تقييم بيئة الأعمال في العراق: تقريرالبنك الدولي عن ممارسة أنشطة الأعمال 2020

آراء وأفكار 2019/11/03 06:01:13 م

تقييم بيئة الأعمال في العراق:  تقريرالبنك الدولي عن ممارسة أنشطة الأعمال 2020

 د.عماد عبد اللطيف سالم

العراق بحاجة مُلِحّة واستثنائيّة لإجراءات وسياسات قصيرة الأجل .. وخطط وستراتيجيات طويلة الأجل ، من أجل تحسين وتطوير بيئة الأعمال الواعدةِ فيه ، والتي تمتلكُ إمكانات هائلة ، قلّ أن يمتلكها بلدٌ آخر ، لخلق فرص حقيقية للتشغيل والإستثمار والدخل .

هذه "بديهيّة"مللنا من تكرارها ، ولكنها تبقى أفضل بكثير من "تخدير" القوى العاملة الشابّة"العاطلة" بـجرعات من "المورفين الريعي" .. و"تسكين" أوجاع الحرمان ، وإنعدام الأفق المُجتمعي لدينا ، بـ "حُزَم" من "الكوكايين السياسي" ،التي يُقدّمها "نظام" لا مصلحةَ لهُ أبداً في أن تتحوّلَ إلى حقائق على أرض الواقع.

إنّ هناك "بديهيات" اقتصادية وسياسيةأخرى ، يمكن الإحتكام إليها أيضاً، لمعرفة ماذا فعلت الحكومات التي تعاقبت علينا على امتداد ستة عشر عاماً ، وإلى أيّ مدىً كانت "دولتنا" فاشلة بهذا الصدد .. وإليكم "الأدِلّة" ، وإليكم "الشهود" .. وإليكم التفاصيل:

إنّ اللوائح التنظيمية المتخلّفة ، وقواعد العمل المرهقة التي لا تتسم بالفعالية أو الكفاءة ، قد تخنق نشاط ريادة الأعمال ونمو الشركات. ويؤدي ذلك إلى إبعاد القطاع الخاص (المحلي والأجنبي) عن رقابة الجهات التنظيمية ، والتحوّل إلى القطاع غير الرسمي ، أو الخروج من البلاد بحثًاً عن بيئة عمل أكثرأمناً وربحيّةً ودَعماً . و يتجنب المستثمرون الأجانب (عادةً)الاقتصادات التي تحول القواعد التنظيمية فيها دون ازدهار النشاط الاقتصادي.

وقد لا تعيق الإجراءات البيروقراطية المرهقة ، والإفتقار إلى الأطر القانونية الملائمة ، وغياب الإستقرار ، الشركات أو المستثمرين فحسب، بل إنها قد تعرقل قدرة الاقتصاد على النمو المستدام. فالحرية الاقتصادية في ممارسة أنشطة الأعمال تسير جنباً إلى جنب مع التنمية الاقتصادية والقطاع الخاص المزدهر، وهذان بدورهما يدعمان القضاء على الفقر وتحقيق الرخاء المشترك.

يقيس تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2020 (الصادر قبل أيام عن البنك الدولي) اللوائح التنظيمية في 190 اقتصاداً عبر 12 مجالاً (أو مؤشِّراً)لتنظيم أنشطة الأعمال بغرض تقييم بيئة الأعمال في كل اقتصاد. وتم استخدام 10 من هذه المؤشرات لتقدير مدى سهولة ممارسة أنشطة الأعمال هذا العام. وهذا هو العدد السابع عشر من هذه الدراسة التي حفزت الحكومات حول العالم على إجراء إصلاحات في أنشطة الأعمال بهدف تعزيز النمو الاقتصادي المستدام.

وتبحث الدراسة في قواعد تؤثر على شركة ما من بدايتها حتى مرحلة التشغيل ثم توقفها عن العمل: بدء النشاط التجاري، واستخراج تراخيص البناء، وتوصيل الكهرباء، وتسجيل الملكية، والحصول على الائتمان، وحماية المساهمين أصحاب الحصص القليلة، ودفع الضرائب، والتجارة عبر الحدود، وإنفاذ العقود، وتسوية حالات الإعسار المالي.

وعلى وفق هذه الدراسة، فإن البلدان العشرة الأفضل في العالم لممارسة أنشطة لأعمال، هي نيوزيلندا (بعدد نقاط 86.8 من 100)، وسنغافورة (86.2)، و هونج كونج (85.3)، والدنمارك (85.3)، وجمهورية كوريا (84)، والولايات المتحدة (84)، وجورجيا(83.7)!!! ، التي تأتي في المرتبة السابعة قبل المملكة المتحدة (83.5)، والنرويج (82.6)، والسويد (82).

تشترك الاقتصادات التي تحرز أعلى الدرجات في سهولة ممارسة الأعمال التجارية في العديد من السمات، بما في ذلك الاستخدام الواسع للأنظمة الإلكترونية. وكان لدى البلدان العشرين الأفضل أداءً منصات على الإنترنت لتأسيس الشركات وتقديم الإقرارات الضريبية ونقل الملكية. علاوة على ذلك، يوجد 11 اقتصاداً لديها إجراءات إلكترونية لتصاريح البناء.

وبشكل عام، فإن البلدان العشرين الأفضل أداءً لديها لوائح تنظيمية دقيقة لأنشطة الأعمال تتسم بدرجة عالية من الشفافية.

بالنسبة للدول العربية تأتي الإمارات العربية المتحدة في المرتبة 16عالمياً(80.9 نقطة) ، أي قبل ألمانيا التي تأتي في المرتبة 22(79.7) ، و قبل فرنسا 32(76.8)... وتأتي بعدها في الترتيب 43 البحرين(76.0) ، والسعودية 62(71.6) ، وعُمان 68(70.0) ، والأردن 75(69.0) ، و قطر 77(68.7) ، وتونس78(68.7) ، والكويت 83((67.4 .

ويأتي العراق في المرتبة 172 عالميّاً ( من بين 190 دولة)، و بـ 44.7 نقطة فقط(من 100 نقطة) ، ولا تأتي بعدنا في الترتيب إلاّ دول مثل أفغانستان وليبيا وجنوب السودان وأرتيريا وتشاد و تيمور وأنغولا والصومال. 

أمّا الدول "المتخلّفة" الأخرى التي تتفوّق علينا في الترتيب فهي ، ميانمار والسودان ومدغشقر وبنغلاديش ونيكارغوا وكمبوديا ومالي وبنين وجزر مارشال وبوركينا فاسو!!!!!.

ويكفي وجود العراق في هذه المرتبة المتدنيّة من جدول الترتيب ، لتقديم تقييم موضوعي لما يُسمى بـ "إصلاحات" الحكومات المتعاقبة في العراق (طيلة ستة عشر عاماً ) في مجال تسهيل بيئة الأعمال .. ولمعرفة إلى أيّ مدى يمكن للوائح التنظيمية المتخلّفة ، وقواعد العمل المرهقة ، ، والروتين الثقيل ، وأنماط الإدارة البائسة التي لا تتسم بالفعالية أو الكفاءة ، والفوضى ، وأنحسار سلطة القانون (وما يرتبط بكلّ ذلك من فسادٍ متعدّد الأوجه والأبعاد) .. أن تؤدي (كلّها) إلى عزوف المستثمرين (المحليّين والأجانب) عن العمل في العراق .. وإلى التدهور المستمر في مؤشّرات الإقتصاد الكلّي ، وإلى ارتفاع مؤشرّات الحرمان ، وتزايد معدّلات البطالة والفقر ، وترسيخ ريعيّة الإقتصاد ، و تعزيز "أبويّة" الإدارة السياسية للموارد الإقتصادية.

إنّ إصلاح و تحسين بيئة الأعمال في العراق يجب أنْ يكون هو الخطوة الأولى (والأساسية) في الطريق الطويل للإستجابة للتحديات والأزمات الإجتماعية والإقتصادية "البنيويّة" المُركبّة ، التي يعاني منها العراق منذ عقودٍ عديدة.. وليس الإصرار على إجراءات "الترقيع" الحكومي والبرلماني البائسة ، بهدف امتصاص نقمة الناس ، من خلال (مثلاً) تخفيض سنّ التقاعد(لزيادة عدد المتقاعدين الضخم أصلاً) ، وإحلال موظفّين حكوميين عاطلين عن العمل بدلاً عنهم(لزيادة عدد الموظفّين الحكوميّين الهائل أصلاً) .. وغيرها من الحلول التي تفتقر للمنطق الإقتصادي السليم ، و التي لا يمكن لها أنْ توفّرَ مصدراً للتوظيف الدائم ، والدخل المُستدام.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top