الرواية السياسية بين الفنية والواقعية

الرواية السياسية بين الفنية والواقعية

عفاف مطر

يرى الكثير من النقاد أن الأدب والسياسة عالمان منفصلان لا علاقة بينهما، وهذا بالطبع يشمل الرواية، وهم يبنون رؤيتهم هذه على أساس أن الرواية هي عالم خيالي عاطفي يهتم بمشاعر الانسان،

في حين تعنى السياسة بالمواطن وهي عالم جاف وقاسٍ أيضًا، وهي رؤية يرفضها أغلب المهتمين بالأدب بصورة عامة والأدب السياسي والمشتغلين به بصورة خاصة، بل وحتى كتّاب الأدب بأنواعه الأخرى، إذ لا تخلو أنواع الرواية الاخرى مثل الرواية الكوميدية، التاريخية، روايات الحروب، والروايات الاجتماعية وحتى الروايات العاطفية من تفاصيل سياسية بشكل مباشر أو غير مباشر. المفكر والناقد الإنجليزي تيري إيغلتون يرى أن هناك علاقة وثيقة بين الأدب والسياسة وقد يصل الأمر بمكان الى صعوبة فك العلاقة بين الاثنين. وعلى هذا الأساس ظهر مفوهما (تسيُّس الأدب) الذي يتناول تأثير السياسة على الأدب و(تأديب السياسة)، الذي يُناقش تأثير الأدب على السياسة. كما ناقش إيغلتون في كتابه (نظرية الأدب) العلاقة بين الأدب والآيديولوجيا التي حلت محل الدين بعد عصر النهضة الصناعية حين كان الأدب والفكر من أهم روافده، واستعرض نشوء الأدب الإنجليزي وتطوره، وأوضح إيغلتون الفرق بين الأدب "التخيلي" الذي ساد المرحلة الرومانسية والأدب الذي صبغ المرحلة اللاحقة التي كانت مرحلة ثورات وانتهت إلى تشكل الإمبراطورية الرأسمالية الصناعية وانتزاع الطبقة الوسطى للسلطة السياسية من أيدي الكولونياليين والإقطاعيين. ورافق ذلك أن أصبح الأدب آيديولوجيا، وغدا قوة سياسية رأس مالية. ووجد الكتّاب الرومانسيون أنفسهم شيئا فشيئًا على هامش المجتمع، وتم حرمانهم من تبوُّؤ أي مكانة لائقة ضمن الحركات الاجتماعية التي استطاعت أن تحول الرأس مالية الصناعية إلى مجتمع جديد. 

وقد أشار إيغلتون إلى أن الأدب أصبح المرشح المناسب من نواح عديدة للمشروع الآيديولوجي الجديد؛ فهو كمسعى ليبرالي وانساني يمكنه أن يقدم ترياقا فعالا ضد التعصب السياسي والتطرف الآيديولوجي، فالأدب يمتلك القدرة على تشكيل فكر المتلقي برغبة وارادة كاملتين، في حين أن السياسة تفرض ما تريده قسرا. ويرى إيغلتون أنه في حين يتحمل العلماء والفلاسفة والمنظرون السياسيون أعباء المساعي الخطابية الرتيبة الكئيبة، فإن الأدباء يحتلون مجال الشعور والتجربة الأعلى قيمة وتقديرا. ومع التهديد الذي واجهته الرأسمالية البريطانية من منافستيها الفتيتين الألمانية والأمريكية بتقدمهما عليها، برزت الحاجة الملحة إلى الإحساس بالهوية القومية، وهنا سطع نجم الأدب في السياسة. وقد انغمس الأدب بعد ذك في أدوار مستهجنة أشد خطورة سياسيا واجتماعيا كالدعاية الحربية. لذا، فإن الأدب السياسي في حاجة إلى قراء واعين. ولا يقل شأن القارئ لهذا النوع من الأدب عن شأن كاتبه. 

