فوتوغرافيات سعاد الجزائري.. مقاومة تصاغر المكان!

فوتوغرافيات سعاد الجزائري.. مقاومة تصاغر المكان!

خالد خضير الصالحي

1

حينما يطلع المتلقي على عشرات الصور التي تنشرها الإعلامية سعاد الجزائري، وهي تصور عالمها الصغير،

والذي بدأ يتصاغر أكثر بفعل وباء الكورونا، يجد أنها تستخدم الفوتوغرافيا سلاحاً من أجل توسيع ذلك العالم المعيش عبر بناء فرشة من الصور الفوتوغرافية التي تكمل كل صورة منها الأخرى، لتنتهي الى إعادة بناء عالمها، وجعله (فسيحاً) عبر عشرات الصور: غابات، أشجاراً، ونباتات وأزهاراً برية، وشوارع، وأبنية، وحتى زوايا البيت المسكون أثاثاً، وحاجات صغيرة، وملاءات، واكسسواراتٍ صغيرةً؛ فيشعر المتلقي، وهو يطالع تلك الصور، أن المصورة الفوتوغرافية تقاوم الوحدة، وضيق المكان عبر التقاطها مزيداً من الصور الفوتوغرافية!.

2

كتبت سابقاً بأنني اعتبر (الوضع الأمثل) واحداً من أهم مراحل التصحيحات الكبرى التي اجترحها الرسامون على (الاختلالات) الشكلية والتشريحية في الجسد الانساني التي تظهر حينما يرسمون ببعدين، فكانوا يتبعون ما يسميه (هربرت ريد) التغيير أو التعديل modulation، منذ أقدم الحضارات: ميزوبوتاميا، ومصر الفرعونية، كان الوضع الامثل تحريكاً متكرراً لـ(زاوية الالتقاط)، التي تنظر الى كل جزء من الجسد بزاوية التقاط خاصة به تظهر وضعه الأمثل عند النظر اليه، وبالتالي عند رسمه ببعدين، وهي، في الحقيقة، أفضل زاوية للرؤية.

لقد ورث التصويرالفوتوغرافي زاوية الالتقاط هذه فكان سعي المصورة الفوتوغرافية سعاد الجزائري منصباً على اكتشاف زاوية الالتقاط المثلى لكل موضوع باعتبارها الأمر الحاسم الذي يحول الفوتوغراف من واقعة تسجيلٍ سردية الى واقعة فنية، ونعني بزاوية الالتقاط زاوية النظر التي تظهر أفضل سمات المنظر في أفضل لقطة ممكنة، وأين يقع المكمن الأمثل للتلصص على الموضوع، وبهذا فقد أوحت لي صورها بفكرة أن التصوير الفوتوغرافي يماثل الرسم بامتلاكه للوضع الأمثل عبر زاوية التقاط استثنائية لا بديل لها، وهو ما أبدعت فيه سعاد الجزائري، بل وشكل المرتكز الأهم لها في اختيار اللقطة الفوتوغرافية، وهو أيضاً ما نقل صورها من كونها صور هواة، الى أن تكون صوراً احترافية بشكل مذهل، بسبب أن أهم أمر استثنائي يميزها هو زاوية الالتقاط التي تتسم بالبساطة، وبالهدوء، مع اكتظاظ بقدر مهم من الجمالي الذي تتشبع به الصور بطريقة استثنائية..

3

قد فهمت رولان بارت حينما يقول "إن صوراً، لا أكترث لها، مادامت تتكاثر من فرط رؤيتها، مثل العشب الضار، فشعرت تجاهها بنوع من النفور، بل السخط: هناك لحظات أبغض فيها الصورة الفوتوغرافية"، ولكنني لم أفهم تماما قوله "ماذا على أن أفعل بجذوع شجر أوجين أتجیه Eugene Atget "، هل لأنها تشكل نقطة ضعف في نتاج المصور الفوتوغرافي اتجيه، أم لأنها لجذوع شجر، فعلى العكس من بارت، وقفت مندهشاً أمام (جذوع أشجار) سعاد الجزائري، لأنها ببساطة ترمز الى شجن سنوات غابرة مضت، دونتها تلك الجذوع بفعل أثر الزمن عليها، لا بفعل حاجتنا لقراءة سجل حياة الشجرة بقطعها وحساب سنواتها الفائتة من خلال عدّ حلقاتها..

4

اسمي بعض لقطات سعاد الجزائري (متناهية في القرب)، وهي لقطات يملؤها الحب، والألفة تجاه النموذج، وأهم نماذجها الأزهار مثلاً، وتفارق اللقطات (المجهرية) التي لا تمتاز فقط بزاوية التقاط مميزة وإنما تعمد الى الاقتراب الشديد من الموضوع لإظهار أدق تفاصيله، بتكبير مفرط بطريقة مجهرية لرؤية ما لا تراه العين وحدها، مما يجعل اللقطة المجهرية لقطة غرائبية لا يمكن تمييز نموذجها بسهولة، وأهم نماذج اللقطات المجهرية: وجوه، وعيون الحشرات، وقد اتبعت الجزائري لقطاتها (المتناهية في القرب) كأسلوب أثير في تصوير الأزهار، والثقوب التي تركها الزمن في جذوع الأشجار، وهي ما اسميها (المتناهي في القرب) تمييزاً لها عن (اللقطات المجهرية)، وكطرف مقابل للمناظر الطبيعية (اللاند سكيب) الذي تمارسه باعتبارها متناهية في البعد..

5

في حوار لنا عبر الفيس بوك كتبت سعاد الجزائري: "الوحدة عالم ساحر بحريته المطلقة، وقاس بوحشته في أحيان أخرى... أنا أصور لأني أحب جمع الجمال أينما كان حتى في جذع شجرة مهمل بل حتى وأنا بالمطبخ.. فعلاً أعشق التصوير، وأبحث عن زوايا التقاط قد أجدها بين الزوايا الخبيئة بيتي كالشموع، أو في إنارة الحديقة في لحظة ما؛ فأصور تلك اللحظات التي ستتغير وتزول، كالغيوم مثلاً.. وأيضاً أصور جذوع الأشجار التي تقترب لقطاتها من الرسم والنحت، إضافة لما تنطوي عليه من حكايا السنين.. أنت تكتشف إهتماماتنا، وتحللها فنياً؛ لتغير الإهتمام الى ما هو أرقى منه، وأقرب الى الإحتراف..عميق شكري وأمتناني لك وسعيدة بتعارف تعلمت منه الكثير"..

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top