بغداد/ المدى
تناولت (المدى) بين صيفي 2019 و2020 ثلاثة ملفات ساخنة ربما هي اخطر الملفات منذ اسقاط النظام السابق عام 2003، تعلقت بقضايا الاحتجاجات وقتل المتظاهرين، ونشاط جماعات "الكاتيوشا" وانفجار المعسكرات، وعودة تنظيم داعش.
في آب 2019، اثارت (المدى) العلاقة الجديدة التي بدأت تتشكل بين رئيس الوزراء (السابق) عادل عبد المهدي، والحشد الشعبي، بعد نحو اقل من عام على تسلم الاخير المنصب. بدأ عبد المهدي، الذي استقال نهاية العام الماضي، تحسين علاقته مع الحشد بتحريك قضية رواتب الحشد، التي كانت احدى الازمات بين سلفه حيدر العبادي وبعض الفصائل، إذ كان الاخير يشك في اعداد المنتسبين لهيئة الحشد.
اطلق رئيس الوزراء السابق، الرواتب المعطلة للحشد، بالتزامن مع اعلان هيكلة جديدة للهيئة، اثارت بعض الجدل بسبب اختفاء موقع نائب رئيس هيئة الحشد ابو مهدي المهندس (اغتيل مطلع 2020)، من الهيكلة الجديدة.
جدل تم لملمة اطرافه سريعًا بعد الاشارة الى ان "المهندس" سيكون في موقع جديد في الحشد تحت وصف "رئيس الاركان"، وهو موقع لم تعرف تفاصيله بالضبط حتى مقتل الاخير في غارة امريكية قرب مطار بغداد بداية العام الحالي.
كانت الهيكلة الجديدة التي تناولتها (المدى) في اكثر من تقرير وقصة خبرية، تضم بنودا اخرى، اهمها اخراج فصائل الحشد الشعبي من المدن، وفك ارتباطها مع الجهات السياسية، ووضع مخازن السلاح تحت اشراف الجيش.
في ذلك الوقت كان هناك لبس كبير في انفجارات غامضة تحدث في معسكرات يستخدمها الحشد، بين اتهامات لـ"اسرائيل" و"امريكا" بضرب تلك المواقع، وهو طرح كان يدعمه جناح المهندس وبعض الفصائل في الحشد، وبين الرواية الرسمية للحكومة التي قالت ان الانفجارات بسبب "سوء تخزين العتاد".
عصيان أوامر عسكرية
في ذلك الوقت اعطى عبد المهدي مهلة شهر واحد لتنفيذ قرار اخراج الحشد من المدن، ثم مددت لشهرين آخرين، وكشفت (المدى) آنذاك عن "عصيان مبطن" لبعض الفصائل على القرار الاخير، سرعان ما ظهر بعد ذلك للعلن.
قال رئيس هيئة الحشد فالح الفياض، بعد ايام من قرار الحكومة الذي كان من المفترض ان يدخل حيز التنفيذ بداية آب (2019)، ان بعض الفصائل "تحتاج لشهرين لترتيب اوضاعها"، بينما قالت جهات من داخل الحشد لـ(المدى) انه "تمرد من بعض الجهات".
اظهر حشد الشبك في سهل نينوى شمال شرق الموصل، بعد منتصف آب الماضي، بدايات التمرد على القرار، حين رفض اخلاء مواقعه هناك وتسليمها الى الجيش والشرطة المحلية، بسبب اتهامات الفصيل بانتهاكات ضد السكان.
لم يدم نفس عبد المهدي طويلا في ذلك الحادث، ودخل ابو مهدي المهندس على الخط، وخرج بمعادلة متوازنة وجعل الثلاثة (حشد، جيش، شرطة) مسؤولين عن امن السهل، وسكت رئيس الوزراء، وبدى وكأنه قد تراجع عن قرار اخراج الحشد من المدن.
بقي قرار هيكلة الحشد الشعبي معلقا الى تشرين الاول الماضي، حيث اندلعت الاحتجاجات حينها واختفى الملف حتى اعاد رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي، فتحه في زيارة الى الهيئة في ايار الماضي.
