فايروس كورونا يُفجع حكّام الكرة برحيل المعلم طارق أحمد

فايروس كورونا يُفجع حكّام الكرة برحيل المعلم طارق أحمد

أحمد عباس حذّره من ضُعف مناعته .. والاتحاد المستقيل والتطبيعية أطاحا به!

حازم الشيخلي يستذكر تسامره مع الأوفياء السبعة .. وكيف فاجأه في حفل زفافه؟

 بغداد / إياد الصالحي

رياضي بارز آخر، ينقضُّ عليه فايروس كورونا (كوفيد-19) ليضمَّهُ الى قائِمة ضحاياه بعد نجوم الكرة علي هادي وأحمد راضي وناظم شاكر، ففجأة أطلق طارق أحمد صفّارة الوداع لأهله وصحبه بعد معركته الشرسة مع المرض الذي تفاقمت محنته معه إثر بذله طاقة كبيرة في ساحة التحكيم سواء بملاعب الدوري أم مكاتب لجنته لأكثر من أربعين كان فيها مخلصاً وأميناً ونزيهاً لمبادئ اللعبة مع نفسه أو مع الحكام كمعلّم مؤثر في التربية الرياضية والمهنية أجمع الجميع على خسارة الكرة العراقية لتاريخه النجيب.

عزاء زملاء وتلاميذ طارق أحمد في مجال التحكيم أنه أسّس معايير عادلة في لجنة عتيدة شهدت دأبه على تكريس تقاليد منضبطة وعادلة آوَتْ مئات الحكام ورعَتْ مواهبهم ونمَّتْ قدراتهم ليكونوا بقدر المهمّة الوطنية في منافسات الدوري الممتاز أو الأولى، ولفتوا الأنظار عن تميّزهم في بطولة الخليج العربي وكأس العرب ودوري أبطال آسيا وكأس الاتحاد الآسيوي وتصفيات كأس العالم والدورة الأولمبية ومنافسات البطولات القارية لمختلف الفئات العمرية، كل ذلك شكّل مسؤولية لا تخلو من المغامرة كان حكامنا خلالها سفراء بحق للعراق ونالوا الثناء والتقدير بوجود طارق وأعضاء اللجنة المجتهدين.

(المدى) وثّقتْ بعض ما شهده تاريخ عمل طارق أحمد في مسيرة الكرة العراقية على لساني أمين سر الاتحاد الأسبق أحمد عباس الصديق الحميم للمرحوم وأكثر من دعمه ورافقه في مهّمات رسمية في المؤتمرات الخليجية والدولية أو أثناء تماس عملهما في الاتحاد المحلي، وحازم الشيخلي الحكم الدولي السابق والمحاضر ومقيّم الحكام في الاتحاد القطري لكرة القدم زميله الوفي منذ مشاركتهما في أول دورة تطويرية أواخر عقد الستينيات من القرن الماضي حتى فراقه عنه عام 1997 بدافع الهجرة.

عمليات في القلب

يقول أحمد عباس :"عانى المرحوم طارق أحمد من مرض القلب لسنين طويلة، وأجرى أكثر من عملية جراحية خطرة في مستشفيات العاصمة الأردنية عمّان تكلّلتْ بالنجاح، لكنها لم تداويه بصورة نهائية، ولسوء حظّه تعرّض للإصابة بفايروس كورونا (كوفيد-19) ما أضطرّه الى إغلاق أجهزة هواتفه، وتمكّنتُ قبل عشرة أيام من الحديث معه ناصحاً إياه أن يتناول بعض الأغذية المفيدة لتقوية جهازه المناعي، وتكرّرت مهاتفتي له ظهر أمس الأول الأحد 18 تشرين الأول 2020 لكني لم ألقَ أي جواب، فقلقتُ كثيراً عليه حتى علمتُ أنه فارق الحياة نتيجة مضاعفات كورونا على قلبه في اليوم نفسه.

وأضاف :"علاقتي بطارق تمتدُ منذ مطلع العقد الثمانيني للقرن الماضي، كان قبله حكماً للدرجة الأولى، ويوم كنتُ أعملُ في نادي الجيش الرياضي انتدبته مع ثلّة من زملائه أثناء فترة الحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988)" .

وأشار عباس الى أن "المرحوم طارق نال الشارة الدولية نهاية عقد الثمانينيات، وانطلق بمسيرة بيضاء مع صفارته في الدوري العراقي والمباريات الدولية، حتى حانت الفرصة للعمل عضواً في الاتحاد العراقي لكرة القدم منتصف عقد التسعينيات ممثلاً عن الحكام أسوة بلجنتي المدربين واللاعبين الدوليين، ونال ثقة أسرة التحكيم بمنحه صفة التمثيل لما عُرف أنه رجل مُسالِم ووديع ومُخلص في عمله ".

وتابع :"كما عمل لسنين طويلة في لجنة الحكام مُذ ترأسها نمير عبدالكريم وكنت نائباً له نهاية تسعينيات القرن الماضي، وبعد عام 2003 عمل طارق ضمن اللجنة المؤقتة لإدارة شؤون اتحاد الكرة العراقي برئاسة حسين سعيد، ثم فاز في انتخابات نادي الصيد عام 2004 بصفة عضو اتحاد مع الرئيس حسين سعيد ونائبيه باسم الربيعي وناجح حمود، وعبدالخالق مسعود أميناً مالياً وأنا أميناً لسر الاتحاد، وفي عام 2008 تم تسمية طارق أمين السر المساعد، وما بعد استقالتي عام 2009 واكب العمل في أمانة السر بالوكالة بعدما ظلّت شاغرة حتى أيلول 2014 عندما سُمي د.صباح رضا أميناً لسر الاتحاد، ثم عاد طارق للعمل في الأمانة بالوكالة بعد صدور حكم قضائي بسجن صباح في قضية شكوى الكابتن عدنان درجال، وانتهت علاقة طارق بالاتحاد نهائياً في 17 كانون الثاني 2020 بُعيد تقديم مجلس إدارة الاتحاد برئاسة عبدالخالق مسعود الاستقالة الجماعية كشرط مُلزم لحل الخلاف مع درجال".

وكشف أمين سر الاتحاد الاسبق :"إن طارق أحمد تلقّى صدمتين موجعتين اسهمتا بشكل كبير في تراجع صحّته وأثرتا على نفسيته سلبياً حتى اطاحتا به، الصدمة الأولى خسارته انتخابات اتحاد الكرة في 31 أيار 2018 وما خفّف عليه الصدمة قرار مجلس الاتحاد المُنتخب باستمرار عمله رئيساً للجنة الحكام التي أجتهد فيها كثيراً وأجهد قلبه أكثر من خلاله تدخّله في الأمور الصغيرة والكبيرة وإشغال هاتفه 24 ساعة حيث كان وجود طارق داعماً كبيراً لتأهيل الحكام محلياً ودولياً والجميع يقرّ بذلك".

ويضيف :"الصدمة الثانية، إنه ما بعد إدارتي شؤون اتحاد الكرة للفترة من 19 شباط لغاية 3 نيسان 2020، تولّتْ الهيئة التطبيعية قيادة الاتحاد حسب قرار مجلس الفيفا المُتخذ في 10 شباط 2020، زار أعضاء من التطبيعية المرحوم في بيته متفقّدين صحّته، ووعدوه برئاسة لجنة الحكام، لكنهم لم يفوا معه حسب قوله لي".

وذكر عباس :"لم تفقد الكرة العراقية وحدها شخصاً مُلتزماً ومُخلصاً وكفوءاً مثل طارق أحمد، بل الكرة الخليجية أيضاً التي عرفتهُ محاضراً آسيوياً ورئيساً أو عضواً في أكثر من لجنة تحكيمية أدارتْ بطولات كأس الخليج بنجاح كبير، وآخرها توليه رئاسة اللجنة في النسخة 24 التي نظّمتها دولة قطر الشقيقة للفترة من 26 تشرين الثاني لغاية 8 كانون الأول 2019، ونال ثناء مُنظّمي البطولة والوفود المشاركة".

وختم أحمد عباس قوله :"من الصعب أن تجد اليوم إنساناً حريصاً على عمله وصادقاً ومسامحاً ومتواضعاً ويسمع النصيحة مثل المرحوم طارق أحمد الذي عمل معنا لأكثر من ثلاثين عاماً كان وفياً لوطنه ولمهنته ولعلاقاته الانسانية، وهذه فرصة لأتقدّم بالتعزية والمواساة لعائلتهِ وللحكّام والرياضيين جميعاً، وسيبقى ذكره بالخير دائماً".

44 عاماً في التحكيم

من جهته، أعرب حازم الشيخلي، عن حزنه العميق إزاء فقد الوسط الرياضي ودائرة التحكيم في اتحاد الكرة العراقي الحكم الدولي ورئيس لجنة الحكام سابقاً طارق أحمد متأثراً بفايروس كورونا (كوفيد-19) بعد مشوار طويل خدم فيه التحكيم لأكثر من 20 عاماً (1970-1990) حكماً عادلاً ونزيهاً و24 عاماً أخرى (1995-2019) عضواً ومسؤولاً عن لجنة الحكام بشكل فاعل وأمين.

وقال الشيخلي :"كنّا لا نفارق الأخ طارق، ونزوره باستمرار كأصدقاء أوفياء، نتسامر وقتاً طويلاً في بيته الكريم أنا وعبدالقادر عبداللطيف وصبحي رحيم وحسيب جهاد وعادل القصاب وطارق عبدالحافظ ومحمد سليم، نتداول في شؤون التحكيم، ونحلل أداء الحكّام، ونعرّج الحديث عن ذكرياتنا وأبرز المواقف التي واجهناها في مهنة تُعد من أصعب المهن في الرياضة لما يتعرّض له الحكم من انتقادات ومخاطر وصلت حدّ تهديد حياته لمجرّد أنه أخطأ في تقدير حالة ما أثناء المباراة".

وبيّن :"إن علاقتي بالمرحوم طارق أحمد تمتدُ منذ عام 1968 حتى يوم رحيله، وقد سبقته بدورة واحدة جرت عام 1967 ظلّتْ محل جدل من قبلهِ على أساس مشاركته فيها، وبقينا على تواصل طوال السنين إذ عَرَفتهُ الملاعب ودوري الكرة حكماً ناجحاً برغم الضغوط التي كانت تشكّل حاجزاً نفسياً أمام كل الحكّام لاسيما إذا أخطأ أحدهم في احتساب ركلة جزاء لصالح هذا الفريق أو ألغى هدفاً لمنافسه، يبقى القرار الجريء هو ديدن من يمتلك الثقة الكبيرة في نفسهِ بأنه متمكّن من السيطرة على المباراة، والراحل أحد الحكّام الكبار الذين تحلّوا بهذه الصفة".

وذكر الشيخلي :"لم أزل أعتزّ بموقفي مع طارق أحمد في يوم زواجه، حيث فاجأتهُ في قاعة الزفاف بعد مرور 10 دقائق من بدء الحفل بإطلاق جميع الحكام المدعوين صفارات قوية احتفاءً بالمناسبة، ممّا أثار هذا الموقف غبطة الحاضرين، وتعالت ضحكات طارق لتملأ المكان بهجة أضفتْ جوّاً ممتعاً إزاء مشاركة زملائه الفرحة بطريقتهم الخاصة، ولم نكتف بذلك، بل تواصلنا بإطلاق الصفارات طوال مسير سيارة الزفاف من القاعة الى الفندق وسط دهشة المارّة في الشوارع".

ولفت الى أن :"شخصية طارق أحمد متوازنة مع الجميع، يميل الى التوافق السهل في الرأي من دون التصادم، مع إن انفعالاته كانت تدلل على حرصه لإنجاز واجب ما وليس لأجل التعصّب أو المخاصمة، كما أنه يسامح بسرعة لطيبة قلبه، وبرغم ابتعادي عن التحكيم المحلي بسبب إقامتي خارج العراق منذ عام 1997 لم أنقطع عن تقديم الملاحظات له كونه ترأس لجنة الحكام لسنين طويلة، وفي نفس الوقت طلبتُ منه أن يترك اللجنة ويفسح المجال لغيره في أحد أحاديثي لصحيفة المدى كي يرتاح بعد خدمته المخلصة ومعاناته من متاعب القلب، لكنه استمرّ حتى مطلع العام 2020، وأبتعدَ قسرياً بسبب استقالة الاتحاد السابق".

وختم الشيخلي حديثه :"رحل طارق أحمد وترك وراءه مئات الصور والمواقف التي وثقت تاريخه في خدمة الكرة العراقية ونُبل علاقاته الوطيدة مع الحكام والإداريين ونجوم اللعبة والإعلام، ومع أن تلك المواقف لا تخلو من المماحكات والاتهامات والجدل الدائم عن إصلاح واقع التحكيم الذي تحمّل مسؤوليته زمناً طويلاً، إلا أن اسهاماته في رفد قاعدة الحكام بأجيال مقتدرة وتنسيقاته العربية والقارية والدولية لتطويرهم ونقل بعضهم الى مصاف حكام النخبة تدلل على الجهود الكبيرة التي بذلها للارتقاء بواقع (قضاة الملاعب) واستحقاقه الإشارة بالبنان كأحد رموز التحكيم العراقي ممّن تركوا مآثر لا تنسى حَريّ أن توثقها الأقلام المهنية والنجيبة بفخر وطني مُبهر".

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top