عامان على التحرير : الوسط والجنوب مشتعلان بالتظاهرات والمناطق المحررة هادئة نسبياً

عامان على التحرير : الوسط والجنوب مشتعلان بالتظاهرات والمناطق المحررة هادئة نسبياً

 بغداد/ المدى

احيى العراقيون يومهم أمس من دون احتفال بأهم انتصار بعد انهيار نظام صدام حسين، إذ صادفت الثلاثاء الذكرى الثانية للنصر على تنظيم داعش، واعلن لذلك تعطيل الدوام الرسمي.

وأعلنت بغداد، في 10 كانون الاول 2017، استعادتها الأراضي التي سيطر عليها التنظيم، وبلغت حينها نحو ثلث مساحة البلاد خلفت جراءها 6 ملايين نازح، مازال اكثر من مليون منهم في المخيمات.

ولا يزال داعش يحتفظ بخلايا نائمة متوزعة في أرجاء البلاد، وبدأ يعود تدريجيا إلى أسلوبه القديم في شن هجمات خاطفة على طريقة حرب العصابات التي كان يتبعها قبل 2014. ورغم ذلك تشهد المحافظات المحررة هدوءا نسبيا مقارنة بمحافظات الوسط والجنوب التي تشتعل بالتظاهرات منذ 70 يوماً. وشددت القوات الأمنية من انتشارها وإجراءاتها في العاصمة بغداد، تزامناً مع الدعوات التي أُطلقت لتظاهرات حاشدة الثلاثاء. وسبق ان حذّر بيان نسب لمتظاهري ساحة التحرير في بغداد، الكتل السياسية وميليشياتها من محاولة الالتفاف على مطالب المحتجين، ونوّه البيان إلى أن أطرافاً عراقية تسعى إلى تبرير قمع الانتفاضة، كما رفض البيان اختيار الكتل السياسية لرئيس الحكومة الجديدة، وحذّر من الانجرار إلى مخطط العنف.

وكان زعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي قال الاثنين إن التظاهرات التي سيشهدها العراق الثلاثاء، يراد منها ان تكون تخريبية وان تؤدي إلى سقوط أكبر عدد من القتلى. ويخشى رجال السلطة في العراق من دخول العشائر الى مسار الاحتجاجات خصوصا بعدما بدأت الدعوات لذلك.

ولطالما كانت العشائر في العراق عامل توازن بين الشارع والسلطة على امتداد العقود. ولكن حين تغيب الدولة، وتسيل الدماء في احتجاجات مناهضة للسلطة في البلاد، يعود كلّ عراقي إلى عشيرته التي ترفع شعارها: "نحن أولياء الدم".

بقوانيها وأعرافها وعاداتها وتقاليدها التي لا يستطيع التهرب منها أحد، وكميات السلاح التي تمتلكها، أصبحت العشائر اليوم من أبرز اللاعبين في العراق.

وتتواصل التظاهرات في جنوبي البلاد ذي الغالبية الشيعية ضد نظام الحكم، وقد أضرم خلالها المحتجون النيران في عدد كبير من المؤسسات الحكومية ومقار الأحزاب احتجاجاً على الفساد ونقص الخدمات واتساع نفوذ الفصائل المقربة من إيران. وفي بلد نحو 60 في المئة من سكانه هم دون الخامسة والعشرين من العمر وثلاثة أرباعهم يعيشون في المدن، "انسلخ كثيرون من العراقيين الشيعة عن هويتهم العشائرية" خلال السنوات الأخيرة، بحسب ما يقول فيليب سميث من "معهد واشنطن" للأبحاث. لكنه يشير إلى أن تلك الروابط تعززت اليوم على غرار كل مرحلة حساسة في العراق، إذ أنه في مواجهة "حكومة مركزية ضعيفة للغاية وقوة خارجية (إيران) يُنظر إليها على أنها داعمة للحكومة، يقول (العراقيون) لأنفسهم من الأفضل أن نتجه نحو مصادر القوة التي سبق وجربناها".

