TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: الحماقة الطائفية

العمود الثامن: الحماقة الطائفية

نشر في: 9 يوليو, 2020: 08:38 م

 علي حسين

رسائل كثيرة تصلني من قراء أعزاء.. الكثير منها يعتقد أن العلة ليست في الحكام وإنما في المحكومين الذين يصرون دومًا على الانقياد لأهواء ورغبات الحاكم... في كتابه " المجادلة مع الحمقى يكتب الفرنسي جلين بليك :

"إن للحمقى أيضا من يعجب بهم وهم الأكثر حماقة منهم"، وقديمًا خصص أحد التقاة "ابن الجوزي" كتابًا سرد فيه أخبار الحمقى والمغفلين وضع فيه وصفًا للحمق فقال: "معنى الحمق والتغفيل هو الغلط في الوسيلة والطريق إلى المطلوب، بخلاف الجنون، فإنه عبارة عن الخلل في الوسيلة والمقصود جميعًا، فالأحمق، سلوكه الطريق فاسد ورؤيته في الوصول إلى الغرض غير صحيحة".

العام 1885 أطلق بول لافارغ السياسي من أصل كوبي وصهر ماركس مقولته الشهيرة حول الحق بالحماقة، كانت المقولة في حينها مدهشة وجديدة وتعبر عن نوع من الحزن والأسى على ما وصل إليه مجتمع الساسة آنذاك من الاستهتار بمقدرات الناس وعقولهم في مجتمعات شديدة الضغط على الإنسان، ويبدو أن مفهوم الحماقة اليوم بدأ يشمل الشعوب التي تسلم أمرها بيد سياسيين فاقدي الصلاحية والأهلية ويكفي أن نأخذ عينات من الحكومات التي توالت على هذا الشعب ، كي نرى حجم الاستخفاف بالإنسان، فشراء الذمم وتزوير إرادة الناس وسرقة المال العام والمحسوبية والرشوة، جعلت المواطن لا يملك إرادته ويعيش على هامش الحياة، فالإنسان الذي أطلق عليه هربرت ماركيوز اسم الكائن الخلاق، تحول في مجتمعاتنا إلى كائن عاجز.

اليوم والمواطن العراقي يعيش وسط أكوام الضياع وصحراء القهر والغبن وتحت سماء تتسع باطراد من بطالة وخوف وموت مجاني، ليس أمام الغالبية من سيئي الحظ، سوى الوقوع في ثقب الحماقة واللامبالاة مع ما يحمله من بلسم كاذب ووهم خادع لجنة موعودة كبديل عن إفلاس مشاريع الجنة الأرضية، جنة العدالة الاجتماعية والتنمية والتقدم التي وعدت بها أنظمة تسعى للاستيلاء على أي شيء وكل شيء. يقول فؤاد زكريا "نعيش اليوم في أحدث نموذج لمجتمعات الحمقى والمغفلين التي لبس فيه السياسيون بدلات الجنرالات ودخنوا سيكارهم الكوبي في الوقت الذي أقاموا فيه حروب الكلمات وشيدوا جمهورية الشعارات وصنعوا ماكينة فرمت لحم الجماهير المغلوبة على أمرها لتصنع منه عجينة لينة لكرسي الحكم".

ما معنى أن يدفعنا السياسيون في كل يوم نحو وطن لا يحده سوى اليأس والخراب؟، هل يدركون مدى اتساع الهوة بينهم وبين الناس.. بين من يملكون كل شيء والذين لم يعد لهم الحلم أو حتى الأمل؟.. قال ديغول لوزير ثقافته مالرو "هل تذكر جملة البابا الشهيرة؟ الفرنسيون لا يحبون فرنسا" لا يمكن بناء وطن لا يؤمن أهله به ولا يثقون بغده، أو بغد أبنائهم.. وهذه الثقة لا يمنحها سوى سياسيين نزهاء وصالحين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جنرالات الطائفية

العمود الثامن: هلوسات مرشح خسران!!

العمود الثامن: رجاء اقرأوا التدوينة

الصراع على البحر الأحمر من بوابة اليمن "السعيد" 

ترامب يؤدي اليمين الدستورية وهو مدان: تداعيات غير مسبوقة على الديمقراطية الأمريكية

العمود الثامن: لماذا لا نثق بهم؟

 علي حسين عندما سُئلت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل عن اهدافها من الترشيح لمنصب المستشار ، قالت جملة واحدة : "يمكنكم أن تثقوا بي" كان ذلك عام 2004، وكان عمرها آنذاك 48 عاماً، لتُنتخب...
علي حسين

قناديل: رئيسٌ لم يكرهْهُ أحد

 لطفية الدليمي توفّي (جيمي كارتر) بعد أن اجتاز عتبة القرن الكامل بشهريْن؛ وبهذا يكون أطولَ الرؤساء الأمريكيين عمراً. ليس في هذا العمر الطويل إمتيازٌ لرئيس أو غير رئيس من البشر. ربّما يكون العمر...
لطفية الدليمي

قناطر: أنت ثملٌ وأنا نصف عاشقة

طالب عبد العزيز الأسفلتُ قديمٌ، والمرأةُ تمسحُ عروقَ الماء، تتصببُ في الزجاج شاقوليةً ومائلةً، لكنَّ المقهى قريب. هي في المقعد الخلفي الآن، تنتظرُ ما ينتظره العَوامُ السابلةُ، ساعةَ ذهب سائقُ الأجرة يقضي حاجةً. صاحبُ...
طالب عبد العزيز

العراق.. حجر الدومينو الأخير في محور إيران

إياد العنبر لطالما سمعنا عن وصف السياسي الإيراني بأنه صانع سجاد، وهي مقاربة للحرفية العالية في الصنعة والدقة في نسج الخيوط والصبر الطويل حتى تخرج السجادة مثل لوحة فنية. وهذا التوصيف رسم في مُخيلتنا...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram