TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: في فندق السفير

قناطر: في فندق السفير

نشر في: 21 ديسمبر, 2021: 10:52 م

 طالب عبد العزيز

 

اتركْ معرضَ الكتاب، بعناوينه المختلفة، الى أولئك الذين يجدون ضالّتهم هناك، بين الكتب والنساء ونوافير الماء الملونة، ولا تأبه للغة مقدّم مهرجان الشعر السائحة، كثيرة المديح .

هذه منازل يَعافها القاصدُ المتعجّل، زائرُ المدينة الخفيف، واذهبْ الى حيث سكنتَ ذات يوم، ادخل شارعاً ظليلاً، بأشجار تمسُّ اطرافُها قمرةَ الحارس، وتحدقُ طويلاً بعينيه الخافتتين، لتؤرخه كلماتُ اغنية عابرة، وقفْ هنا، لصقَ مبنى الجريدة، حيث تقف امرأةٌ هناك، تنتظر بائع اكياس المحارم. أتذكر أنَّك اخذت عنها حقيبتها، وصعدت سلّم الفندق، أرهقتك درجاته السبع، لكنك بلغت مدخله، وأذِن صاحبُه لك بالدخول. وفي كابينة المصعد الضيّقة أخذتها اليك، دافئةً كانت، وبطيشٍ كثير .. على سرير من الخشب الممطور بالورد، ازحت ثوبا من الكتان ازرقَ وقصيراً، وذهبت الى حيث تحطُّ فراشةٌ سوداء صغيرةٌ بين عمودي الرخام اللينتين.

في الازقّة المظلمة، ببغداد، التي يتصادى صوتُ بغاياها في الليل، مع أصوات الجنود وحاملي الرايات، بساحاتها المزدحمة، وبالمركبات المظللة التي تخطف في النهار، وفي طريقي الى الفندق، الذي تطلُّ حديقُته على الشارع القريب، من النَّهر، منذ أمس، تذكرتُ انني أقمت في احدى غرفاته قبل نحو من اعوام خمسة، كنتُ رفقة امرأة، أتت من مكان بعيد، من خلف جبال نائية، يزدحم على سفوحها مقاتلون ومتقاتلون، تحملُ حقيبة سوداء، وتتخفى وراء نظارة سوداء ايضاً، لا ما كنتُ وإيّاها في غرفة واحدة، لكننا مُنحنا غرفتين، تفصل بينهما عين إلكترونية، ترتبط بسلك عند ادارة الفندق، هي مما استحدثته إدارات الفنادق، لمراقبة الداخلين والخارجين، وهناك، حيث يجلس رجل وقور، لا يسمح باجتماع رجل وامراة في سرير واحد، انتهزتُ عُطل ماكنة الكهرباء، وتوقفَ عين الكاميرا لكي أكون في مخدعها عارياً.

في الصباح أتيتُ لها بكوب الحليب، قبل أنْ تكملَ دورتها على كاونتر المائدة، وفي غفلة من أعين الذين تقابلوا على الطاولة معنا، أطعمتها الخبز ساخناً بالجبن، وبالبيض أحياناً، فكانت حبّات الزيتون الاسود تضيئ أسنانها، ومن زرٍّ في قميصها، أهملته، عارفةً بحقي، رحتُ أطالع شكل الحلم، وهو يتكورُ ويستطيلُ غامضاً، شكل القبلة على الحلمة، وهي تختلف على داكنين، تكزبرهما نسيماتٌ، تفلتت من عطل في النافذة. هي تترك شعرها مرسلاً، مثل قصيدة بلا نهايات، وانا ألقمُ الصبر ناراً وانتظرُ، أرعى في برية الظنون ما أرعى، حتى إذا أفاض النزلاءُ من بهو الفندق، وهبطوا درجاته السبع، وذهب كلٌّ الى غايته، أظلتني نخلتان ببابه، وأسمعنى عاملُ الخدمة كلمة رضاه، جاءت، أخذَنا الطريقُ الى باذخ من العشب، وأصلحتْ مجلسنا عليه، فكان نهار، وكان مساء، وجاء ليل.

هناك ما لايُستدعى بالتذكر ، ولا يذهبُ بالنسيان. ولا يتحققُ في حلم ، ولا يُحمل في حقيبة .،، عطر امرأة هبطت الجبل الى الجنوب.. فهي تصعد قطاراً متخلفاً الى البصرة، لو أنَّه مرَّ ببغداد للصَقَ الاطفالُ رسومهم عليه .. كان توقّفَ باسطنبول، ودمشق، وطهرانَ قبل سنوات تسع. أمّا صوتُها فقد ظلَّ حياً، حيّياً رطْباً، ومتناغماً، مع صوت الريح وهي تعبر، والمطر وهو يهمي دهماً، والستائر وهي تومئ في غرفة بالطابق الثالث، بفندق السفير على ابي نؤاس، حيث كان السينمائيون يحتفلون بعيدهم المئة.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram