د. معراج أحمد معراج الندوي
في حين نازك تعرف الملائكة كشاعرة كبيرة ورائدة في مجال الشعر الحر إنما تركت بصمات لها في مجال القصة والرواية، وإن الكثيرين من الباحثين يجهلون نازك الملائكة ككاتبة القصة والرواية.
فلم تحظَ قصصها ورواياتها باهتمام الدارسين وكأن شعرها قتل أعمالها النثرية الفنية ولو بدأت حياتها الأدبية بكتابة القصة والرواية.
بادرت نازك الملائكة أن تُظهر مواهبتها الأدبية من خلال القصة القصة. فقد كانت تجربتها القصصية الأولى" منحدر التل" التي عدت باكورة من أعمالها في هذا الميدان. إن مساهمتها في مجال القصة القصة لا تتعدى سبع قصص تحتوي عليها مجموعة تم نشرها مؤخرا.
عالجت نازك الملائكة في قصصها القضايا الإنسانية والقضايا الاجتماعية والقضايا الوطنية السائدة في العالم العربي مثل حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل والعلاقات العاطفية للحب والمودة والوحدة العربية وحرية المواطن ومقاومة الاستعمار في كل شكل من أشكاله.
برزت هذه الشاعرة ككوب لامع وبلبل غريد في جبين الشعر النسوي العراقي في العصر الحديث. بدأت حياتها الأدبية بكتابة القصة ولكن سرعان أدركت أنها خلقت للشعر والشعر خلق لها، فغيرت وجهة نظرها وتحوّلت رحاب فكرها من القصة القصيرة الى الشعر الحر.
إن الشعر هو الجنس الأدبي الذي يتصدر الأدب العالمي ولكن القصة القصيرة تبقي الجنس الأدبي الأكثر تنظيما لنفسها ولزمنها الإبداعي، ولها تأثير بالغ الأثر. وهذا الأثر الأدبي احتل مكاناً مرموقاً واكتسب مقاماً عالياً في أكثر بلدان العالم، وعلى مر الزمن، شاعت الأنواع المختلفة من القصة القصيرة. وهذا الفن أصبح متنوعاً ومتكاملاً. القصة القصيرة تشير إلى الواقعية وتفسر لنا زمناً خاصاً وتعرض قلق الإنسان في الناس كما هي تشير إلى حياة الناس الصعبة وتسعى إلى أن تحرك ذاكرة الحياة وتبين الأحلام الإنسانية.
احتلت القصة القصيرة كلون أدبي وذائع الصيت موقعاً متميزاً على خارطة الأدب العربي. ولا تخلو نازك الملائكة من هذا الإطار، لقد أدركت نازك الملائكة أن القصة لها أثر بالغ على أذهان الناس والمجتمع، ولها دور بارز في تغيير والآراء والمواقف، فاختارت هذا الفن القصصي من الفنون الأدبية الحديثة وسيلة للتعبير عن إحساساها ومشاعرها.
لقد أسهمت نازك الملائكة في الفنون النثرية المختلفة إلا أنها لم تنل حظاً وافياً بالدرس والتحليل، إذ تغلب شعرها على نثرها الفني، وقد أصبحت نازك مجهولة في باب النثر. أرادت نازك الملائكة أن تثبت حضورها في مجال القصة القصيرة، فكتبت العديد من القصصة الفنية. هكذا نجد أن مواهب نازك الأدبية الفنية تنوعت في الشعر والقصة والرواية. وهذا التنوع يؤكد لنا بأنها قدمت في أدبها ألواناً متعددة وأنماطاً مختلفة من أشكال التعبير الأدبي من شعر ونثر.
