TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > لنكسر معيار الموضوعية!

لنكسر معيار الموضوعية!

نشر في: 20 فبراير, 2023: 11:39 م

كرم نعمة

لم يتوقف كبار الصحافيين الأميركيين والبريطانيين منذ أسابيع عن مناقشة فكرة متطرفة أكثر من كونها جريئة أطلقها ليونارد داوني جونيور، ليس بصفته من كبار الصحافيين الذين تركوا لمستهم على "واشنطن بوست" بل لكونه اليوم أستاذ الصحافة والإعلام في جامعة ولاية أريزونا؛ عندما طالب الصحافيين بكتابة حقيقتهم كما هي وليس الحقيقة التي يمثلها معيار الموضوعية.

جونيور المُحمّل بتجربة عمر صحافي يقترب من منتصف عقده الثامن، يقترح علينا ويدافع عن فكرته، من أجل أن تُنحي غرف الأخبار الموضوعية الصحافية جانبا، لأن هناك جيلا جديدا من الصحافيين "يعتقد أن السعي وراء الموضوعية يمكن أن يؤدي إلى توازن خاطئ وتضليل القراء".

فالموضوعية وفق جونيور باتت تُشعر الجمهور بأنها نفي للهويات والأنساق الثقافية، بل أن الموضوعية لم تكن أبدا معيارا يؤيده أثناء سنوات إشرافه على صحيفة واشنطن بوست، على الرغم من مبادئ الدقة والإنصاف وعدم التحيز والسعي وراء الحقيقة، التي يقول إنها كانت الأهداف التي عمل على أساسها كمحرر.

وللدفاع عن فكرته المثيرة يرى جونيور أن معايير الموضوعية تم إملاؤها على مدى عقود في غرف التحرير، وهي تعزز نظرة هؤلاء المحررين إلى العالم ويمكن أن يؤدي السعي وراءها إلى توازن خاطئ أو تضليل في تغطية قصص الأعراق ومعاملة النساء وعدم المساواة في الدخل… إلى أن يصل إلى اختصار كل هذا الكلام بأن مفهوم الموضوعية الصحافية هو تشويه للواقع.

حسنا! مقابل "ما وراء الموضوعية" التي يدعو إليها جونيور دعونا نعُدْ إلى التعريف الكلاسيكي للموضوعية بأنها التعبير عن الحقائق واستخدامها دون تشويه أو انحياز، والذي تجمع عليه القواميس الصحافية، ولم يتغير كثيرا مع كل التغيرات التي طرأت على صناعة الصحافة.

علينا أيضا أن نقرّ بأن المشاريع السياسية والتجارية للصحافة، بما فيها الأميركية التي فضل فيها الرجال الأقوياء الذين كتبوا الدستور الأميركي، دولة بصحافة على دولة من دون حكومة. هذه المشاريع كسرت فكرة الموضوعية بذرائع لا تنطلي على أحد.

لكن الحديث هنا عن جوهر الصحافة التي يفترض أن يناقشها جونيور وليس عن مشاريعها.

لم تكن الصحافة التي تعيش زمنا غير عادل بحقها، بحاجة إلى الموضوعية كما هي اليوم، في وقت تتعامل المنصات الرقمية مع المعلومات المضللة بشأن الاضطرابات السياسية والعنصرية والطائفية والاقتصادية، إلى درجة جعلت المجتمعات بما فيها الديمقراطية تعيش انقساما ساما، لأن المجتمعات بحاجة إلى الحقيقة أكثر من أي وقت مضى، وتلك مهمة الصحافة وهي تتمسك بجوهرها في عصر ما بعد الحقيقة.

عندما يبحث الجمهور عن الموضوعية لأنه، لسوء حظ الصحافة، فقد الثقة بالصحافيين الذين تنازلوا عن المعايير إلى درجة أشعرت الناس بأنهم لا يجدون أنفسهم في التغطية الإخبارية التي صارت تعبر عن مفهوم نسبي للحقيقة أقرب إلى وجهات النظر.

بالطبع هذا لا يلغي وجود جبهة مناوئة تتمسك بجوهر الموضوعية لإحداث فرق في صناعة خطاب يعيد الثقة بالصحافة. فإذا كان الدليل بحوزة الصحافي لا ينبغي عليه التراجع عن استخدام لغة محايدة بوضوح ومباشرة وبملء الفم.

وفي كل هذا الكلام، قد أبدو مفرطا بالمثالية في نظر زملائي الصحافيين الذين يعملون في مؤسسات تدافع عما يبقيها على قيد الحياة، أكثر من الجمهور الذي لا يتردد بالأساس في التهكم على مفهوم الموضوعية.

والحق، لا أملك إجابات "إلا أمام نفسي المؤمنة بذات الصحافي" من دون أن أطالب زملائي بالخروج على خطاب مؤسساتهم للتعبير عن حيادهم على وسائل التواصل الاجتماعي. مع ذلك إذا كانت "الحقيقة تموت في الظلام" فإنها يجب ألا تكون كذلك في الضوء!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram