TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: أم البصراويين

العمود الثامن: أم البصراويين

نشر في: 7 يناير, 2023: 11:30 م

 علي حسين

أخطر ما ابتليت به بلاد الرافدين ، هم الساسة الكارهون لمحيط العراق العربي، والمصرون على أن الجميع يتآمر عليهم، ساسة ومسؤولون لا يعرفون قدر ومكانة هذه البلاد.. بالأمس كنت أنظر إلى وجوه أهالي البصرة.. شباب وشيوخ، وفي وسط المشهد كانت المرأة التي داهمها المرض لكنها أصرت على أن تطل من نافذة بيتها لتحيي زوار العراق من بلدان الخليج العربي، امرأة كبيرة في السن تبدو مشرقة وهي تتحدث مع الاعلامي الامارتي محمد الأحمد .

كنت أنظر إلى وجه المرأة، وأنا أقول للزملاء في الصحيفة متحديا أن يجدوا سياسياً يحب العراق مثل هذه المرأة، التي قالت إنها برغم مرضها لكنها قررت أن ترحب بضيوف العراق ، صوت يحمل دفء المحبة ونبرات صادقة تكشف عن عفويتها.. كنت أنظر إلى وجه المرأة وهي تتحدث فأرى العراق أمامي، كريما معطاء زاهيا واثقا من نفسه، حين عرضت قناة أبو ظبي الرياضية اللقاء القصير للسيدة البصراوية، ران الصمت في الاستوديو وكأن الجميع يتعبد في محراب كلمات هذه السيدة.. لمعت العيون بدمع واحد، لا فرق بين ما تراه في عيني مقدم البرنامج الإماراتي ولا الضيف العماني، وعيني نصير شمه واللاعب سعد قيس الذي أجهش بالبكاء.

وانا أنظر إلى وجوه أهالي البصرة وهم يرحبون بضيوفهم، وجوه انمحت منها علامات الطائفية والمذهبية.. وجوه تعيد اكتشاف جوهر هذا الشعب.. وجدت نفسي أمام مواطنين بسطاء يريدون أن ينفضوا عن هذا الوطن غبار الطائفية والمحسوبية والانتهازية، ولعل أجمل ما في هذه الوجوه أنها أثبتت أننا شعب لم يتفسخ بعد، رغم سياسة التنكيل والإفساد وشراء الذمم التي مورست خلال السنوات الماضية، شعب لم يفسد رغم محاولات البعض إفساد مناخ الألفة فيه وزرع قيم الطائفية ، وبث الفرقة بين أبنائه وأبناء الخليج. أدهشتني وأفرحتني هذه الاستعادة المبهجة لأصالة ووطنية الشخصية العراقية في لحظة تصور البعض أن أحزاب الطوائف استطاعت أن تحرق مساحات الفرح والخضرة فيها، وهل هناك وطنية أكبر وأنضج من الموقف الذي اتخذته هذه المرأة التي لا نعرف إلى أي طائفة تنتمي، حين تحدثت عن العراق وكرم أهله وكيف يتحولون جميعاً إلى "عين غطا وعين فراش" لضيوفهم. ففي عتمة الانتهازية السياسية وألاعيب القرقوزات، وفي ظل مخطط شديد لإبعاد العراق عن أهله ومحبيه، نجد أناساً بسطاء يتحدثون عن المحبة والأخوة فنشعر بنبرة الصدق تشرق في ملامح وجههم، لا فرق بين إماراتي وعماني وعراقي وكويتي ويمني وسعودي، بين قطري وبحريني، الجميع انصهر في بوتقة واحدة اسمها البصرة.

كتب احد المعلقين من السعودية على الفديو في تويتر " لقاء محبة بحجم البطولة " ،فيما علق مواطن اماراتي :" (من يجينا يمن علينا) هذه الكلمات الصادقة من الوالده الله يحفظها دليل الاصالة والكرم العراقي " .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Khalid muften

    سيضل العراق الحضن الأبوي الدافى لا خوته العرب بالرغم من حقد وكراهية الأرجنتين.

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram