زاوية ضيقة توفر إمكانية للسلطة للتعامل معها من جانب ، ولمنع بلوغ الجمهور للحقيقة التي تحركه من جانب آخر، التي هي بكل الأحوال تنوش شرعية السلطة واستمراريتها وتمنع اتساع الفجوة بينها وبين الشعب ، أو محاولة لانقاذ نفسها وعدم المساس بما حققه رموزها وشخوصها من مكاسب وامتيازات غير شرعية .

يمكن القول ؛ إن السكوت الطويل عن تدهور الأوضاع العامة والفساد المستشري اللامنطقي وغير القابل للتوقف ومانتج عنه من إثراء لرموز السلطة ، مقابل تفاقم مشكلة الفقر ، كما أن شعور المواطن بثقل وطأة مراكز القوى واستفحالها بدل ضعفها وتراجع نفوذها وتأثيرها واستعادة الدولة لهيبتها وقوتها ؛شكّلت عوامل غضب تراكمت ، خصوصاً إن المواطن لم يعد يواجه سلطة شرعية واحدة تمثلها الدولة بمؤسساتها وكيانها القانوني المعنوي ،بل أصبح بمواجهة مع عدة سُلطات افقدته الشعور بوجود دولة حقيقية ، وكذا الحال بالنسبة لتزايد الشعور بفقدان سيادة الدولة ووضعها من قبل هُم بالسلطة أو المتحالفين معها كرهينة في الصراعات الإقليمية وخضوعها لمنطق القوة المسلحة لمن هم يعلنون ولاءات خارجية بصراحة .

إن الكرامة الوطنية الفاعل الباطني الذي شكّل أساساً داخلياً يحرك النفوس ويوقد نار الغضب داخلها لكنه تبدى بمطالب خدماتية وحياتية يمكن القول إن حلها وتوفيرها سيأتي كتحصيل حاصل لإصلاح الاوضاع العامة واستعادة الدولة لقوتها ومركزيتها ، ومثل ذلك مكافحة الفساد واستعادة المنهوبات سواءً من قبل أحزاب أو شخوص متنفذين ، الأمر الذي تحاول السلطة الالتفاف عليه والتملص منه لعجزها عن المواجهة لقوى وأحزاب تعد لحمتها ونسيجها ، إي إنها منها ولها .

الآن نحن أمام احتجاجات مثيرة وغير مسبوقة بتاريخ العراق ، فهذه الاحتجاجات ليس لها مثيل ولا شبيه بالتاريخ العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ( قيادة وجمهور ) ، محركها تراكم مظالم ومشاعر بالامتهان لبلد يعده أهله رأساً وليس ذيلاً أو تابعاً ، ومن خلال متابعة مواقع التواصل الاجتماعي التي يستخدمها المحتجون كوسيلة للتعبير عن وجهات نظرهم ، ومحطة لمواجهة حملات التشويه والتقزيم لحركتهم تكشف لنا عن تصاعد آليات التعبير عن المشاعر الوطنية المكبوتة الممتزجة بغضب من سلطة استهانت بهم لمدة طويلة من خلال عدم قيامها بواجبات تكفلت بها كمكافحة الفساد وزج الفاسدين بالسجون لكنها في الوقت نفسه لم تبالِ بالمشاعر الوطنية بل ركزت على خطابات شعبوية وطائفية ، ومن الملاحظ أن كل الاتهامات التي توجه للمتظاهرين لم تعد تجدي نفعاً ويبدو أن الجمهور تجاوزها إذ انها تصدر من جهات هي متهمة أصلاً بولائها الوطني. رغم ابتهاج اركان السلطة وتركيزها على المطالب الحياتية واتخاذها مجموعة من الإصلاحات والحزم الاجتماعية والاقتصادية بيد إنها تعاند نفسها عندما تهمل مسألة الكرامة الوطنية والتدفق العنيف للمشاعر المعبرة عن وطنية عراقية خالصة قُحة وهو ما دفع الجمهور الى رفع شعار بتغيير النظام بدل اصلاحه ، وإن استمرت السلطة في توجهها الشعبوي والجمود في قدرة التفكير في الأسباب الحقيقية المحركة فإنها ستواجه مصاعب ومعضلات أشد وأخطر ، هي الآن أمام جمهور يبحث عن وطن ويمجد العراق والعراق وحده.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top