TOP

جريدة المدى > عام > مونولوغ سعدي يوسف 2-2

مونولوغ سعدي يوسف 2-2

نشر في: 28 يونيو, 2021: 09:32 م

عندي إحساس بأن المدن العربية هي مدن عابرة

أجرى الحوار: يحيى جابر ويوسف بزي

عقائد وأديان

- لم يكن بيتنا متديناً، ولا أذكر أن جدي أو أخاه، أو حتى أعمامه كانت لديهم مظاهر دينية منتظمة.

- أنا أيضاً لم أكن متديناً ولم أصلِّ ولو يوماً. الله مسألة مختلفة جداً عن الفروض والطقوس. أؤمن بنظام الكون ومسألة تدبيره. أؤمن بقوة عليا تتحكم بمسار الكون. لكن كيف أعبر عن هذا الإيمان؟ هل أفسره تفسيراً؟ هل أصنعه في سياق التأمل؟ هذا ما أتساءله.

- لا أعتقد أنني ارتكبت إثماً، ولست بحاجة إلى اعتراف.

- أظن أنني بمنأى عن الكربلائية، وليس لدي عقدة ذنب.

- بين اعتبار الإسلام تعبيراً عن هوية واعتباره حنيناً فرق كبير. الإسلام الذي قاد الثورة الجزائرية إلى الاستقلال هو غير الإسلام الذي أدى إلى تدمير الجزائر. الإسلام واحد ككتاب وسنّة، ولكنه ليس واحداً في التأويل. التأويل يفترض استخدام الإسلام أداة لمنفعة أهداف التأويل، وهو بهذا يمسي مهمشاً. الإسلام جوهر، والتأويل عرض.. وأنا مع الجوهر.

- إن أطروحة غيفارا العربي ما زالت قائمة.

- تقديري أن الشيوعية ستظل الحلم الأبهى، وقد يجد الحلم تجليات أخرى في التطبيق ومن جوانب معينة، في الأفكار والعدالة والمساواة والحرية الكاملة. وهذه ستظل في سياق المثال. في هذه الحالة هل بإمكان تنظيم أو حزب أن ينهض بقوة المثال وحدها بعيداً عن الأيديولوجيا؟ أنا لا أظن ذلك. وهل بالإمكان التوصل إلى وسائل أخرى غير الحزب والتنظيم؟ هل يكفي حلم المبدع أو الفيلسوف؟ ما البديل؟ أهو إطلاق مخالب رأس المال والتجارة الضخمة واستغلال الناس وتدمير العالم الثالث؟ وهل أصبح عالمنا أجمل بعد انهيار المنظومة الاشتراكية؟

- إن المهمات الملحة والأساسية لأي دولة وطنية هي الحفاظ على سلامة الحدود والتنمية الاقتصادية والتطور الثقافي. والآن بعد مرور العقود الأخيرة من تاريخنا السياسي، نجد أن أي واحدة من هذه المهمات الثلاث لم تتحقق.. فالحدود مستباحة والمجاعة قائمة حقاً ولا نزال نحن العرب لا نعرف كيف نتحدث بلغتنا المعربة، بل لا نزال نفتقر إلى معجم.

- إن فكرة الهلال الخصيب إذا ما أبعدت عن التاريخ العربي، وأعيدت إلى الرومان والإغريق تكتسب معنى وأصالة.

- نحن العرب لم نفعل في الهلال الخصيب سوى التدمير، حضارياً وسياسياً. فالفكرة إذن ينبغي أن يجري الحديث عنها في سياق تطور مختلف، بعيداً عن أطروحة القومية العربية.

- قبل دخول العرب إلى بلاد ما بين النهرين، كانت هذه البلاد ملتقى حضارات وأديان. الإغريق لهم مكان، والزرادشتية لها معابد. وإلى زمن قريب، كان القداس في الكنائس يتم باللغة اليونانية.

- إن وحدانية السبيل أوقفت حرية الاختيار. في الماضي كان الزرادشتي يتحول إلى دين آخر بكل بساطة، وعابدو الأشجار يصبحون زرادشتيين من دون عوائق تذكر. كان للعالم معنى. وكان الإنسان يتصل بعناصر الكون عبر التعدد الحضاري.

