د. أثير ناظم الجاسور
ما حدث بالأمس وما يحدث اليوم من حراك احتجاجي غاضب بوتيرة متصاعدة على سوء الإدارة والتخطيط طيلة هذه السنوات العجاف،
والتي أعطت صوراً واضحة المعالم تمثلت بإخفاقات كبيرة من قبل النظام السياسي في العراق والذي بالمقابل صاحبه عجز تام عن تلبية أبسط الاحتياجات لمواطنيه، فما من شعب على وجه البسيطة يرضى لنفسه أن يكون على طول الخط مشروعاً مؤجلاً بيد حاكميه، ولا يقبل استمرار معاناته التي لا تنتهي بسبب السياسات المتخبطة وغير المتوازنة للسنوات الست عشرة وما سيليها من السنوات القادمة، بالتالي لم يعد هذا المواطن جسراً تعبر عليه الأحزاب لتصل إلى مكاسبها وترفها ويبقى هو يراوح في مكانه، لا يقبل أن يكون مشروعاً استشهادياً لصراعات اقليمية ودولية لا ناقة له فيها ولا جمل، فالمواطن الذي عاش سنواته صفراً في المعادلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي خطتها الولايات المتحدة ورسمت معالمها وسلمتها للأحزاب الحالية يحاول اليوم تغير خطواته وفق منطقه هو الذي يتضمن حياة وكرامة وشعور أكثر بالإنسانية، فلا يرضى تتم عملية تقسيم الغنائم بين المتنفذين ليحصل هو فيما بعد على الفتات ولا يرضى أن تتنعم النخب الحزبية وعائلاتهم بالامتيازات والوظائف الرفيعة وهو بين مشرد ونازح وعاطل ومهجر ومهاجر.
طيلة هذه السنوات كان المجتمع العراقي حقل تجارب داخلية وخارجية ومورست ضده أقسى أنواع الضغط والتهميش والدفع نحو الهلاك حتى بات ينظر لوطنه تلك الأرض البعيدة التي تدار من الآخرين لمصلحة الآخرين بمعزل عن مصلحته وحياته، أما اليوم فقد بات واضحاً ارتفاع منسوب الوعي لدى العديد من الشرائح وتحديداً من الشباب ابناء جيل جديد لا يعرف معنى اليأس ويحاول بكل ما له من شعور أن يغير ما يمكن تغييره ولصالحه، فالعقل العراقي اليوم مستعد كامل الاستعداد للاستغناء عن ( لعل) التي انهكته وهو ينتظر ذلك القادم الأفضل الذي لم يعد أفضل بل زاد بؤساً ورداءة في ظل الفوضى السياسية التي حلّت بالعراق، بالنتيجة الجميع اليوم يحاولون إيجاد بدائل جديدة غير الفوضى والدم والجميع يحاولن أن يصلوا إلى نتائج مرضية مخرجاتها أن يعيش الجميع بسلام وآمان واطمئنان، بدائل ترفض الاستغلال والاستغفال وخلق أجواء يسودها القانون وللجميع حقوق وواجبات.
هناك حقيقتان يجب أن يعترف بها الجميع الأولى: اننا نشاهد عبر شاشات التلفاز في جميع الدول الفقيرة والمتطورة تصاحب أي حراك احتجاجي عمليات تخريب كبيرة تفقد جمهورها جوهر قضيته، أما في العراق وبالرغم من الحال الذي يعيشه المواطن لا زال سلمياً يرفض أن يكون حلقة في سلسلة العنف الذي جلب للعراق الخراب، ويحاول بكل ما له من حب لوطنه أن يكون منضبطاً رغم القسوة التي يُعامل بها من قبل الطرف الآخر (الحكومة) فهو ما يزال يبحث في كومة الركام عن أمل يجعل من حياته ذات قيمة، فهم لا يبحثون عن وطن مثالي لأنه لن يكون مثالياً أبداً فكل ما فعلوه قيموا الأوضاع وتجلياتها ووجدوا إنهم لا بد من أن يجدوا حياة تليق بالبشر، الحقيقة الثانية من المفترض على الحكومة وهي المسؤول الأول عن تلبية كل احتياجات المواطنين أن تتعامل بأبوية تجاه شعبها لا أن ترفض سماع صوتهم وتتهمهم بأقسى النعوت والتهم، فلا بد أن تغادر الأحزاب عقلية المعارض الذي عاش في المنفى سنوات عديدة دون تغيير ، ولا بد أن تغادر فكرة أن كل من كان في العراق في تلك الفترة هو راضٍ عن حكم المستبد.
بالنتيجة فالركون للمنطق والعقل يجنبنا الكثير من المشاكل والأزمات التي بالتأكيد تؤثر الجميع، فالشباب الذين يملؤون الشوارع والساحات هم من مختلف الطبقات والانتماءات والألوان لم يخرجوا بطراً بل كان لحراكهم هذا معنى وهدف هو القضاء على الفساد والمحسوبية وحكم العوائل بعد أن أكلت الأخيرة كل المنافع والخيرات ليجد هذا الشعب نفسه خارج خطة عمل الأحزاب، خرجوا ليحاولوا ايصال صوتهم لحكومتهم التي عزلت نفسها لسنوات عنهم حتى باتت لا تعرف حتى أشكالهم والأكثر من ذلك باتت تمنعهم حتى من ممارسة حقوقهم التي نص عليها الدستور والشرائع الدينية والانسانية، كل ما يريده هؤلاء المواطنين الحصول على أبسط الحقوق وأن يمحو صورة البلد المحطم، بالنتيجة علينا أن نكون عادلين منصفين تجاه واقعنا الذي لا نرتضيه وأن نعترف أننا نعيش هذا الواقع.
اترك تعليقك