عندما بدأت نازك الملائكة أن تكتب القصة القصيرة، فحاولت أن تسجل الحياة العربية كما رأت وشاهدت وجربت في حياتها اليومية. أرادت أن تحمل القصة القصيرة قضايا الوطن وتوصل رسائل للمجتمع الذي عاشت فيه، فعالجت القضايا الاجتماعية وعلى رأسها قضايا المرأة العربية وهمومها. وقد أبانت نازك الملائكة في كتاباتها القصصية عن رحابة فكرها وقدرتها على التخيل دفعاً للصمت وطلباً للحياة، كما امتاز أسلوبها في مجالات عديدة وتنوع سردها وتنوعت جمالية لغتها حتى لا يمكن لنا أن نقول إنها لغة أنثوية. بدأت مجاولتها الأدبية بكتابة القصة القصيرة وتركت لنا من الآثار القصصية التي تدل على براعتها وإبداعاتها في القصة القصيرة. ومن آثاراها الخالدة في القصة القصيرة هي:
• "الياسمين" عام 1958م
• "ظفائر السمراء عالية"عام1977م
• "إلى حيث النخيل والموسيقى" عام 1977م
• "منحدر التل" عام 1959م
• "قصة للعطاش: قناديل لمندلي المقتولة" عام 1978م
• "الشمس التي وراء القمة" عام 1979م
• "رحلة في الأبعاد " عام 1979م
هذه القصص، بالرغم على اختلافها في الموضوعات والنزعات تمثل صوتاً جديداً وتكشف علاقة المرأة مع نفسها ومع الرجل، ومع الأم والأب والمجتمع من حولها بكل ما تزخر بها من سياسة وتطورات اجتماعية. عندما نقرأ هذه القصص تؤدي بنا إلى الشعور بأنها ليست إلا الانطباعات التي ارتسمت على ذهن الكاتبة نتيجة أي حدث أو واقع، ولا تخلو هذه القصص من ميزات الفنية القصصية.
نشرت قصتها الأولى "ياسمين" لأول مرة في مجلة الآداب التي كانت تصدر من لبنان في صيف عام 1977م. نالت هذه القصة شهرة واسعة في أوساط العلمية والأدبية. كانت تنوي صاحبها أن تخرج أول مجموعة قصصصية لها وأن يكون عنوان "القصة الأولى" نفسه، ولكن ظلت هذه المجموعة القصصية متناثرة في مختلف المجلات والجرائد. وتحدثت نازك لأختها إحسان عن مجموعة قصصية عنوانها "الشمس التي وراء القمر". وأنها المجموعة القصصية نفسها التي كانت تنوي أن تصدرها تحت عنوان "ياسمين".
إن دراسة قصص نازك الملائكة تدفعنا إلى التفكير بأن الكاتبة تبحث عن عوالم بعيدة مع أنها تعيش بين أهلها وفي بلدها. فكانت تعيش في عالم خاص بها ينهض على اليأس والألم وحده والغربة والعيش مع ذكريات الماضي. فإن بواعث الكابة التي تتجلى في قصصها ليست في الحرمان ولا في الحب الضائع ولا في فكرة الموت وإنما الحزن الذي نشأ في الحياة والموت من جهة والتأمل في الأحوال الإنسانية من جهة ثانية ثم انتقلت هذه التأملات إلى صعيد الحس فتركت في قلبها جروحا لا تندمل.
إن السمة الغالبة التي تتجلى في هذه المجموعات القصصية بوضوح في التعبير عن كاتبتها واتجاهاتها فهو الحب، حب الإنسان لأخيه، حب الإنسان لسائر المخقلوقات حتى لكل الموجودات في الكون. والسمة الثانية التي تغلب على قصصها فهو الإغتراب والوحدة حيث بحثت الكاتبة عن الحب من حولها فلم تجد أثاره وثماره بين الناس وإنما رأت الظلم والجشع نتيجة البغضاء والكراهية والحسد هي النزعات الشائعة في التعا مل بين الناس.
ولا شك في أن الكاتبة قد اختارت عناوين شعرية خالصة لهذه القصص ، إذ إنهاشاعرة قبل كل شيء أما القصة فلعلها دخلت في هذا المجال حرصاً على التنوع في أساليبها التعبيرية خاصة وأن القصة تتسع أكثر من الشعر لتسجيل الانطباعات التي تتركها أحداث الحياة على النفوس البشرية.
لقد حاولت القاصة الشاعرة أن تنسج في مجموعتها دراما قوية بدفقات مشاعرية قوية تمتلك التأثير وتعوض عن حبكة الحدث الذي غاب عن بعض قصصها، تمزجه بتنويعات كثيرة، تتضافر جميعها لترسخ فكرة القصة وسرد الأحداث لتكون متحدة منسجمة دون تشتيت، وقد نجحت في إضاءة الأبعاد الرمزية لها،لادخالها. وهكذا نجد أن نازك الملائكة تتميز بجهودها في القصة القصيرة بإسهاماتها الإيجابية في مجال القصة القصيرة وفي موضوعاتها وبنائها السردية من بعض القضايا الاجتماعية في الأدب العربي المعاصر.
تعليقات الزوار
الدكتور عباس الموسوي
ان النقد والنقاد الذين عايشوا وجايلوا نازك ولمعان نجمها في أفق الشعر هم مسؤولون عن ضياع فرصة تسليط الضوء على كاتبة يمكن أن يكون مستواها بمستوى الكبار
حيدر عبد المحسن
نتمنى من الباحثة نشر إحدى قصص الراحلة. تحياتي...