وبالتالي لا بدّ أن نطرح سؤالًا مهمًا: هل هناك نوع من القصدية في كتابة الرواية السياسية؟ أم أن السياسة تتدفق أحيانًا إلى العمل الأدبي دون وجود نية مبيتة لذلك؟ نجيب محفوظ يقول في حديثه عن شخصيات روايته ميرامار: "لقد بدأت بنية كتابة حياة أشخاص فتحول كل شيء إلى المعنى السياسي" أي انه أثناء كتابة محفوظ لروايته، تحول مسار الشخصيات العادية من مجرد شخصيات مستمدة من الواقع إلى رموز سياسية من دون قصد وعمدية منه. وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال مهم طرحه الروائي حيدر حيدر في شهادة له حول الموضوع ذاته، حين ذكر أن بعض النقاد يسألونه: "هل تكتب رواية سياسية، أم أنك في مجرى العملية الروائية يعبر قطارك في محطة سياسية، كما يعبر في محطات الحب والموت والحلم والأساطير والعنف والليالي والنهارات والصراعات لمواجهة البشاعة والتشويه في العالم؟" وبالتالي هل تختلف كتابة الرواية السياسية عن أنواع الروايات الأخرى؟ إن الحياد عن السياسة في الرواية يكاد يتساوى في الجوهر مع كتابة روايـة سياسية ثقيلة الظل وخالية من الابداع الفني، أي أنه عند تصنيف عمل أدبي ما على أنه رواية سياسية، يجب أن ينطلق أولا من كون هذا العمل، من الناحية الفنية، رواية أم لا؟ ثم يأتي بعد ذلك وصف هذه الرواية بأنها سياسية أو لا. أما إيرفنج هاو، فقد كان أكثر صراحة في التعامل مع مفهوم الرواية السياسية، حيث نظر إليها على أنها تلك الرواية التي تلعب فيها الأفكار السياسية الدور الغالب أو التحكمي، أي أنها تركز على قضايا سياسية بالدرجة الأولى. واعتبر هاو أن التحدي الأكبر أمام "الروائي السياسي" هو أن يجعل من الأفكار أو الآيديولوجيات مادة حية تتحرك داخل العمل الروائي من خلال الشخصيات على هيئة أفعال وتضحيات، وأن يظهر العلاقة بين النظرية والتجربة، أو بين الآيديولوجيا والعواطف التي يحاول أن يقدمها، دون أن يجعل الأفكار المجردة تفسد الناحية الفنية للرواية وتقضي على حيويتها. وبالتالي فإن الرواية السياسية هي "رواية تنزع نحو نوع من الواقعية، ولا تتميز عن غيرها من الروايات سوى بتأكيدها على الحدث السياسي". 

أما من أبرز الروايات السياسية التي حققت هذين الشرطين، الفنية العالية والواقعية، نذكر على سبيل المثال:

The Red and the Blue بقلم Steve Kornacki وفيها يقدم ستيف كورناكي المراسل السياسي الوطني لـ NBC News و MSNBC العلاقة الجذابة والمعقدة بين بيل كلينتون ونيوت غينغريتش وهما رجلان كانا يهيمنان على السياسة الأمريكية في التسعينيات.

The Trial (المحاكمة) بقلم Franz Kafka قام الكاتب بإعداد بعض الأعمال المرعبة حقًا في عصره بما في ذلك هذه الرواية المثيرة للجدل عن رجل اعتقل بسبب جريمة لم يتم كشفها واضطهاده من قبل سلطة لا يمكنه الاتصال بها.

Atlas Shrugged بقلم Any Rand وهي رواية تتمتع بطفرة في شعبيتها بفضل اعتناق بعض النقاد من أقصى اليمين لسياستها، تضع رواية أني راند الملحمية رأيها حول دور الحكومة في الأعمال التجارية ومبادئ فلسفتها المتمثلة في الموضوعية والعقلانية الذاتية.

Dark Money بقلم Jane Mayerوهي رواية تحكي قصة صحفي نيويوركر الجريئة والأكثر مبيعًا إذ تظهر الرواية فساد الحكومة وعدم المساواة الاقتصادية ويعيد النظر إلى المليارديرات الذين شكلوا حاضرنا وسيشكلون.

Russian Roulette بقلم Michael Isikoff and David Corn

في هذه الرواية يقودنا اثنان من الصحافيين الاستقصائيين البارزين عبر التدخل الروسي غير المسبوق في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 مستمدين من الحرب الباردة لشرح تأثير فلاديمير بوتين على دونالد.

 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top