أين العراق من اليوم العالمي للعمل الخيري: بين التحديات والتداعيات؟

آراء وأفكار 2021/09/15 11:23:14 م

أين العراق من اليوم العالمي للعمل الخيري: بين التحديات والتداعيات؟

 د. أحمد عبد الرزاق شكارة

يحل يوم الخامس من ايلول / سبتمبر من كل عام موعدا عالميا للاحتفاء بالعمل الخيري International Charity Dayحيث يفترض أن يتم تقديم سلة واسعة متنوعة من أعمال وجهود الخير لشعوب وأمم العالم. يوم يفترض ايضا أن يعمق الوعي ويحفز سكان كوكبنا المنضوين في إطار المؤسسات الحكومية وغير الحكومية للعمل على توفير جملة من المساعدات والانشطة التنموية الانسانية على رأسها القضاء على الفقر بجميع صوره و اشكاله وابعاده بما في ذلك الفقر المدقع بإعتباره يمثل تحديا عالميا ضخما لابد من مجابهته وصولا لإنجاز متطلبات التنمية الانسانية في 2030.

إن جدول أعمال التنمية 2030 يفترض أن يركز على تعزيز روح التضامن العالمي وتلبية إحتياجات الفئات الاضعف والاشد فقرا. دور يضطلع به القطاع الخاص بعناصره وجهاته فاعلة متعددة بدءأ “ من المؤسسات متناهية الصغر مرورا بالتعاونيات وانتهاءا بالشركات متعددة الجنسية”. أكثر من ذلك، يضفى الاعتراف العالمي شرعية واضحة لأدوارشبكة واسعة من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الخيرية. إذن يمكننا التأكيد على توافر مساحة واسعة من الاعتراف والاهتمام العالمي بالعمل الخيري ومن ضمنه مانبحث الاجابة عنه مختصا بالدور العراقي.

جدير بالذكر أن اليوم العالمي للعمل الخيري قد تم توثيقه في الامم المتحدة ذات يوم وفاة الام تيريزا من كلكتا Mother Teresa of Calcutta في 1997. إن جهودها الجليلة في الهند والعالم اسفرت بحق عن تقدم بارز في الميدان الانساني العالمي اوصلها لنيل جائزة نوبل للسلام في عام 1979. جهدها المميز في الهند ولاشك استثمرته بنجاح منقطع النظير ليواكب مرحلة تأريخية من الصراع المرير للتغلب على حالات الفقر، المرض، الاحباط وظاهرة «يتم الاطفالOrphanage Children”التي بمجموعها لازالت تشكل أزمات خطيرة تنتظرحلولا عملية ناجعة دونها يؤسس لإوضاع حرجة تهدد الامن والسلام والرخاء العالمي.

العراق في ظل المنظومة العالمية للامم المتحدة وغيرها من مؤسسات عالمية يفترض أن يسعى وبقوة لإنجاز متطلبات العمل الخيري– الانساني بمفهومه الكوني العميق تعزيزا للاواصر الاجتماعية، وإسهاما في خلق مجتمعات أكثر أنفتاحا ومرونة تعطي لمساعي الخير مفهوما واقعيا ملموسا شاملا مضمونه رفع آثار الاضرار المترتبة على تصاعد الازمات الانسانية حيث يتم تسخير الطاقات المادية والبشرية لدعم الخدمات العامة في مجالات متنوعة منها على سبيل المثال لا الحصر : الرعاية الطيبة والتعليم والاسكان وحماية الاطفال والفئات المعرضة للمخاطر. صحيح ان العراق يمتلك اعدادا من المنظمات التي تعمل بألشان الخدمي الانساني إلا إن الصورة الوردية لعراق جديد حديث متمكن Empowered Iraq لازالت غير مكتملة النسج وتقع في ظل معادلة القوة الدولية غير عادلة وطنيا ودوليا أي لم تترجم عمليا بعد بصورة تناسب الثقل المتميز لامكانات العراق المادية والبشرية «غير المستغلة» بل ولا حتى الاستفادة من موقعه الجيوسياسي للتأثير على مجريات الامور بما يحقق نفعا للفئات الاكثر ضعفا وفقرا. لماذا؟ الجواب ليس من اليسر القطع به كونه يعتمد على تداعيات اوضاع وحالات من الفشل عايشها ويعيشها العراق في مجالات حياتية متنوعة تحد من إمكانيةبلورة رؤية و صيغة استراتيجية عالمية تعنى بـ»تحسين الثقافة والعلوم والرياضة وحماية الموروثات الثقافية لكل وطن رغم العولمة الرهيبة فضلا عن تعزيز لحقوق المهمشين والمحرومين ونشر الرسالة الانسانية في حالات الصراع والحروب والاوبئة”.

ما مر بالعراق من مآسي إنسانية جمة ناجمة عن جملة تراكمات وتداعيات الحروب والحصار مترافقة مع سوء إدارة وغياب للحكم الرشيد Good Governanceممتزجة بمظاهر فساد متنوعة الاشكال، المضامين والمستويات اوصلت البلاد والعباد لحالة يرثى لها من التخلف أسفر عن تدهور وضعف واضح للعيان انعكس سلبا على إدارة مرافق الدولة على الصعد الستراتيجية التي تغطي جملة محاور (سياسيا – آمنيا – اجتماعيا – أقتصاديا –ثقافيا –تربويا– علميا - تقنيا وبيئيا ). ظروف قاهرة كان يفترض تجاوزها عقب 2003 بصورة تتجدد معها آمال تسمح للعراق أن يقف حرا مستقلا ـ قويا وسائرا بخطى واثقة للتأسيس لمرحلة بناء نظام سياسي ديمقراطي حقيقي في ظل رؤية استراتيجية مفادها تأسيس عراق موحد آمن مزدهر وعادل اقتصاديا – مجتمعيا – خدميا. أكثر من ذلك، عراق واع ثقافيا - قيميا– أخلاقيا وبيئيا وفقا للحدود الدنيا المقبولة للعيش الكريم ولمستوى التوقعات الانسانية. آمال طالما انتظرها العراقيون بفروغ الصبر دون جدوى تذكر «اللهم إلا ما رحم ربي» ما أدى لإن يتطلع العراق وشعبه الابي للحصول على مساعدات أنسانية اقليمية – دولية تغطي جزءا ولو بسيطا من عجزه المالي – الاقتصادي على عكس التصورالافتراضي بإن العراق بمكنته - نظرا لثرواته المادية والبشرية الضخمة –أن يوفر مساعدات حيوية أنسانية عالية القيمة للدول وللشعوب التي تحتاجها خاصة في ظروف الازمات.

هذا وبرغم الصعوبات التي تكتنف الاتفاق على مفهوم تفصيلي محدد لماهية المقصود بـ : «المساعدة الانسانية»، «المساعدة الخارجية» و»المساعدة التنموية» ‘ إلا انه وفقا لكل التقديرات الواقعية تشتمل «المساعدات» على الاموال، الامكانات المادية والبشرية والخدمات التي تقدمها دولة من طراز القطب الاكبر او القوى الكبرى (الولايات المتحدة، دول الاتحاد الاوروبي، الصين، روسيا ) إلى الدول المتوسطة والصغيرة الحجم ومنها العراق. إنطلاقا من ما تقدم لابد لنا أن نوضح طبيعة الفوائد والخسائر المترتبة على اعتماد معادلة للمساعدات غير متزنة او متوازنة بكل ما تحمله من تحديات وتداعيات:

الفوائد المتوقعة

اولا : ترتبط المساعدات بما يمكن أن توفره الدول من أمكانات وقدرات تسهم بتلبية أهداف الالفية الثالثة للتنمية الانسانية. ضمن هذا التصور نجد إختلافا بين دول العالم، دولا حققت نتائج طيبة ومشهود لها وأخرى لم تحقق سوى القليل او المحدود من أهداف التنمية الانسانية المستدامة. العراق والالم يعتصرني لازال يحتل موقعا متاخرا في مؤشرات التنمية الانسانية مقارنة بدول العالم ليس فقط المتقدمة جدا منها بل وحتى تلك التي ظروفها النسبية تماثل العراق ولكنها نجحت في زمن قياسي من الوصول لمراتب جيدة في برامج التنمية الانسانية المستدامة تسمح لها بتقديم العون المادي والبشري المناسب للشعوب التي تعاني من مآسي طبيعية او من صنع البشر.

ثانيا: إعمال مبدأ التجارة مقابل المساعدة : Trade for Aid مسار يعتمد على تطوير جدي للبنى التحتية للمواصلات والاتصالات بما يسمح للعراق تأسيس مواقع، مرافئ ومواني تجارية مربحة تجاريا – أقتصاديا. عملية تستند على استغلال جزءا من مجمل الموارد الطبيعية (النفط، الغاز والمعادن الثمينة) مقابل الحصول على استثمارات مالية دولية لبناء بنى تحتية متقدمة جدا من طرق، موانئ ومرافئ بصورة تمكن الدولة من التنقيب على الموارد الطبيعية والمعدنية الكامنة ومن ثم إيصالها للاسواق العالمية عبر الموانئ الحيوية للعراق في الشمال وفي الجنوب (مثال- ميناء الفاو الكبير). ولعل من المناسب الاشارة إلى نماذج متعددة من الصناعات البتروكيميائية المعقدة التي يراد تنفيذها طالما للعراق خبراء ومتخصصون يسهمون في تحديثه. كذلك التعجيل بتنفيذ أتفاقات المدن الصناعية المشتركة مع دول الجوار العربية وغير العربية (تركيا وايران). ايضا بناء ومد شبكة سكك حديدية تسمح بانتقال البضائع والاشخاص عبر الحدود مع ايران وتركيا اوانطلاقا من العراق إلى دول دول الجوار العربي في المشرق العربي والخليج العربي.

ثالثا: تصاعد المد الاستقلالي للدول : مسالة تعتمد على تطوير شبكة من التعليم الاساسي تسهم ببناء وصقل ورفد مهارات التوطين والتمكين المناسبة Relevant Empowerment Indigenous Skillsمن خلال برامج تعليمية –علمية وتقنية رائدة ومبدعة. القيام على نشأة ومواكبة نمو أجيال تتمتع بوافر الصحة الجسدية والنفسية وبمناعة قوية تحد من انتشار الاوبئة الخطيرة (كوفيد -19 وكل تحوراتها المتيقن وغير المتيقن منها). كل ذلك يترافق مع اقتصاد حديث رقمي، سايبري ومعرفي آخذ بالانتعاش والتطور التنموي مايسمح بوصول بضائع الدول إلى الاسواق العالمية والتنافس من موقع القوة النسبية. مسألة ممكن تحققها إذا ما توفرت الارادة السياسية المستقلة والاستغلال الامثل للموارد المادية وللمهارات البشرية في إطار التنمية الانسانية المستدامة.

رابعا: الجوهر الانساني : إن تحقق الانجازات الانسانية في الدول المتقدمة تعني الكثير لسكان دول تتمتع انظمتها بالديمقراطية الحقيقية والتي تؤكد أهمية بل ضرورة القضاء على الفقر، الجهل والمرض في ظل مسار للتنمية المستدامة. إنطلاقا من ذلك، يدعو سكان هذه المناطق المزدهرة اقتصاديا دولهم (انظتهم السياسية) إلى ضرورة قيام قادتها او صناع القرار فيها بمهام اساسية لتلبية الاحتياجات الانسانية على رأسها مكافحة الفقر والامية ومنع انتشار الاوبئة ( مثال : جائحة كورونا-19). إضافة إلى تجسير الفوارق في التعليم وفي فرص العمل بين الذكور والاناث.. أخيرا الاهتمام بمواجهة تداعيات التغيير المناخي “الاحتراري” من نزوح اعداد كبيرة من مواطن سكناهم الاصلية إلى مناطق يحتاجون فيها للمساعدات الانسانية العاجلة. علما بإن مسألة التركيز على العدالة الانتقالية والدائمة تضحى هي الاخرى مهمة جدا لمواجهة تحديات إنسانية خطيرة تحمل نماذج من الظلم والاساءة لحريات وحقوق الانسان الاساسية.

الخسائر المتوقعة :

اولا : الاهتمام بتقديم المساعدات الخارجية يأتي على حساب تلبية الاحتياجات الداخلية.

يوجد رأي يقول بأن اعطاء مساعدات خارجية للدول يأتي على حساب اهتمامها بشؤونها الداخلية من ضرورة ازالة الفقر، ومواجهة تكاليف الصحة المتنامية وإعادة الاعمار بصورة جدية وشاملة لإتاحة الفرص المتكافئة للنازحين كي يتمكنوا من العيش الكريم ومن السكن بشكل سليم –مناسب صحي او لائق. علما بإن العراق يعاني الامرين من أزمات حياتية متراكمة ومتجددة بحاجة لحلول واقعية وجذرية.

ثانيا: إهدار المساعدة الخارجية

مسالة تتم من خلال تنامي الفشل التقني في بناء مؤسسات قويمة سليمة تعتمد الشفافية والمحاسبة والرقابة على المال العام خاصة في مواجهة حالات استشراء الفساد بصوره ومظاهره المتعددة. كما أن الفشل في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب يسبب إهدارا حقيقيا لاغنى عنه في مجمل موارد الدولة. هذا ومن انواع الفشل الدولي في تقديم مساعدات مجدية إنسانيا تلك التي تجد الدول نفسها ومنها العراق في مجالات تنافسية غير مجدية ضمن معادلة للقوة غير متوازنة موضوعيا على حساب ايصال الخبرة والمساعدة الضرورية للفرقاء المعنيين في الوقت والمكان المناسبين.

ثالثا : أن مناح انتشار الفساد متعددة ومنها مثلا ما يقدمه المانحون من مزايا مالية غير قانونية (رشاوى وغيرها من انواع المحسوبيات) مقابل الحصول على مزايا تجارية او عسكرية ما يتطلب التدقيق الجدي في العقود والشراكات القائمة بين الدول او بين الشركات التي تتجه للاستثمار في إطار علاقتها مع مراكز إتخاذ القرار، والامر ولاشك ينطبق على العراق. مايعني اهمية وضرورة استفادة العراق من التجارب الناجحة للدول الاخرى وبعكسه يستمر اهدار المال العام وضياع ثروات العراق الحيوية.

أخيرا لابد من تقييم كافة مناهج، برامج، ادوات، معلومات وسيناريوهات تقديم المساعدات التنموية الانسانية بصفة مستمرة تعزيزا للوصول لمراحل متقدمة من التنمية الانسانية العادلة - المستدامة تحقيقا لنوعية حياة افضل تليق بعراق يحمل إرثا حضاريا تقع المسؤولية الكبرى للحفاظ عليه على عاتق الجميع حكاما ومحكومين دون إستثناء رعاية وحماية وصيانة لاجيالنا القادمة من كل مخاطر إلانهيار، التشتت والتشظي بعيدا عن «الدولة المدنية – دولة المواطنة الحقة» التي يجب أن تتيح فرصا متكافئة نسبيا للجميع.

 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top