أصدقاء

- السياب: أول مرة رأيت فيها السياب كانت أثناء عرس، ولم أتحدث معه. أعتبره معلمي. واستفدت من علاقتي معه فنياً. وأنا مدين له في النظر إلى النص الشعري بجدية. وبدر كان ضعيفاً وشخصيته قابلة للاهتزاز من أول نسمة ريح. عالي الحساسية ومرتجف.

الجواهري: هو من السلسلة الذهبية للشعر العربي الكلاسيكي. علاقتي به مستمرة منذ أواخر الخمسينات حتى الآن. أزوره.. ولا يعجبني كل شعره. إن “قصائد الصبا” شكلت صورته الحقيقية.

- البياتي: بعد “قمر شيراز” أعتقد أن البياتي وقع في أسر الموضوع الواحد. قبلها كان متنوعاً، وبحالات إنسانية أوثق. وكانت ملاحظته أدق. وأنا متحفظ وسلبي الآن تجاهه.

- بلند الحيدري: كان أحد مقلدي الياس أبو شبكة. وعلى كلٍ، لم يكوّن صوتاً خاصاً به.

- نازك الملائكة: صمتت في الوقت المناسب. إذ ظلت محتفظة بهالة التجديد في حدود الريادة.

- مظفر النواب: أنا أحب شعره بالعامية العراقية. وهو بمنزلة ميشال طراد اللبناني.

- أدونيس: نحن صديقان ودائماً ما نتزاور ونلتقي. نقضي أوقاتاً ممتعة في بيروت أو دمشق أو باريس. وهي علاقة مستمرة. أدونيس من صفاته التحول، ولشخصيته الشعرية جوانب عديدة ومراحل مختلفة. مع ذلك، فإن فترته الباريسية ليست أفضل مراحله.

- نزار قباني: عندما أعلن بيان تخليه عن الشعر السياسي احترمته، لكني كنت أود لو قام بهذا الأمر منذ عام 1967. أما شعر الحب فهذا ما أحبه في نزار، ما عدا قصائده السادية. ولا أعرف لماذا يصر على السادية.

- محمود درويش: بيننا علاقة شخصية جيدة. “هي أغنية..” و”ورد أقل” أحببته فيهما كثيراً، خاصة الأخير. هذا الديوان يظهر محمود درويش ككاتب قصائد ذاتية وبشغل فني رفيع.

- أنسي الحاج: عنصر التأمل في قصيدته لا يؤدي دائماً إلى نتائج جيدة. بالمقابل عنده تفرّس في الحياة. عنده هذه الطوباوية اللطيفة التي تظل هادية لنصه، وتجعل إطلالته على العالم تمتلك عمقها.

- شوقي أبي شقرا: يكتب بملموسية أكثر من أنسي الحاج.

- صلاح عبد الصبور: أعتبر مسيرته الفنية من أشق المسيرات الشعرية. كان يقطع الطريق من ديوانه الأول “الناس في بلادي” حتى يصل إلى “شجرة الليل” بصعوبة بالغة وتربية بطيئة، على نحو تعتبر “شجرة الليل” تتويجاً لجهد مستمر. إنه شاعر أصيل.

- محمد الماغوط: في فترة اكتشاف قصيدة النثر كان يبدو باهراً. الآن عندما نعيد النظر فيما كتبه نجد أنه اعتمد اعتماداً مفرطاً على المفارقة، مما أدى بنصه إلى أن يجنح نحو الطرافة. وهنا مشكلة شعره.

- سركون بولص: أنا أتابعه.. حتى أني سعيت إلى نشر بعض دواوينه. وأعتبره من أهم الشعراء العرب على تفاوت مجموعاته وطرق تناوله للكتابة.

- صلاح فائق: مقلد لفاضل العزاوي ومؤيد الراوي بل لسركون بولص.

- فاضل العزاوي: الآن اكتشف أنه روائي.

مدن

- عندي إحساس بأن المدن العربية هي مدن عابرة. ولهذا عندما أزور مدينة عربية أحرص على البقاء فيها وقتاً أطول، وأتمعن في مناظرها خوفاً من ضياعها. وهران مثلاً، في زيارتي الثانية لها لم أجدها مثل المرة الأولى. كذلك مدينة الجزائر وعدن.

