يوفال نوح هراري  يتحدث عن نظريات المؤامرة:الرابح الأكبر فـي الحرب التي خاضتها أميركا ضد العراق هو إيران التي أصبحت القوة المهيمنة فـي المنطقة

يوفال نوح هراري يتحدث عن نظريات المؤامرة:الرابح الأكبر فـي الحرب التي خاضتها أميركا ضد العراق هو إيران التي أصبحت القوة المهيمنة فـي المنطقة

ترجمة : أحمد الزبيدي

هناك العديد من المؤامرات الحقيقية في العالم. الأفراد والشركات والمنظمات والكنائس والفصائل والحكومات تخطط وتتابع باستمرار عملية تنفيذ مؤامرات مختلفة

يشير المؤرخ يوفال نوح هراري، في مقالته هذه عن أن نظريات المؤامرة تظهر بجميع الصور والأحجام ، ولكن ربما تكون الصورة الأكثر شيوعاً لها هي نظرية العصابة العالمية. وقد أجرى مؤخراً استطلاعاً شارك فيه ستة وعشرين ألف شخص من خمس وعشرين بلداً وكان السؤال الموجّه لهم عما إذا كانوا يعتقدون أن هناك "مجموعة واحدة من الأشخاص يتحكمون سراً في الأحداث التي تجري في العالم ويحكمونه سوية ".

أجاب 37٪ من الأميركيين أن هذا "بالتأكيد أو على الأرجح صحيح". وكذلك فعل 45 في المائة من الإيطاليين ، و 55 في المائة من الإسبان ، و 78 في المائة من النيجيريين.

نظريات المؤامرة بالطبع لم يخترعها بالطبع انصار حركة كيو أنون (QAnon (وهم مجموعة من المؤمنين بنظرية مؤامرة من ابتداع اليمين الأميركي المتطرّف تتناول بالتفصيل خطّة سرية مزعومة لما يُسمّى «الدولة العميقة في الولايات المتحدة» ضدّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأنصاره. – المترجم ) لقد كانت موجودة منذ آلاف السنين. حتى أن بعضها كان له تأثير كبير على التاريخ. خذ النازية على سبيل المثال. نحن عادة لا نعتبر النازية جزءاً من نظرية مؤامرة. نظراً لأنها تمكنت من الاستيلاء على بلد بأكمله وشن الحرب العالمية الثانية ، لذلك فإننا عادة ما نعتبر النازية "أيديولوجية" ، وإن كانت شريرة.

لكن النازية كانت في جوهرها نظرية عصابة عالمية تستند إلى هذه الكذبة المعادية للسامية: "ان هناك عصابة من رجال المال اليهود تهيمن سراً على العالم وتخطط لتدمير العرق الآري. وهي التي خططت لقيام الثورة البلشفية ، وهي التي تدير حكومات الديمقراطيات الغربية ، وتسيطر على وسائل الإعلام والبنوك. وهتلر وحده هو من تمكن من رؤية كل حيلهم الشريرة - وهو الوحيد القادر على إيقافهم وإنقاذ البشرية ".

إن فهم البنية المشتركة لنظريات المؤامرة العالمية هذه يمكن أن يفسر كلاً من جاذبيتها - وزيفها المتأصل.

بنية النظريات

تجادل نظريات العصابة العالمية بأنه هناك خلف الأحداث التي لا تعد ولا تحصى و التي تحدث في العالم تتربص مجموعة شريرة واحدة. قد تتغير هوية هذه المجموعة: يعتقد البعض أن العالم محكوم سراً بواسطة الماسونيين أو السحرة أو عبدة الشيطان. يعتقد البعض الآخر أنهم كائنات فضائية أو زواحف أو مجموعات متنوعة أخرى.

لكن الهيكل الأساس يظل كما هو: تتحكم المجموعة تقريباً في كل ما يحدث ، بينما تخفي هذه السيطرة في نفس الوقت.

تُسعد نظريات العصابة العالمية بشكل خاص في توحيد الأضداد. وهكذا ما كانت تشير إليه نظرية المؤامرة النازية : من إنه على السطح ، تبدو الشيوعية والرأسمالية أعداء لا يمكن التوفيق بينهما ، أليس كذلك؟ هذا خطأ! فهذا هو بالضبط ما تريد العصابة اليهودية منك أن تفكر فيه! وقد تعتقد أن عائلة بوش وعائلة كلينتون متنافستان ، لكن ذلك لا يحدث سوى في الظاهر - فخلف الأبواب المغلقة ، يذهبون جميعًا إلى نفس الأماكن والحفلات .

بناءً على هذه المقدمات ، تنشأ نظرية أن هناك من يتحكم بالعالم.و الأحداث التي تنقلها نشرات الأخبار عبارة عن ستارة من الدخان مصممة ببراعة تهدف إلى خداعنا ، والقادة المشهورون الذين يشتتون انتباهنا هم مجرد دمى في أيدي حكام حقيقيين.

جاذبيتها

تستطيع نظريات العصابة العالمية جذب أتباع لها بعدد كبير جزئياً لأنها تقدم تفسيراً واحداً مباشراً لعدد لا يحصى من العمليات المعقدة. لقد هزت حياتنا مراراً وتكراراً الحروب والثورات والأزمات والأوبئة. ولكن إذا كنت أؤمن بنوع من نظرية المؤامرة العالمية ، فأنا أستمتع بالشعور المريح بأنني أفهم كل شيء.

الحرب في سوريا؟ لست بحاجة إلى دراسة تاريخ الشرق الأوسط لفهم ما يحدث هناك. إنه جزء من مؤامرة كبيرة. تطور تقنية الجيل الخامس للهواتف النقالة ؟ لست بحاجة لإجراء أي بحث في فيزياء موجات الراديو. إنها المؤامرة. جائحة كورونا؟ لا علاقة لها بالنظم البيئية والخفافيش والفيروسات. من الواضح أنها جزء من المؤامرة.

تكشف نظرية العصابة العالمية كل ألغاز العالم وتوفر لي فرصة الدخول الى دائرة حصرية - مجموعة الأشخاص الذين يفهمون. إنها تجعلني أكثر ذكاءً وحكمة من الشخص العادي ، بل إنها تجعلني أعلى من النخبة المثقفة والطبقة الحاكمة: أساتذة الجامعات والصحفيين والسياسيين.فانا أرى ما يفوت عليهم - أو ما يحاولون إخفاءه.

الخلل الكامن فيها

تعاني نظريات العصابة العالمية من نفس الخلل الأساسي: فهي تفترض أن التاريخ بسيط للغاية. الفرضية الرئيسة لنظريات العصابة العالمية هي أنه من السهل نسبياً التلاعب بالعالم. يمكن لمجموعة صغيرة من الناس فهم كل شيء والتنبؤ به والتحكم فيه ، من الحروب إلى الثورات التكنولوجية إلى الأوبئة.

اللافت بشكل خاص هو قدرة هذه المجموعة على التنبوء بما سيحدث في المستقبل . عندما يطلقون فيروساً في مكان ما ، يمكنهم التنبؤ ليس فقط بكيفية انتشاره عبر العالم ، ولكن أيضاً كيف سيؤثر على الاقتصاد العالمي بعد عام. عندما يطلقون العنان لثورة سياسية ، يمكنهم التحكم في مسارها. عندما يبدأون الحرب ، يعرفون كيف ستنتهي.

لكن بالطبع ، العالم أكثر تعقيداً. لنأخذ الغزو الأميركي للعراق على سبيل المثال. في عام 2003 ، غزت القوة العظمى الوحيدة في العالم دولة شرق أوسطية متوسطة الحجم ، مدعية أنها تريد القضاء على أسلحة الدمار الشامل في تلك البلاد. وقد شك البعض في أنها لم تكن تفكر أيضاً بكسب فرصة للهيمنة على المنطقة والسيطرة على حقول النفط العراقية الحيوية. في سعيها لتحقيق أهدافها ، نشرت الولايات المتحدة أفضل جيش في العالم وأنفقت تريليونات الدولارات.

ولكن بعد بضع سنوات ، ماذا كانت نتائج هذا الجهد الهائل؟ لقد تسببت في كارثة بكل معنى الكلمة. لم تكن هناك أسلحة دمار شامل ، وغرقت البلاد في حالة من الفوضى. كان الرابح الأكبر في الحرب هو إيران ، التي أصبحت القوة المهيمنة في المنطقة.

إذن ، هل يجب أن نستنتج أن جورج دبليو بوش ودونالد رامسفيلد كانا في الواقع عملاء متخفين لإيران ، ينفذان مؤامرة إيرانية شيطانية ذكية؟ لا على الاطلاق. وبدلاً من ذلك ، فإن الاستنتاج هو أنه من الصعب للغاية التنبؤ بتصرفات البشر والتحكم فيها.

لست بحاجة إلى غزو دولة شرق أوسطية لتعلم هذا الدرس. سواء كنت قد عملت في مجلس إدارة مدرسة أو مجلس محلي ، أو حاولت فقط تنظيم حفلة عيد ميلاد مفاجئة لأمك ، فربما تعرف مدى صعوبة السيطرة على البشر. أنت تضع خطة ، ولكن تأتي النتائج عكسية. تحاول الاحتفاظ بسرية شيء ما ، وفي اليوم التالي يتحدث الجميع عنه. أنت تتآمر مع صديق موثوق به ، وفي اللحظة الحاسمة يطعنك في الظهر.

تطلب منا نظريات العصابة العالمية أن نصدق أنه في حين أنه من الصعب للغاية التنبؤ بأفعال 1000 أو حتى 100 شخص والتحكم فيها ، فمن السهل بشكل مدهش أن نتقن التحكم بما يقرب من ثمانية مليارات شخص.

الحقيقة

هناك بالطبع العديد من المؤامرات الحقيقية في العالم. الأفراد والشركات والمنظمات والكنائس والفصائل والحكومات تخطط وتتابع باستمرار عملية تنفيذ مؤامرات مختلفة. لكن هذا هو بالضبط ما يجعل من الصعب التنبؤ بالعالم بأكمله والتحكم فيه.

في ثلاثينيات القرن الماضي ، كان الاتحاد السوفيتي يتآمر حقًا لإشعال الثورات الشيوعية في جميع أنحاء العالم. كانت البنوك الرأسمالية تستخدم جميع أنواع الستراتيجيات المراوغة. كانت إدارة روزفلت تخطط لإعادة هندسة المجتمع الأميركي في الصفقة الجديدة. وواصلت الحركة الصهيونية خطتها لإقامة وطن في فلسطين. لكن هذه الخطط والعديد من الخطط الأخرى غالباً ما تصادمت ، ولم تكن هناك مجموعة واحدة من الأشخاص تدير المشهد بأكمله.

اليوم أيضاً ، ربما تكون هدفاً للعديد من المؤامرات. قد يخطط زملاؤك في العمل لقلب رئيسك ضدك. قد تقوم شركة أدوية كبيرة برشوة طبيبك لإعطائك مواد مخدرة ضارة. قد تضغط شركة كبيرة أخرى على السياسيين لمنع اللوائح البيئية والسماح لها بتلويث الهواء الذي تتنفسه. قد يكون بعض عمالقة التكنولوجيا مشغولين باختراق بياناتك الخاصة. قد يقوم حزب سياسي بتقسيم الدوائر الانتخابية في ولايتك. ربما تحاول حكومة أجنبية إثارة التطرف في بلدك. قد تكون هذه كلها مؤامرات حقيقية ، لكنها ليست جزءًا من مؤامرة عالمية واحدة.

في بعض الأحيان ، تتمكن شركة أو حزب سياسي أو نظام ديكتاتوري من تجميع جزء كبير من كل قوة العالم في يديها. ولكن عندما يحدث شيء كهذا ، يكاد يكون من المستحيل ابقائه سراً. فحين تكون القوة عظمى يكون انتشار الأخبار عنها والدعاية لها واسعاً.

إن إدراك أنه لا يمكن لعصابة واحدة أن تتحكم سراً في العالم بأسره ليس دقيقاً فحسب - بل إنه أيضاً يمد المرء بالقدرة على فهم مايحدث. هذا يعني أنه يمكنك تحديد الفصائل المتنافسة في عالمنا ، والتحالف مع بعض الجماعات ضد أخرى. هذا ما تدور حوله السياسة الحقيقية.

عن النيويورك تايمز

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top