غزوة السنك.. صمت القبور وصراخ الصقور

آراء وأفكار 2019/12/10 06:54:08 م

غزوة السنك.. صمت القبور وصراخ الصقور

عباس العلي

لم تمضِ ساعات قليلة على خطبة المرجعية في كربلاء حتى جاء الجواب ترجمة دموية متوقعة لها من قبل ضباع المليشيات الوقحة، لتؤكد جملة من الحقائق التي لا ينكرها عاقل، أو يحاول أحد تسفيهها أو القفز فوق الحدث وبالصوت والصورة، هذه الحقائق والوقائع يمكن عدها كما يلي:

1. إن من يدعي أن المتظاهرين عليهم أن يلتزموا السلمية التامة في حراكهم، وأن يتحلوا بروح المسؤولية وما عدا ذلك فأنهم سيواجهون تناقص التأييد لهم ومن ثم فشلهم كسب التأييد لقضيتهم، قد منح لهؤلاء الرعاع القتلة المبرر والعذر في أن يستبيحوا ساحات الاحتجاج والتظاهر وأمام مرأى الجميع، وأخص بالذكر كل القوى القمعية وحتى المنادي بالسلمية التامة.

2. ولأن هناك حقاً مشروعاً لهم ومنصوص عليه دستورياً ولا أحد يمكنه أن يتجاوز ذلك، فلا بد من أختلاق أزمة وإشكالية نتيجة رد الفعل من الثوار، سيكون كافياً للسلطة وأحزابها أن تكرر سيناريو رابعة العدوية، تحت مسمى حماية الناس والحفاظ على أرواحهم من احتمال أن تتحول الساحات إلى أرض محروقة بين المتظاهرين والقوى الشريرة.

3. هناك تنسيق وتحضير مسبق بين بعض جهات السلطة والقتلة تمثل في سحب سلاح الشرطة وبعض القوى الأمنية، التي عانت هي الأخرى من اعتداءات المرتزقة حتى لا يتم التصدي لهم، وقطع التيار الكهربائي عن المنطقة حتى لا يتم كشف العناصر وتصويرهم جيداًـ واخيراً انسحاب فرق الإطفاء والدفاع المدني من المنطقة لحين إكمال المجزرة.

4. غياب كامل للقيادات الميدانية المسؤولة عن حماية المتظاهرين والاكتفاء من قبل العناصر غير المسلحة في المنطقة على التفرج والحياد، هذا يؤشر إلى تواطئ حقيقي لا يقبل الشك مع القتلة وبأمر السلطات العليا العسكرية والأمنية والسياسية ولا حتى بعد إنتهاء المجزرة.

5. الإعلام الحكومي الرسمي والناطقون باسم القائد العام والداخلية وعمليات بغداد يزيفون الحقائق ويقللون من عدد الشهداء والجرحى، تأكيداً على أنهم خارج دائرة المسئولية وواجبهم فقط خداع الناس وتقديم صورة مشوهة عما حدث بقولهم (نزاع مسلح بين المتظاهرين) ومرة أن أحداث شغب حصلت في مرأب السنك وساحة الخلاني، فهم لا يتجرؤون على قول الحقيقة ويسوّقون لطمس معالم الجريمة.

6. لم يخرج لموقع الحدث أو للإعلام أي مسؤول سياسي من رئيس الجمهورية إلى أدنى درجات الوظيفة، ولا أي برلماني يدعي أنه ممثل الشعب وصوته الناطق، ولا أي ممثل عن وزارة الصحة ليشرح للناس حجم الكارثة ومقدار التضحيات إما خوفاً من القتلة وبطشهم، أو لكون ما جرى كان بقرار رسمي لقتل المتظاهرين عمداً بأي صورة، وكأن الأمر لا يعنيهم بشيء ولا من واجباتهم الأساسية.

7. دخول أرتال السيارات للساحة وخروجها علناً وأمام أنظار الكاميرات يثير أسباب الشك والإدانة للسلطة وأدواتها القمعية، ويحملها كامل المسؤولية القانونية والسياسية أمام الشعب وعلى المستوى الدولي في نفس اليوم الذي أعلنت الولايات المتحدة أنها لا تسمح للحكومة العراقية بقتل وقمع المتظاهرين، فالمنطقة ليست خالية من السيطرات الأمنية ورصد القوى الاستخبارية وخاضعة للمراقبة المركزية، بسلسلة مترابطة من الكاميرات المسيطر عليها من قبل قيادة عمليات بغداد، فكيف دخلت وخرجت بسلام دون اعتراضها أو السؤال منها عما تحمل من أسلحة ومسلحين فيها.

8. قبل حدوث المجزرة فرضت الولايات المتحدة بعض العقوبات على أربعة من المسؤولين العراقيين (بتهمة قتل المتظاهرين والفساد)، وما حدث جواب فوري ومباشر وعاجل بأن هذه الشخصيات وحلفائها ومشغليها على استعداد للمضي إلى أمام وبتحدي واضح، الهدف منه جر الولايات المتحدة لتصرف عملي يشعل الأرض العراقية بحرب قد تخفف الضغط عن طهران ونقل الصراع إلى الأرض العراقية.

9. وبعد مرور أكثر من ست ساعات من بدء المجزرة والمسلحون القتلة واصلوا وبكثافة دون أن يتدخل أحد من أي قوة أمنية أو عسكرية للتصدي وأنقاذ الناس من الرصاص الحي، ولم يصدر أي رد فعل رسمي على ما يجري والجميع صامت صمت القبور، ولم يتصرف القائمون على حماية أمن المتظاهرين بأي فعل تلبية لواجبهم وطبقاً لمسؤولياتهم القانونية والدستورية، هذا تأكيد تام وكلي أن القرار قد صدر بفض الاحتجاجات، قرار الحكومة ومن أعلى المستويات بكامل حريتها وعليها أن تتحمل وزر ذلك.

كل هذا قد يكون تفسيراً حقيقياً ومقصوداً بإيحاء من احد الخطباء حين صرح بخطبته وهو ما أذهب إليه جازماً، عندما قال (ينبغي العمل على أن ترجع الأمور الى سياقها الطبيعي في جميع المناطق من تحمل القوى الأمنية الرسمية مسؤولية حفظ الأمن والاستقرار وحماية المنشآت الحكومية وممتلكات المواطنين من اعتداءات المخربين)، فهو لا يجرؤ أن يصف المتظاهرين بصراحة لكنه يشير إلى كلمة مخربين، وهو على علم يقيني أن المخربين هم من ترسلهم أحزاب السلطة وزبانيتها، هذا التلاعب بالكلمات هروب من قول كلمة الحق، وتسترٌ فجٌ ومفضوح منه على ما يجري، فكل قطرة دم سقطت اليوم وروح أزهقت يتحملها خطيب كربلاء بالتضامن والمسؤولية المشتركة مع القتلة.

قد يقول قائل إن الخطيب وجه كلامه (للقوى الأمنية الرسمية) وليس لجهة أخرى، والجواب إن القتلة الذين نفذوا الأمر وفقا لسياقات العمل المتبعة هم جزء من الحشد الشعبي وهي جزء من القوى الأمنية الرسمية بموجب القانون، خاصة وأن الجيش أبعد عن المكان والقوى الأمنية من الشرطة المحلية والاتحادية وقوة فرض النظام، وقد أنتزع سلاحها وجردت منه وهي مأمورة فقط بالتواجد الشكلي دون أن يحق لها عمل أي شيء، أو حتى أداء واجب الحماية بالحد الأدنى.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top