عندما سادت الفوضى مؤخراً في مدينة الناصرية جنوباً بقرار من لواء أرسلته بغداد لـ"فرض النظام"، كان مقاتلو العشائر هم من قطع الطريق على التعزيزات الأمنية.

أوقف هؤلاء حمام الدم في المحافظة التي سقط فيها 97 قتيلاً، وفقا لمصادر طبية، معظمهم من المتظاهرين الشباب الذين قتلوا بالرصاص الحي في مدينة الناصرية، مسقط رأس رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي.

وأسفرت أعمال العنف المستمرة منذ انطلاق الاحتجاجات المناهضة للحكومة في العراق في الأول من تشرين الأول الماضي، عن مقتل أكثر من 450 شخصاً وإصابة أكثر من عشرين ألفاً بجروح.

ويقول الشيخ قيصر الحسيناوي من عشيرة الحسينات في الناصرية لوكالة (فرانس برس) "العشائر هي التي ساهمت في إيجاد حلول للأزمة، والسياسيون لم يتحركوا". وقدمت مئة عائلة بالفعل شكوى ضد اللواء جميل الشمري الذي قاد عملية القمع في الناصرية، وحظيت تلك العائلات بدعم العشائر.

وفي بلد لا تزال "الديّة" فيه بعيدة عن القنوات القضائية الرسمية، بل تأتي نتيجة اتفاق و"جلسة فصل" بين العشائر، يقف شيوخ الناصرية اليوم إلى جانب عائلات ضحايا القمع، مطالبين بالقصاص ممن كانوا سبباً في سقوط "الشهداء". وتبرأت عشيرة الشمري من ابنها، اللواء المفصول، بدلاً من الدفاع عنه.

ولا تزال العشائر حتى اليوم تتدخل للحد من العنف، رغم أن لها تاريخا طويلا في المقاومة، وخصوصاً في العام 1920 عندما كان لها دور حاسم في الاستقلال ضد الاستعمار البريطاني.

فإذا اضطرت إلى حمل السلاح، يؤكد رجال شرطة يقفون منذ شهرين في مواجهة التظاهرات، أنهم يفضلون حينها الانسحاب على المواجهة، لأنهم يرون أن "الدولة لن تكون قادرة على حماية رجالها من القانون العشائري".

وكانت العشائر دائماً مفتاح العودة إلى الهدوء في مناسبات عدة، لأن رجالها موجودون في كل مكان، بين المتظاهرين، ورجال الشرطة، وفي الحكومة.

وصارت تلك نقطة قوة للعشائر في تعزيز مكاسبها السياسية والاقتصادية، في واحد من أغنى دول العالم بالنفط والذي تنخره المحسوبيات.

ويرى الباحث في مركز "اي نيو أميريكان سيكيوريتي" نيكولاس هيراس أن العشائر اليوم تسعى إلى إعادة التفاوض على "العقد الاجتماعي". ففي مدينة البصرة النفطية الواقعة إلى أقصى جنوبي العراق، تتظاهر العشائر بشكل روتيني بسلاحها، الثقيل أحيانا، للحصول على وظائف وعمولات من شركات النفط، عراقية كانت أم أجنبية.

ويشير هيراس إلى أن "غضب العشائر موجه اليوم إلى المسؤولين في بغداد المتهمين بعدم الالتزام بجانبهم من العقد الاجتماعي"، الذي يقضي بأن "يكون شيخ العشيرة قناة موارد لأفراد عشيرته، مقابل أن يقدموا له هم الولاء المطلق". لكن وسط بنية تحتية محتضرة ونقص في الموارد، فإن الدولة غير قادرة على الاستجابة إلى مطالب العشائر.

ويقول سميث إن "الوظيفة لا تكفي لشراء أشخاص. أثقل فساد المؤسسات وسوء إدارة الدولة كاهلهم". ويختم بالقول "يجب ألا ننسى شيئاً، وهو أنه لا يمكن شراء عشيرة أبداً، بل يمكن استئجارها".

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top