- موسكو: لم أحبها. وجدتها قاسية. الثلج فيها أكثر مما يتحمل المرء. والعلاقة مع الناس أصعب بكثير مما كنت أتصور. زرتها مرتين متباعدتين.

- بيروت: منذ عام 1964 أتردد إليها. هي مدينة هامة جداً بالنسبة لي. نشرت فيها قصيدتي الأولى، في مجلة “الثقافة الوطنية” عام 1957. أظن أن لي في بيروت أصدقاء أكثر من أي مدينة أخرى. أكثر من عدد أصدقائي في بغداد مثلاً. بيروت من المدن القليلة التي صارت جزءاً هاماً من تكويني النفسي، الثقافي، السلوكي.

- باريس: ساعدتني على التأمل، على الاستقلالية. لكنها لم تمنحني إحساساً بعلاقة خصبة مع الناس، مع أنني حاولت أن ألتقط الأشياء الأقرب إليّ: مشارب المغاربة والأفارقة، ناس جزر الأنتيل، الأحياء الشعبية، الأسواق العامة يومي السبت والأحد، حيث الحياة أكثر طبيعية وأقل تكلفاً. الريف الفرنسي أقرب إلي من المدينة.

- القاهرة: أحب الاسكندرية أكثر. أشعر فيها بالعراقة المتجددة للمدينة البحرية، الإيحاء الإغريقي. الناس أقل عملية من ناس القاهرة، يحبون الاسترخاء والمتعة أكثر. القاهرة شعرياً تعني لي القليل. صلاح عبد الصبور وأمل دنقل.. وصارا من الماضي.

- دمشق: لدي فيها مكانان، الجامع الأموي وضريح محيي الدين بن عربي. خارج هذين المكانين لا تعني لي شيئاً.

- صنعاء: لا أعرف كم ينطبق عليها اسم مدينة. هل هي ذاكرة أم حاضر؟ حركة الناس في الشارع أي معنى لها؟ وأي جدوى؟ هذا ما أتساءله في صنعاء بالذات. أظنها لا تزال عصية على التحديد.

- الكويت: أقمت في الكويت يوم كانت شبه صحراء. زرتها فيما بعد ووجدتها خائفة جداً، بمعنى أنها متروبوليس لا مكان فيها لأن يتحرك المرء حركة طبيعية، بحيث أنني لم أستطع البقاء فيها أكثر من يوم واحد في زيارتي الثانية.

- بغداد: مرة كنت مع الجواهري وكان على طريقته يطوف بين معالم الشعر العربي فتذكر المتنبي. قال لي: أتدري يا سعدي أن المتنبي لم يذكر إسم بغداد في ديوانه. ذكر المهمل من الأماكن لكنه لم يذكر بغداد. وظل الجواهري يتساءل عن السبب من دون أن يتوصل إلى رأي. البصرة تعني لي أشياء أكثر بكثير من تلك التي تعنيها بغداد.

- أثينا: ميناء الصيد والأكروبول، أي الذاكرة اليونانية وحسب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الذكرى 150 لولادة شونبرغ

التعالي التكنولوجي في تخيل الذكاء الاصطناعي

فِي حضرَةِ عِمَارَةِ "مَسْجِدِ قُرْطُبَةَ اَلْكَبِيرِ"

تنويعات الوردة

وضـعـُنـا الـبـشـري نتاجُ تفاعل الطاقة والفعالية التطورية مع سلوكنا

مقالات ذات صلة

وضـعـُنـا الـبـشـري نتاجُ تفاعل الطاقة والفعالية التطورية مع سلوكنا
عام

وضـعـُنـا الـبـشـري نتاجُ تفاعل الطاقة والفعالية التطورية مع سلوكنا

لطفية الدليميالسرنديبية Serendipity، مفهوم يعني في بعض دلالاته أن يأتيك الامر مباغتا عن غير تدبّر قصدي مسبّق. لديّ من تجربتي الشخصية مع القراءة بعضُ الحالات التي ترقى إلى مصاف الكشف السرنديبي المدهش. كلّ قارئ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram