أين العراق من اليوم العالمي للتسامح؟

آراء وأفكار 2021/12/01 10:47:12 م

أين العراق من اليوم العالمي للتسامح؟

 د. أحمد عبد الرزاق شكارة

يحتفل العالم في السادس عشر من نوفمبر باليوم العالمي للتسامح بناء على قرار تبنته الجمعية العامة للامم المتحدة في عام 1996 رقم 95/51 . قرار سبق لمنظمة اليونسكو في عام 1995 أن أصدرت حوله تصريح مبادئ عرف التسامح بعبارة مركزة جميلة :

"التسامح يعني الاحترام ، القبول والتقديرلغنى التنوع الحضاري العالمي متخذا أشكالا وأساليب إنسانية في التعبير عنه". منظور يعترف بالحقوق العالمية للانسان مقترنة بإحترام الحريات الاساسية للاخرين. إن شعوب العالم والعراق من ضمنها هي في الاصل منبتها متنوع ولذا يأتي التسامح ضرورة حتمية لضمان بقائها وعيشهاالمشترك كونها مجتمعات تعددية Multilateral Communities. فهل حقق العراق مستوى مقبول من ثقافة التسامح يدعونا للتفاؤل ؟ أم أن مسار الصراع السياسي ، خطاب الكراهية والعنف الذي نشهده بشكل متواتر مازال مهيمنا على تفاصيل حياتنا السياسية – الاجتماعية -الاقتصادية والثقافية بصورة لارجعة فيها؟

عام 1995الذكرى ال125 عاما لميلاد زعيم الهند القائد العالمي لثقافة السلم واللاعنف المهاتما غاندي Mahatma Ghandiعد مناسبة قيمة خصصتها اليونسكو لتنمية روح التسامح واللاعنف بشكل مكافاة مدانجيت سنغ The UNESCO Madanjeet Singh Prizeتقدم للمؤسسات ، المنظمات والافراد الذين بذلوا جهودا وإنجازات أنسانية مبدعة في تنمية ثقافة التسامح ونبذ العنف تنعكس فيالفعاليات العلمية ، الادبية ، الثقافية وفي ميدان الاتصالات. جائزة تقر حقيقة سامية مفادها أن عدم التوصل للسلم لابد أن يؤسس لروح تضامنية– معنوية جماعية توجه مسار سفينة يتولى قيادتها مثقفي العالم ومنهم مثقفي العراق . لعل من المناسب الاشارة إلى أن مكتب اليونسكو في العراق قد احتفل باليوم العالمي للتسامح منظما أحتفالية مناسبة "ثقافية – فنية ترفيهية" في اربيل بمشاركة المفوضية العليا لإنعاش او إعادة الحياة لقلعة أربيل التاريخية مشروع رصد الاتحاد الاوروبي نفقات تشيده تحت شعار : "دعم معيشة السكان من خلال تنمية التراث الثقافي". علما بإن الحفل قد حضره السيد محافظ اربيل وشخصيات وطنية ودولية أخرى . مناسبات كهذه جديرة بإعادة اللحمة الوطنية للعراق ويجدر الاهتمام بها كنموذج وتصور استراتيجي مهم يؤكد ايضا أن أحد الركائز الاساسية التي يمكن للعراق ان يكون له باع في التحلي والالتزامبها "مبدأ الوحدة في التنوع " Unity in Diversity كونه يشكل ، آثراءا وتمتينا وقوة لثقافة التسامح التي تؤسس وتنمي لعلاقات إنسانية سامية بعيدة عن كل سمات : التعصب ، خطاب الكراهية وأنواع الفكرالمتطرف،أو نشرالمعتقدات التي لاتحترم العقل الانسانيبل وإتباع سلوك العنف من خلال خلق ظروف مواتية لحالات الصراع الذي قد تصل لمديات خطيرة تهدد السلم الاهلي.إنتوصلنا لثقافة التسامح تنتج مرحلة " السلام الاجتماعي بين الافراد من أجل العيش حياة أجتماعية خالية من مشاكل الحروب والنزاعات والصراعات التي تحدث بين الافراد ، والمجتمع فهي الطريق إلى الشعور بالسلام الداخلي والسعادة .."(د. رجاء الجبوري) . آمال مثالية جميلة بحق ولكن هل تعبد فقط بنوايا طيبة Paved with good intentionsأم أن الامر بحاجة لجهود جليلة جمة من صناع القرار السيادي - السياسي بالاضافة لأسهامات إيجابيةمن قبل منظمات المجتمع المدني ومن القيادات الفكرية المثقفة الراغبة بإحداث تغييرات جذرية إيجابية في مجرى الحياة الانسانية للاجيال القادمة ايضا؟؟ تساؤلات جدية بحاجة لإجابة واضحة . دولة مثل سنغافورة وصلت عقب مرحلة من الصدام والعنف العنصري في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي إلى قناعة واضحة تفيد أن ثقافة التسامح هي السبيل السليم بل والهدف المرجو وطنيا وصولا للسلم الاهلي - السياسي.تطورات مهمة أدت بذات الوقت إلى صناعة سياسة وطنية تهدف لإعطاء حقوق متساوية لسكان سنغافورة من أطياف متنوعة وبصورة تمكن الجميع من العيش المشترك دون أي تاثيرات- ناجمة عن إجراءات إدارية بيروقراطية مشددة - تؤثر سلبا وحدة القرار السياسي. صحيح أن دول العالم حتى المتقدمة منها عانت بل وتعاني من استمرار بعض سياسات التمييز العنصري والعرقي لكنها تعمل جاهدة - من خلال الدور المؤسسي الدستوري - للتخفيف من حدتها ضمن إطار إقرار وتطبيق قوانين ولوائح أدارية تنسج بعناية متوازنة مجتمعيا "نسبيا"لحماية شعوبها من أحتمالية ظهور مؤشرات تصادم او صراع مجتمعي – سياسي مستقبلي قد ينتهي إلى ما لايحمد عقباه من حالات عنف او تمزيق للنسيج الاجتماعي – الثقافي الجميل . دولة أخرى مثل جنوب جنوب افريقيا مضت قدما في إتباع سياسات ناجحة فحواها مجابهة التميز أو الفصل العنصري مايعرف بالابارثايد Apartheid.

أما في العراق فنحن بأمس الحاجة لاجراءات وسياسات تترجم حقوق الانسان وحرياته السياسية عملا وليس قولا . من أمثلة المواقف المرحب بها ما أعلنه السيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء من أن يكون السادس من مارس يوما وطنيا للتسامح وللتعايش وذلك بمناسبة لقاء البابا فرانسيس (رئيس الكنيسة الكاثوليكية) التاريخي بالمرجع الاعلى للطائفة الشيعية آية الله السيد علي السيستاني . علما بإن زيارة البابا وبعد مضي عدة أشهر لم تنعكس بصورة نتائج واضحة ملموسة على الارض يمكن للمواطنين وللوافدين الافادة منها من خلال أنعاش القطاع السياحي مثلا او حتى على مدى التزام المسؤولين وصناع القرار ايا كان موقعهم متابعة استقطاب الكفاءات العراقية (أيا كانت انتماءاتهم وجذورهم الاجتماعية) من الخارج . ضمن سياق مماثل نسبيا نحن جميعا بأنتظار اللقاء التاريخي المرتقب لشيخ الازهر الشريف السيد أحمد الطيب مع المرجع الاعلى آية الله السيد علي السيستاني ومع القيادات الدينية والسياسية العراقية الاخرى في منتصف شهر ديسمبر 2021 . سيمثل اللقاء المرتقب صورة اخرى مهمة تعزز ثقافة التسامحوالاحترام المتبادل بين الطوائف الاسلامية معززة للثقة وللعلاقات السلمية – التعاونية المتبادلة بين الدولتين والشعبين المصري والعراقي. من منظور آخر مكمل فإن روح أومضمون ثقافة التسامح تعني بشكل عام تصفية كل الضغائن او أشكال الكراهية بين كل ابناء العراق مهما أختلفت اديانهم او طوائفهم ، اعراقهم ، قومياتهم ، عشائرهم او مناطق سكناهم . الامر الذي يجعل ثقافة التسامح ليست ترفا فكريا او خطابا أجوفا بل سياسات وإجراءات وخطط تترجم عمليا تعكسدرجة الانتماء اولا لميثاق الامم المتحدة لحقوق الانسانوكذلك للميثاق العالمي للامم المتحدة لمنع التمييز العنصري ولغيرها من المواثيق الدولية ذات العلاقة.الامر الذي يستدعي من "أهل الحل والعقد" في العراق توحيد الرؤى والمواقف تجاه أنجاز متطلبات المصالحة الوطنية الحقة النابعة عن روح وثقافة التسامح (بأستثناء ما ارتبط بالدم العراقي) بعيدا عن توزيع المغانم الناجمة عن المحاصصة المقيتة بكل صورها وأشكالها او تلك التي تأتي بنتيجة حكومات تؤسس بصورة توافقية- سبق وان فشلت - بعيدة في مواقفها السياسية عن المضمون الحقيقي للوحدة الوطنية.. إنطلاقا مما تقدم تأتي أهمية وأولوية أذكاء التواصل السياسي والحوار المستدام مع كل أطياف الشعب العراقي بضمنها الاقليات الدينية والعرقية التي تشكل بمجموعها ما اشار اليه المغفور له مام (الاستاذ) جلال الطالباني رئيس الجمهورية العراقية "شدة الورد" التي علينا جميعا الاهتمام بها. إن أطلاق الحوار السياسي المثمر بغض النظر عن الانتماءات العقدية والايدولوجية - الحزبية مسألة اساسيةلبناء عراق حضاري جديد يتحمل مسؤولية بناءه - تطوره وإنمائه الجميع حكاما ومحكومين دون تمييز او تمايز . ضمن هذا المنظور لابدلصناع القرار في العراق النظر في إمكانية تخفيف معاناة شعبنا الحبيب بغية رفع الحيف والظلم الاجتماعي – السياسي والاقتصادي والثقافي عنه ، مع إمكانية تعزيز و تمكين دور الكفاءات العراقية - من مختلف الانتماءات - بحكم تخصصاتها الدقيقة في مختلف مجالات التنمية الانسانية المستدامة من مجابهة ما يتعرض له العالم ومن ضمنه العراق من مآسي أنسانية مشتركة ناجمة عن تداعيات كوفيد -19 ومن التغيير المناخي القاسي الذي وصل لحدود التطرف بصورة تؤثر سلبا على تنمية قطاعات الزراعة – المياه والبيئة في العراق بل وفي عموم منطقة الشرق الاوسط .

إن تنمية العراق بكافة قطاعاته الاقتصادية أمر اساسي لإنعاش مستويات ونوع معيشة العراقيين جميعا مسألة تستوجب أن تكون ثقافة التسامح جزءا من نسيج الستراتيجية الوطنية لاعمار وبناء العراق. أخيرا ، لابد لنا كمراقبين موضوعيين للاحداث أن نعترف بأننا لازلنا بعيدين كثيرا عن تبني ثقافة التسامح في حل آشكاليات الشأن السياسي والذي تجسده يوميا سلسلة مطولة من المناكفات ، الصراعات والتنافسات الحزبية – الايدولوجية التي وصلت لحدود التشكيك المبالغ فيه بنتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة بل وحتى المطالبة بالغائها ما يعكس صورة جد سلبية للواقع السياسي العراقي في وقت نحن في أمس الحاجة فيه للوحدة وللسيادة الوطنية الحقة التي يجب أن تجسد قانونيا – دستوريا وديمقراطيا- سياسيا من خلال مؤسسات ديمقراطية حقيقية تسهم ببناء العراق وتنميته الانسانية المستدامة . فهل نحن على قدر المسؤولية الوطنية الكبرى لترجمة ثقافة التسامح باعتبارها عنصر قوة وليس ضعفا إلى حياتنا ومجتمعاتنا لنعيد ألق ورقي العراق الحضاري ؟؟سؤال بأنتظار الاجابة..

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top