في الشهرين الاخيرين قبل احتجاجات تشرين، كانت هوية الجهات التي تقف وراء الانفجارات التي تحدث داخل معسكرات تضم فصائل من الحشد، قد تسببت بانقسام كبير داخل هيئة الحشد. فضَل رئيس الهيئة فالح الفياض اللجوء الى القنوات الدبلوماسية لحل تلك الازمة، حيث كانت تُتهم بعض الفصائل من واشنطن بانها استلمت صواريخ "بالستية" من طهران وتخبئها في تلك المعسكرات، بينما بقي جناح المهندس على توجيه اتهامات مباشرة الى امريكا واسرائيل.
وظهرت الانقسامات حين اعتبر الفياض تصريحات "المهندس" حول تلك الحوادث، بانها "رأي شخصي" لا تمثل قرار الهيئة، ثم بدأ الاخير لا يحضر نقاشات مهمة جرت في تلك الفترة بين عبد المهدي وقادة الحشد حول سر تلك الانفجارات. وزادت حدة الخلافات بين جناحي الهيئة بعد ذلك في اعقاب احداث احتجاجات تشرين، وعمليات العنف التي تعرض لها متظاهرون، واتهمت فيها اطراف تابعة للحشد الشعبي، واجنحة مسلحة لأحزاب سياسية.
في تلك الفترة ايضا، كانت خروقات امنية بدأت تتكرر في المناطق المتنازع عليها، خاصة في مناطق جنوب كركوك وشرق ديالى، بينما نفذت القوات العراقية بمشاركة التحالف عدة عمليات عسكرية. وكشفت (المدى) في عدة تقارير عن الاوضاع الامنية في تلك المناطق، قبل ان تتصاعد تلك الاحداث بعد ذلك باشهر، بسبب جملة من الاخطاء العسكرية واخفاقات في ادارة ملف الامن، خاصة في الفترة الاخيرة من حكم عبد المهدي.
ملف الاحتجاجات
قبل ايام من اندلاع احتجاجات تشرين، رصدت (المدى) التحشيد الى تظاهرات كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، كما اظهرت (المدى) ردود الفعل على خبر عزل عبد المهدي، لقائد مكافحة الارهاب عبد الوهاب الساعدي.
عشية انطلاق التظاهرات، نشرت (المدى) تقريرا اثبت، ان الاحتجاجات لم تكن مدبرة من جهة سياسية او دولية، كما زعمت بعد ذلك بعض القوى السياسية. واظهر التقرير "تبرّؤ" اغلب القوى ومنها التيار الصدري -الذي انخرط في التظاهرات بعد ذلك باقل من 3 اسابيع- من دعوات الاحتجاج في العام الاول لحكومة عبد المهدي.
وكانت (المدى) قد نشرت تقارير بمناسبة السنة الاولى للحكومة، واظهرت انتقادا واسعا من البرلمان لعمل الوزارة، وعدم معالجة قضايا الخدمات والبطالة، والانشغال بفتح الطرق. ورغم قطع السلطات خدمة الانترنيت لعدة ايام، ثم بشكل جزئي بعد ذلك، الا ان (المدى) استطاعت ان تتواصل في عملية تغطية الاحتجاجات، وكشفت عن عمليات "القناص" ضد المتظاهرين قرب مول النخيل ومحطة وقود الكيلاني وسط بغداد. وبعد العنف الذي واجهت فيه السلطة الاحتجاجات في اول عشرة ايام، شكلت الحكومة لجنة تحقيق بطلب من المرجع الاعلى علي السيستاني، وعرضت نتائج التحقيق بعد اقل من اسبوعين، وعرضت (المدى) النتائج واشارت الى اسماء الضباط والمسؤولين المتهمين بالقتل. وعقب هدنة قصيرة بين الموجة الاولى والثانية للتظاهرات التي انطلقت في 25 تشرين الاول 2019، بدأت ملامح تدخل التيار الصدري على خط التظاهرات، وظهور جماعات تدعي الانتماء الى التيار، تهدد بـ"اقتحام الخضراء" و"طرد النواب".
وتابعت (المدى) تصاعد الدعوات الجديدة لاستئناف الاحتجاجات وتسلل الصدريين تدريجيا الى التظاهرات. بالمقابل كانت القوى التابعة للحشد مشغولة بالتواجد الامريكي، وتلاحق الحكومة بالسؤال عن اعداد تلك القوات واماكن انتشارها.
وقبل 48 ساعة من اندلاع الموجة الثانية للاحتجاجات، كشفت (المدى) عن دخول علني للتيار الصدري في التظاهرات، وبدأت قوى سياسية تطالب بالضغط على الحكومة لتقديم استقالتها، فيما توقع تحالف النصر الذي يقوده رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي، ان "تتمرد القوات الامنية" على اوامر ضرب المحتجين.
استؤنفت الاحتجاجات، وبدأت أعداد ضحايا المتظاهرين بالتصاعد، كما كشفت (المدى) في سلسلة تقارير عن افعال السلطة وبعض الفصائل المسلحة في قمع الاحتجاجات، وردود فعل الحكومة، التي اتهمت في احدى المرات المتظاهرين باستخدام "الدعبل"، الكرات الزجاجية، لضرب عناصر الامن.
كذلك سلطت (المدى) الضوء على وضع المدن التي كانت محتلة من تنظيم "داعش"، وعمليات "القمع الاستباقي"، الذي تعرض لها ناشطون في الموصل والانبار وديالى، لمنعهم من الانخراط في الاحتجاجات، بحجة الخوف من تدفق "داعش" مرة اخرى.
ورافقت (المدى) حركة الاحتجاج يوما بيوم، واظهرت تسابق المحتجين مع القوات الامنية للسيطرة على البنايات والشوارع، وكيف تصاعدت عمليات استهداف منازل النواب ومقرات الاحزاب. وكشفت (المدى) نهاية العام الماضي، عن "مجزرة السنك" التي اتهمت فيها اطراف من الحشد الشعبي، فيما ادارت الهيئة حينها بشكل سيئ الحدث، وحذف الفياض بيانًا قالت اطراف مطلعة حينها، بانه كتب من قبل جناح "المهندس"، وهو بيان ورط حينها الحشد بالحادث.
ورمت الهيئة آنذاك اللوم على "هكر الكتروني" في كتابة ذلك البيان، وهو العنصر (الهكر) نفسه الذي اتهم في اواخر تشرين الثاني الماضي، بالترويج لانقلاب مزعوم داخل المنطقة الخضراء، نفذه جهاز مكافحة الارهاب.
حرب الكاتيوشا وعودة داعش
في ذلك الوقت كانت الازمة بين طهران وواشنطن على اثر الخلافات حول مضيق هرمز تتصاعد، وتزايدت معها عمليات قصف لمواقع عسكرية تستضيف قوات اميركية، وشركات النفط العملاقة في البصرة.
وكشفت (المدى) في نهاية 2019، عن استخدام خلايا ما يعرف بـ"جماعات الكاتيوشا" اكثر من 40 صاروخا في 16 هجوما، منذ حزيران من ذلك العام، استهدف المنطقة الخضراء والمواقع العسكرية ومطار بغداد.
كما عرضت (المدى) في مجموعة تقارير، ردود الفعل الغاضبة للفصائل المسلحة على خلفية اعتراف واشنطن بضرب كتائب حزب الله في القائم، ومحاولة اقتحام بعض قوى الحشد بعد ذلك السفارة الامريكية داخل المنطقة الخضراء. كذلك اوضحت (المدى) في تقارير لاحقة، التهديدات التي سيتعرض لها العراق بعد قرار البرلمان، مطلع العام الحالي بتكليف الحكومة بعملية اجلاء القوات الامريكية من البلاد، على اثر مقتل ابو مهدي المهندس، والجنرال الايراني قاسم سليماني في غارة قرب مطار بغداد نفذتها واشنطن. وكشفت (المدى) حينها، عن عقوبات مفترضة قد تتعرض لها بغداد على خلفية طرد القوات الاجنبية، بالاضافة الى تباطؤ جهود محاربة تنظيم "داعش"، الذي بدأ في تلك الفترة يتصاعد نشاطه، بسبب تفشي وباء "كورونا"، وانشغال القوات الامنية بفرض حظر التجوال.
ونشرت (المدى) في الاشهر الاربعة الاولى من 2020، مجموعة من التقارير، التي كشفت عن اتساع حركة "داعش"، خصوصا في شهري نيسان وايار، حيث شن التنظيم اعنف هجمات، والتي زادت عن الـ200 هجوم.
اترك تعليقك