بدأت رحلة الكاتبة لطفية الدليمي مع القراءة بالتسلل إلى ما تسمى حجرة المحرمات حيثُ تصفحت الكتبَ التي كانت تفوح منها رائحة التبغ الخام تستعيدُ الكاتبةَ حيثيات هذه اللحظة المفصلية وتمكنها من فك مغاليق ما كان بالنسبة إليها لغزًا. فإنَّ ملاحقتها لعصفورة تسقطُ من نخلةٍ، وتدخل حجرة المحرمات تصل بها إلى الكنز المدفون بين التبغ والدفوف المستخدمة في الطقوس الدينية. ومنذ ذلك الحين تصبحُ المعرفة همًا رئيسيًا لدى صاحبة "سيدات زحل" وتجد نفسها على عتبة عالم موازٍ للحياة الواقعية.
ومنذ ذاك الوقت تدركُ ماهية السماع وقوة الموسيقى، إذًا تشربت الكاتبة في بلدة "بهرز" ثقافة هجينة. لا تتناولُ الكاتبة تجربتها في صحبة أقطاب الفكر والأدب فقط، إنما تقدمُ رؤيتها حول خصائص النصوص الإبداعية، فبرأيها تنهضُ الكتابة الإبداعية المتمرسة على خبرات الكاتب الحياتية ونشاطه التخييلي وخزينه المعرفي ومراسه اللغوي وخلفيته الفكرية، والملمح البارز في العقل الروائي هو تشيكلته المتوازنة من العقل الفيزيائي والتحليلي والحواتي والبصري. يناقشُ مفصل آخر من الكتاب دور الرواية في العالم اليوم، كما تقعُ على الفرق القائم بين الكتابة الروائية في المركز والأطراف. ويردُ في هذا السياق ما يقوله أرنستو ساباتو عن مهام الأدب العظيم، وهي إيقاظ الإنسان السائر نحو المقصلة. ولا تقتصر فوائد الرواية على ما توفره من المتعة بل أن المواظبة على قراءتها ترتقي بمستوى الوعي التحليلي وتحمي المرء من الوقوع في شرك التنميط، هذا ناهيك عن مرونة النص الروائي في استيعاب العلوم والمعارف وتوظيفها في الإطار الفني. كما أنَّ الرواية تدعم التعددية الثقافية حسب رأي الكاتبة، وتصبح دافعًا للانفتاح على الآخر. ضف إلى ما سبق، ترى لطفية الدليمي في الرواية وريثًا للأسطورة، وبما أنَّ الشعوب كلها توسلت سابقًا بالميثولوجيا في بحثها عن المعنى والتمثيل عن خصوصيتها، فإنَّ الرواية تقوم بهذه الوظيفة في الوقت الراهن. مع أن هذا الفن مرجعياته غير ثابتة، لكن ثمة ما يعدُ موئلًا للرواية في موروثنا الثقافي مثل النصوص العرفانية ومؤلفات المتصوفة. كانت القراءة الغزيرة غذت الحس النقدي لدى الكاتبة لذلك كتبت نصوصًا كثيرة وأهملتها قبل أن تبادر بنشر أعمالها. وعن طبختها في كتابة رواية "عشاق فونوغراف وأزمنة" تكشفُ بأنها اشتغلت على إعداد موادها لسنتين. ما يعني أنَّ كتابة الرواية لدى لطفية الدليمي باتت صُنعةً تعتمدُ على الدراية والتمكن في الآليات والأدوات السردية. ما يهمُ الكاتبة في سياق معاينتها للتحولات المفاهيمية في الأدب هو رصد واقع التفاعل بين ثيمات الرواية والتطورات العلمية والمعرفية. والمتابعُ لأجندة الكاتبة في مجال الترجمة يجد للنصوص والمواضيع العلمية، أو ما يسمي بالثقافة الثالثة، نصيبًا أوفر، إلى جانب استعادة ما يمكن وصفه بلحظة التأسيس في مسيرتها المعرفية. تفردُ الكاتبة مساحة لإضاءة تجارب عدد من الروائيين منهم مويان وباولو كويلو ودوريس ليسنغ وغيرهم. يقدمُ هذا الكتاب معلومات حول فن الرواية وأفق تطوره تفيدُ الناقد والقارئ، كما تضيفُ كثيرًا إلى المبدع على مستوى الوعي بضرورات الكتابة الروائية.
عن/ ميدل إيست أون لاين
اترك تعليقك