القيمة القانونية لقرارات اللجان التحقيقية التي تشكلها الحكومة

آراء وأفكار 2019/10/23 06:17:23 م

القيمة القانونية لقرارات اللجان التحقيقية التي تشكلها الحكومة

القاضي سالم روضان الموسوي

بعد موجة الاحتجاجات التي ظهرت في أوائل شهر تشرين الجاري وبعد سقوط ضحايا من المحتجين ومن منتسبي القوات الأمنية وتصاعد الغضب الشعبي تجاه أعداد الضحايا الذي كان بأكثر من مئة حالة وفاة وآلاف المصابين والجرحى وعدة آلاف من المعتقلين،

وتصاعد المطالبات الشعبية والمرجعيات الدينية والفعاليات السياسية بما فيها الحكومة، التي هي طرف وجهت له الاتهامات بتسببه بهذا العدد من الضحايا، نرى بأن الحكومة وكذلك مجلس النواب اتجه إلى تشكيل اللجان بمسمى لجان تحقيقية ولجان خدمة ومسميات أخرى لكن المعني في هذه الأمر هي اللجان التحقيقية التي تبحث عن الجناة الذين تسببوا بحالات وفاة الضحايا وإصابات الجرحى من جراء التصدي لهم في الاحتجاجات المذكورة والافراط في استعمال القوة والرصاص الحي، وحيث إن جميع المطالب تتمثل في تقديم الجناة إلى العدالة ليناول محاكمة عادلة ويتم محاسبتهم في ضوء ما ارتكبوا من أفعال وبموجب القانون، وحيث إن هذه اللجان ومنها اللجنة الأخيرة التي شكلتها الحكومة برئاسة السيد وزير التخطيط هدفها وغايتها التحقيق في تلك الأحداث وإن عملها ذو صبغة جنائية وهذا ما أكده السيد عادل عبدالمهدي عندما قال (استجابة لخطبة المرجعية الدينية العليا ليوم (أمس) الجمعة المصادف واستكمالاً للتحقيقات الجارية قامت الحكومة بتشكيل لجنة تحقيقية عليا تضم الوزارات المختصة والأجهزة الأمنية وممثلين عن مجلس القضاء الأعلى ومجلس النواب ومفوضية حقوق الإنسان للوصول إلى نتائج موضوعية وأكيدة لإحالة المتسببين إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل) وحيث إن اللجنة محددة بفترة زمنية كان خطيب الجمعة في كربلاء قد حددها بأسبوعين، فإن ما ستقوم به هذه اللجنة والقرارات التي تتخذها ليس بذات قيمة قانونية يمكن الركون إليها في إدانة الجناة الذين اعتدوا على المحتجين ومنتسبي القوات الأمنية للأسباب الآتية :

1. لو توصلت اللجنة إلى قرار بإعلان أسماء المشتبه بهم فإنها تبقي ظنوناً وشكوكاً لا يمكن الوثوق بها، إلا إذا تم فحصها بميزان القانون من قبل القضاء لأنه صاحب السلطة الوحيدة والحصرية في توجيه الاتهام وكذلك في الإدانة وحتى فيما يتعلق بحجز الأشخاص المشتبه بهم وعلى وفق ما جاء في البند (ب) من الفقرة (أولاً) من المادة (37) من الدستور النافذ التي جاء فيها الآتي (لا يجوز توقيف أحد أو التحقيق معه إلا بموجب قرارٍ قضائي) .

2. إذا ما قررت اللجنة إحالة عدد من الضباط والمنتسبين في القوى الأمنية إلى المحاكم العسكرية فإنها لاتعالج موضوع قتل المجني عليهم من ضحايا الاحتجاجات، لأن القضاء العسكري غير مختص بالنظر في القضايا التي يكون فيها طرف مدني لأنه مختص في النظر في الجرائم ذات الطابع العسكري الصرف وعلى وفق ما جاء في المادة (99) من الدستور وكذلك ما جاء في الفقرة (ثالثاً) من المادة (25) من قانون أصول المحاكمات الجزائية لقوى الأمن الداخلي رقم (17) لسنة 2017 التي جاء فيها الآتي (ثالثاً – تختص محاكم الجزاء المدنية بالنظر في جرائم الحالتين الآتيتين : أ‌- إذا كانت الجريمة مرتكبة من رجل شرطة ضد مدني ب‌- إذا ارتكبت الجريمة من مدني ضد رجل شرطة) وكذلك بالنسبة لمنتسبي الجيش وعلى وفق ما جاء في الفقرتين (ثانياً وثالثاً) من المادة (4) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري رقم 22 لسنة 2016 التي جاء فيها الآتي (ثانياً- تختص المحكمة المدنية في نظر الجرائم في الحالتين الآتيتين :أ-إذا كانت الجريمة مرتكبة من عسكري ضد مدني ب-إذا قررت السلطة العسكرية إيداع القضية الى محكمة مدنية إنْ كانت متعلقة بحقوق مدنيين ثالثاً – تختص المحاكم المدنية في النظر في الجرائم المرتكبة من قبل مدني ضد عسكري)

3. إن هذه اللجنة ستستهلك الوقت دون أن يكون لقراراتها أثر قانوني، لأن قيمتها القانونية لا تعدو عن كونها بيانات وخطابات ، لذلك فان التحقيق الأصولي الذي يوجه الاتهام ويقرر التوقيف والحجز هو القضاء فقط لا غير وأقصد في القضاء هو محاكم الجزاء المدنية التابعة إلى مجلس القضاء الأعلى حصراً لأن الضحايا هم من المدنين وكذلك ضحايا منتسبي القوات الامنية فأن الشكوك تحوم حول مدنين مندسين قاموا بالاعتداء على القوات الأمنية على وفق رواية الحكومة التي كررتها في أكثر من مناسبة وعلى لسان كبار المسؤولين الأمنيين والتنفيذين.

4. لاحظنا إن القضاء قد أخذ دوره في فتح التحقيق في كل حالة وفاة حصلت لأن وجود جثة لقتيل سواء كان من بين الضحايا في الاحتجاجات أو غيرهم فإن السلطات الصحية لا تسلم الجثة إلا بقرار قضائي ويكون بالمباشرة بالتحقيق من قاضي التحقيق المختص مكانياً في وقوع الحادثة وهذا وفر الكثير من الجهد والوقت، وفعلاً تم اتخاذ إجراءات قانونية وقضائية بحق بعض الأشخاص وصدرت بحقهم أوامر قضائية ومنها المنتسب الذي اتهم بضرب المحتجين في بابل وكذلك وعضو مجلس المحافظة في الديوانية وغيرها من المحاكم الأخرى. 

لذلك فإن وجود هذه اللجنة لا يحقق المرتجى من تقديم الجناة إلى العدالة وإنما الأفضل ترك التحقيق للسلطة المختصة حصراً بذلك الممثلة بالقضاء الاتحادي وعلى وفق أحكام الدستور لأن القضايا التي فُتح التحقيق فيها عن كل جثة لضحية من الضحايا أصبحت قائمة وما على الحكومة إلا تقديم ما لديها من أدلة سواء إفادات أو صور كاميرات المراقبة أو الفيديوهات وغيرها لغرض تحقيق الانجاز بأسرع وقت ممكن مع الإشارة إلى أن بعض المنتسبين الذي أطلقوا النار من الممكن أن يتعللوا بأسباب الإباحة عندما يثبت صدور الأوامر من جهات أعلى منهم ومن آمريهم وهذه لا يمكن تقديرها إلا من قبل القضاء . وأخلص إلى القول بأن عمل هذه اللجان ليس له قيمة قانونية معتبرة في ما يتعلق بالاتهام أو الإدانة أو الإفراج و تحديد الأسماء والجهات حتى وإنْ كان فيها ممثل عن مجلس القضاء لأن العمل القضائي يكون عبر المحاكم حصراً وله أصول قانونية وردت في قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ بالعدد 23 لسنة 1971 المعدل، وإنما تبقى مجرد ظنون وشكوك لا تحقق الغرض المنشود بمحاسبة المسؤول عن التعدي على المحتجين السلميين، لأن المعوّل عليه هو القضاء حصراً بما يصدر من قرارات ملزمة للجميع.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top